أكد جعجع أنه لن نسكت عن الباطل ولو اعتقد هذا الباطل أن الأمر الواقع ومرور الزمن ورضوخ البعض يكسبه بعض المشروعية
 

بعد أن وضع وردة حمراء على النصب التذكاري، الذي يمثل شعار حزب "القوات" من تصميم المهندس نزيه متى، ألقى الدكتور سمير جعجع كلمة، استهلها بالقول: "قبل أن أبدأ كلمتي اليوم، البعض كان يعتقد أن أيلول الشهداء هو أيلول شهداء القوات وحدهم وعلى رأسهم الرئيس بشير الجميل. ولكن أحداث الأيام الماضية أثبتت أن أيلول الشهداء، هو أيلول شهداء كل لبنان من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب مرورا بالبقاع وجبل لبنان وبيروت"، مردفا "تحياتنا الحارة الى آخر دفعة من جنود الجيش اللبناني الذين سقطوا دفاعا عنا، تحياتنا القلبية وكل شعورنا مع أهاليهم، ولا سيما أمهاتهم وآباؤهم وزوجاتهم وأولادهم وإخوتهم وأخواتهم وكل أقربائهم. وأتوجه الى أهاليهم بالقول: أولادكم قاموا بكل واجباتهم على أفضل ما يكون، ولا يوجد إستشهاد أشرف من هذا الإستشهاد ولكن للأسف البعض لم يتركنا نهنأ حتى بهذا الإستشهاد، لذا أطلب من الجميع الوقوف دقيقة صمت عن أرواح شهداء الجيش اللبناني".

وبعد الترحيب بممثلي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحضور، توجه جعجع الى الشهداء، فقال: "هنيئا لكم جيشا لبنانيا وطنيا قويا لحظة فك عقاله بلغ الفرات زئيره والنيل. من فجر الأشرفية وعين الرمانة وزحلة وقنات الى "فجر الجرود"، فجر القاع ورأس بعلبك، مقاومة واحدة، لدواعش متعددة بأسماء مختلفة وأزمنة متفاوتة، لكن النصر واحد أحد دائما أبدا للبنان. عندما بدأنا بالمقاومة كانوا ألوفا مؤلفة، وكنا بضع مئات، ومع ذلك انتصرنا. أما اليوم فنحن لبنان والعالم بأسره معنا، فانتصاراتنا حتمية وستكون أضعافا مضاعفة. قاومنا بقلة من السلاح والذخائر إرهابيي الأرض وغزاة تلك المرحلة، يوم كان الجيش مغيبا مشلولا، واليوم، وبعدما عاد الجيش ليستعيد دوره بامتياز، بتنا نقاتل بالقوة السياسية والكلمة والموقف والإرادة، وإذا اقتضى الأمر العودة، عدنا"، مذكرا ان "لا دواعش الـ75 أخافتنا ولا دواعش الجرود وما بعد الجرود تخيفنا. من عنده يوحنا مارون، والآف الشهداء ذخائر لقضيته، لا تقوى عليه دواعش الأرض كلها، فمصيرهم على أيدي جيشنا البطل جهنم وبئس المصير".

أضاف: "رفاقي الشهداء، أنتم فخر المسيرة التي وصلنا بها إلى قمم البطولة والإيمان والعنفوان، وأوصلتمونا معكم إلى عز عطاءاتنا وإنجازاتنا وانتصاراتنا. أنتم من يبقي وهج قضيتنا التاريخية حيا في قلوبنا كأنها في بداياتها الأولى، في خضم بحار من القرف والوصولية والفساد واللامبالاة والانغماس في زواريب السياسات الضيقة الانتفاعية الآنية، لا نعرف كيف نفيكم حقكم في زمن البرودة والانحلال وسقوط المبادئ والقيم، وفي عصر الخفة والاستهزاء والاستهتار في مقاربة القضايا الوطنية والمصيرية الكبرى. رفاقي الشهداء، نحن اليوم لا نحيي ذكراكم فحسب، وإنما نعيد تجسيد وعيش لحظات الشهادة معكم لحظة بلحظة. كان يمكن لكل فرد منا أن يكون في أي لحظة إسما آخر مضافا على لائحة الشرف التي تزينها أسماؤكم في هذا الاحتفال. أما وأن الله قد من علينا بسنوات إضافية من الحياة، فواجبنا تجاهه وتجاه التاريخ والوطن والقضية لا أن نكتفي بتكريمكم بأقوالنا وصلواتنا فحسب، بل في كل عمل من أعمالنا أيضا. فإكراما لذكراكم الغالية سنكون دائما حيث تريدوننا أن نكون. وسنكون تماما كما أنتم كنتم حراسا أمناء لشعب غال وتراث عريق، وقضية مقدسة، ولن نقبل بأن تستشهدوا مرتين".

وتابع: "يا رفاقي الشهداء، إن الأفكار والتساؤلات التي تتجاذب رفاقكم، هي نفسها التي تتجاذبكم في عليائكم، فمنكم من يتساءل عن جدوى تضحياته ودموع أمهاته عندما يرى هذا الكم الهائل من المرتزقة والوصوليين الذين صنعوا أمجادهم الباطلة على حساب دمائكم الطاهرة، ومنكم من يرى أن القضية المقدسة التي اعتنقها شعبنا قبل عشرات القرون تتقاذفها أمواج سياسية غير واضحة ، فيما القضية الوطنية عرضة للطعنات المتتالية من الأقربين والأبعدين".

وأردف: "رفاقي الشهداء، إن أسئلتكم محقة في هذا الزمن الرديء، لكن ثقوا ولا تخافوا: نحن هنا، أنتم هنا، والمسيرة التي نمشيها، أنتم من يقودها وأنتم من يسيرها وانتم من ينير دربها، فلا خوف على القضية، لا خوف على لبنان. لا المعادلات السياسية تنسينا واجبنا الوطني والأخلاقي اتجاهكم، ولا الظروف تعطينا أحكاما مخففة اتجاه أي خطوة مستقبلية. إطمئنوا، فكما خضتم غمار نضالاتكم العسكرية بكل نبل والتزام واخلاق وشفافية، هكذا يتابع رفاق لكم اليوم خوض غمار المعترك الحكومي والنيابي والسياسي والتشريعي بالصلابة عينها والأخلاقية نفسها. كما كنتم حراسا ساهرين على أمن لبنان وحريته وسلامة شعبه، نحن اليوم جميعا، قيادة حزبية ووزراء ونوابا، نقوم بعملنا بكل استقامة وشجاعة وتضحية وشفافية لرفع شأن مؤسسات الدولة والارتقاء بها إلى حيث يجب أن تكون، فنفوز بثقة الرأي العام ونظهر صورة القوات اللبنانية المشرقة والنظيفة على حقيقتها، بعدما حاولت قوى الظلم والظلام والظلامية لعقود تشويهها وطمسها بكل ما أوتيت من دعاية وتجن وفبركات صحافية وقضائية. تحية كبيرة اليكم وزراء ونواب القوات اللبنانية لأنكم أظهرتم، وبما لا يقبل الشك والتشكيك، الوجه الحقيقي لحزب القوات الذي لطالما عملت قوى الظلام على طمسه وتشويهه. من هنا نقول فوق رؤوس الأشهاد: إن الحجر الذي رذله البناؤون أصبح اليوم حجر الزاوية، حجر الأساس".

واستطرد: "رفاقي الشهداء، أمور كثيرة تغيرت في العامين الماضيين. فعلى الرغم من الجراح والآلام، طوينا صفحة أليمة تعيسة من الماضي الحزين استمرت لأكثر من خمسة وثلاثين عاما، إلى غير رجعة. لقد قيل الكثير الكثير في تفاهم معراب، ولكن ما سيحفظه التاريخ عنه هو أنه كان نقطة تحول أساسية غيرت المناخات نحو الأفضل بشكل لم يسبق له مثيل داخل المجتمع الواحد، وفي كل مدينة وقرية وحي، وحتى داخل البيت الواحد في بعض الأحيان. من جهة ثانية، قلب هذا التفاهم المعادلات وأدى في ما أدى إليه، وبعد سنوات عجاف عجاف من الفراغ، إلى انتخاب رئيس ذي صفة تمثيلية حقيقية إلى سدة الرئاسة الاولى، وإلى قانون انتخاب جديد لم يكن ليبصر النور لولا تفاهم معراب ووجود رئيس مصمم في قصر بعبدا".

وأكد أنه "يخطئ من يعتقد أن تفاهم معراب كان تفاهما على رئاسة الجمهورية فحسب وسينتهي مفعوله مع انتخابات الرئاسة، أو عند مواجهة أول عقبة. إن التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر هو ضرورة خصوصا للشراكة المسيحية- الإسلامية الحقة لا يمكن لأحد التنكر لها لأنه يؤثر على مستقبل لبنان بأسره. ان التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وجد ليبقى...وسيبقى".

وإذ رأى أنه "عوض أن يعطي تحرير الجرود من الإرهابيين الدولة اللبنانية قوة دفع كبيرة باتجاه بسط سيادتها وسيطرتها على كامل ترابها الوطني مستفيدة من الزخم الشعبي والمعنوي والعربي والدولي، وعوض أن تسلم جميع الأطراف اللبنانية بالكفاءة العالية للجيش اللبناني وبقدرته في الدفاع عن لبنان"، قال: "نجد بعض الأطراف منزعجا من الانتصار الكامل الذي أوشك الجيش على تحقيقه، محاولا حرمانه وحرمان اللبنانيين من جني ثمرة هذا النصر، معنويا أولا وبالمحاسبة القضائية ثانيا".

اضاف: "فها هو حزب الله مدعوما من النظام السوري، وقبل ساعات من إطباق الجيش اللبناني على ما تبقى من مسلحي داعش المحاصرين في مربعهم الأخير، يتولى مفاوضة هؤلاء المسلحين، ثم يسهل خروجهم وكأن لا أسرى لنا قتلوا، ولا شهداء وجرحى من الجيش اللبناني والمدنيين سقطوا، وكأن لا تفجيرات وقعت في القاع، أو في الضاحية الجنوبية وراس بعلبك والبقاع، وكأن لا لبنانيين ينتظرون اعتقال هؤلاء القتلة الإرهابيين وسوقهم إلى العدالة".

وتابع: "الأدهى من ذلك كله محاولة إقناع اللبنانيين بأن كل هذه الصفقة كانت للكشف عن مصير العسكريين المفقودين، بينما يعرف القاصي والداني معرفة اليقين بأن العسكريين المفقودين، أحياء كانوا أم شهداء، كانوا مع مسلحي داعش المحاصرين، وكان الجيش اللبناني سيستعيدهم بكافة الأحوال بالإطباق على داعش".

وأردف: "البعض حاول أن يغش أهالي شهداء الجيش اللبناني بالقول لهم إن الإطباق على داعش كان سيؤدي الى مقتلهم جميعا، وما كانوا ليعلموا مكان الجنود الأسرى، مع العلم أن أي عملية إطباق في العالم لا تقتل 100% من المطبق عليهم، والمؤسف ان الجهات الرسمية أكدت أكثر من مرة انها كانت على علم بمصير العسكريين، لذلك نحن مع كل تحقيق يجري دون اغفال الجزء الاساسي، الذي هو من عمل على تهريب "داعش" وتخليصها من قبضة العدالة".

وواستطرد: "يكفي للواقع تحويرا، يكفي للحقيقة تزويرا، إن نسيتم لن ننسى. لذلك نحن مع كل تحقيق يجري من دون إغفال الفصل الأخير والأهم: من عمل على تهريب داعش وتخليصها من قبضة العدالة؟ فالبعض يتصرف وكأنه وحده في البلد".

وقال: "أيها اللبنانيون، يعيش لبنان ازمة جوهرية وبالعمق على مستوى وجود الدولة والكيان بحكم ازدواجية السلاح ومصادرة القرار الاستراتيجي، قرار السلم والحرب من قبل حزب من الأحزاب اللبنانية مع ما يعنيه ذلك من تشويه لصورة الدولة اللبنانية وضرب لصدقيتها بالإضافة إلى ضرب الميثاق الوطني وأسس التعايش، التي قام على أساسها لبنان من خلال ازدواجية المعايير بين اللبنانيين وعدم عيشهم تحت سقف قانون واحد. وما جرى مؤخرا في معارك فجر الجرود لخير دليل على ذلك، إذ فاوض حزب الله على معارك خاضها الجيش اللبناني ومن ثم حاول مصادرة ثمار ما أنجزه الجيش.
من جهة أخرى، أظهرت معارك فجرالجرود أن للبنان جيشا جديا قويا يلتف اللبنانيون، جميع اللبنانيين، حوله، ويستحوذ على اهتمام أصدقاء لبنان كافة، عربا وأجانب، فإذا كانت الحال كذلك"، سائلا: "لماذا نبقي هكذا مؤسسة شرعية تحت المكيال، ونترك المجال واسعا أمام حزب يتجاوز الشرعية وترفضه أكثرية اللبنانيين انطلاقا من سلاحه غير الشرعي ومصادرته للقرار الاستراتيجي وارتباطاته الخارجية؟ بالاضافة الى ان هذا الحزب يستعدي الأكثرية الساحقة من أصدقاء لبنان في الشرق والغرب انطلاقا من سياساته، ويستمطر على لبنان العقوبات والويلات من كل حدب وصوب، مما ينعكس على اللبنانيين حصارا، فقرا وتعتيرا وتخلفا".

أضاف: "لقد آن الأوان لكي يتم وضع حد لهذه الازدواجية. إن سياج لبنان الوحيد هو الجيش اللبناني . وكما رفع هذا الجيش راية لبنان فوق تلال القاع وراس بعلبك لا بد من أن يرفعها فوق كل التلال التي ترسم حدود لبنان. من شاطئ العريضة في الشمال إلى وادي خالد. ومن وادي خالد إلى جرود عرسال والمصنع. ومن المصنع الى راشيا، فجبل حرمون وشبعا وكفرشوبا. ومن القليعة الى رميش فعلما الشعب والناقورة. ومن الناقورة إلى حدود نفط لبنان ومياهه الإقليمية. ألأرض أرضنا، والمياه مياهنا، والسماء سماؤنا...والجيش وحده سياجها كلها".

وأكد "لن نسكت عن الباطل ولو اعتقد هذا الباطل أن الأمر الواقع ومرور الزمن ورضوخ البعض يكسبه بعض المشروعية، فالباطل يبقى باطلا ولو تبنته عشرات الألوف، والحق يبقى حقا ولو نادى به شخص واحد، فكيف إذا نادت به أمة برمتها. فإذا اعتقد البعض بأن مشروعه قد انتصر في لبنان وسوريا وقضي الأمر، هو مخطئ، فقد فاته أن مشروعه السياسي سبق له منذ العام 1990 أن كان سائدا ومهيمنا على لبنان وسوريا، ومع ذلك دحره اللبنانيون في 14 آذار 2005، وسندحره هذه المرة ايضا ولو بعد حين. ولنا في قول الإمام علي أفضل تعبير عن ذلك: دع الأمور تجري في أعنتها ونم نوما قريرا هانئ البال، فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال".

وعن الأزمة السورية، قال: "لقد بلغت هذه الأزمة بعد سبع سنوات على اندلاع الثورة، حدا لا يوصف من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كما الدمار والخراب والمآسي، التي لحقت بالسوريين. أضف إلى ذلك تداخل مجموعة عوامل ومصالح اقليمية ودولية باتت ترخي بثقلها على الجغرافية السورية، لجهة التنازع على مناطق السيطرة والنفوذ بين دول عدة. أمام هذا الواقع الدموي والمعقد والمتشابك يبقى الشعب السوري الضحية الأولى، وهو لم يقترف أي ذنب سوى توقه للحرية والديموقراطية والتغيير، على غرار معظم شعوب العالم الحر"، معتبرا "ان أي حل سياسي في سوريا لن يكتب له النجاح إلا إذا أخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب السوري ومطالبه المحقة، التي على أساسها أطلق هذا الشعب ثورته في 15 آذار 2011، وهذه المطالب تتلخص بانتقال سياسي كامل وشامل للسلطة تبعا لمقررات مؤتمري جنيف 1 و 2، وكل ما عدا ذلك ليس سوى إطالة لأمد الأزمة ولعذابات السوريين، وتهديد مستمر لاستقرار المنطقة".

أضاف: "صحيح أن ضرب داعش والنصرة في سوريا هو خطوة جيدة على طريق الحل، لكن الوصول إلى حل جذري يكمن في التخلص من داعش والنصرة والتخلص بالتوازي من مسببات داعش والنصرة، أي النظام السوري الذي لا يقل داعشية عن داعش بالذات. وبالمناسبة يحاول البعض من جديد الضغط لإقامة علاقات سياسية مستجدة بين الحكومة اللبنانية وبين نظام بشار الأسد، وبحجج مختلفة: إعادة النازحين، التنسيق في معركة الجرود، والآن إنجاز اتفاقات زراعية وتسهيل مرور الشاحنات اللبنانية...ولكن قبل أن يحاول هذا البعض، إنجاز الاتفاقيات على أنواعها، او اعادة النازحين فليعيدوا لنا أسرانا ومفقودينا في السجون السورية وفي طليعتهم بطرس خوند، ولتلغ معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي كانت قد أقرت، بقوة القهر، في ظل الاحتلال السوري للبنان، وليلغ المجلس الأعلى اللبناني- السوري، لأنه غير دستوري، وليسلم المحكومون قضائيا في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام وعلى رأسهم علي المملوك، ولترسم الحدود مع سوريا وليعترف بلبنانية مزارع شبعا، وبعدها لكل حادث حديث".

وأكد أن "النظام السوري بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين والعرب والسوريين وبالنسبة لمعظم الدول ولمنظمات حقوق الإنسان هو فاقد للشرعية وللمشروعية، وهو نظام سجون وقبور على مدى عقود وعقود، أثخن اللبنانيين بالجراحات والذكريات المؤلمة من قصف وتدمير وانتهاك كرامات وخطف آلاف من اللبنانيين من مختلف الطوائف، وتصفية واغتيالات وتفجيرات وسرقة مقدرات الدولة، وآخر حبات العنقود كانت شبكة الأسد- مملوك- سماحة، وتفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس"، سائلا: "فكيف يريدون للحكومة اللبنانية التي يفترض بها التعبير عن الشعب اللبناني، أن تقفز فوق كل تلك الاعتبارات؟ وأن تقفز أيضا وأيضا فوق الاعتبارات العربية والدولية، لتقيم علاقات مع نظام مرفوض من كل تلك المرجعيات؟ وبكافة الأحوال، هل ما زال هنالك نظام في سوريا؟ هل النظام السوري هو الموجود في سوريا أم نظام وصاية إيراني- روسي- أميركي- تركي؟".

وذكر أنه "في 26 نيسان 2005 أخرج جيش النظام السوري من لبنان...ولن يعود. وفي 8 آذار 2005، حاولتم إبقاء جيش الأسد في لبنان فكانت 14 آذار. وثقوا الآن أن الساحة ما زالت موجودة، وجماهير 14 آذار، بخلاف ما يشيعه البعض، ما زالت حاضرة، فلا يحاولن أحد من جديد".

وفي ملف النازحين السوريين، قال: "إن لبنان الذي شرع أبوابه أمام النازحين السوريين بدافع إنساني وأخلاقي، لم يعد قادرا بعد مرور سبع سنوات على هذا النزوح على تحمل تبعاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، خصوصا بعدما بلغت الأزمات الاقتصادية فيه حدا غير مقبول"، مشيرا إلى أن "ظهور بعض المناطق الآمنة في سوريا مؤخرا وبروز بوادر هدنة عسكرية طويلة الأمد، تمهيدا لنضوج الحل السياسي المنشود، بات يحتم على الحكومة اللبنانية التنسيق مع المجتمع الدولي، لإيجاد الطرق الآيلة إلى عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم ومدنهم، أو أقله انتقالهم إلى المناطق الآمنة، كخطوة متقدمة باتجاه عودتهم النهائية إلى أماكن سكنهم الأصلية. أما مطالبة البعض بالتنسيق مع نظام الأسد لإعادة النازحين السوريين، فهي دعابة تذكرنا بمقولة: وداوني بالتي كانت هي الداء".

ولفت إلى أنه "صحيح أننا منذ انتخاب الرئيس ميشال عون بدأنا نتجه أكثر نحو استعادة المؤسسات الدستورية. صحيح أن حكومة تشكلت برئاسة الرئيس سعد الحريري وأنجزت بعض الملفات، ولكن هل استطعنا استعادة الثقة؟ لا شك في أن تركة عهد الوصاية، القديمة منها والجديدة، كبيرة وتحتاج إلى جهد كبير لتنظيف لبنان منها. لكن غياب الرؤيا وعدم الجدية في بحث ملفات كثيرة، ومواطن الفساد الكبيرة والكثيرة، على الرغم من الجهود الكبيرة لوزراء القوات اللبنانية، تضيع كل الجهود وتبقينا في الحلقة المفرغة ذاتها. فالدولة اللبنانية تعيش على مستوى إدارتها حالا من انعدام الوزن والرؤيا والمشروع"، موضحا "لقد عقدنا العزم منذ اللحظة الأولى لدخولنا هذه الحكومة على محاولة النهوض بالواقع القائم خصوصا لناحية إيجاد رؤيا وخطة عمل واضحة والتزام تام بالإجراءات القانونية، وتنفيذ جدي وسريع للمشاريع المطلوبة، والقضاء على الفساد والزبائنية في الدولة".

وقال: "نجحنا تماما، وباعتراف الجميع، في الحقائب الوزارية التي ائتمنا عليها، لكننا نعاني كثيرا في ما تبقى. لقد نجحنا نسبيا في بعض الجوانب، لكننا لم نصل بعد إلى ما نصبو إليه, لكننا لن نستسلم بل سنتابع قدما على الرغم من صعوبة العمل، ولو بخطوات صغيرة وإنجازات متواضعة حتى الوصول الى الدولة المنشودة"، معتبرا أنه "بمقدار ما تشكل ازدواجية السلاح والقرار الاستراتيجي معضلة كبرى للبنان، بالمقدار ذاته يشكل غياب الرؤيا وتفشي الفساد وعدم الجدية في التعاطي بالشأن العام معضلة كبرى ثانية للبنان. يمكن للبنان أن يتحمل معضلة كبرى، لكنه بالتأكيد لا يتحمل اثنتين. إننا عاقدو العزم على تخليص لبنان من الثانية كما من الأولى، فهلموا. هلموا جميعا لكي نستطيع سويا إنجاز ثورة بيضاء نحن بأمس الحاجة اليها".

أضاف: "نشتكي كثيرا، ليل نهار، نشتكي وبحق من كل شيء: من الفراغ السيادي إلى ازدواجية السلاح، ومن وضع الطرقات إلى فرص العمل والكهرباء والماء والبنى التحتية والوضع المالي للدولة والفساد. إن الشكوى والتذمر هما أمر مفهوم ومشروع، لكنهما لا يطعمان خبزا ولا يسقيان ماء. ما هو غير مفهوم وغير مقبول هو ألا تترافق هذه الشكوى مع أفعال ملموسة لتغيير الواقع القائم، وكأن اللبنانيين أصبحوا مجرد مشاهدين لعرض مسرحي لا دور لهم فيه سوى التفرج والتصفيق أو النحيب، بينما الحقيقة هي أنهم المعنيون أولا وآخرا بكل فصول المشهد السياسي، سواء لجهة الاستمرار في التفرج على أدوار الفساد والاهتراء وانتهاك السيادة من دون تحريك ساكن، أو لجهة إسدال الستارة على ذلك كله"، مؤكدا ان "التغيير المنشود هو بمتناول أيديكم، وهو رهن إرادتكم وحدكم فقط، وإن السلاح الماضي الذي تمتلكونه، والذي يتفوق على كل الترسانات العسكرية، هو سلاح الاقتراع الكفيل وحده بإحداث ثورة بيضاء تطيح بكل ما تشكون منه".

وتابع: "إن مجتمعا قدم عشرات آلآف الشهداء ليس بمجتمع جبان أو خمول أو متخاذل أو رافض للتغيير، إنما هو مجتمع متحرك متمرد مسيس بامتياز، وإن مجتمعا أشعل شرارة الربيع العربي في العام 2005 ليس بمجتمع رجعي راكد متآلف مع الواقع المزري القائم، وإنما مجتمع تغييري إصلاحي سيادي لا يقبل بالرضوخ والذمية السياسية. إن مقولة "كما تكونون يولى عليكم" لا تسري على الشعب اللبناني، لأنه شعب راق نزيه وشريف ويستحق أن يتولى إدارته مسؤولون من الطينة ذاتها".

ورأى ان "المطلوب اليوم هو أن يأتي الشعب اللبناني بممثلين عنه يشبهونه في أخلاقياته وعيشه اليومي، ولا يشبهون مجتمعا آخر يعيش عالمه الخاص ومصالحه الخاصة. إن القوات اللبنانية تنشد التغيير وتعمل له انطلاقا من الانتخابات النيابية المقبلة. ومثلما اختارت وزراء ناجحين منتجين، نظيفي الكف واللسان، فإنها حتما ستختار مرشحيها للانتخابات النيابية من النوعية ذاتها، فهلموا وأعدوا طريق التغيير! إقترعوا لأصحاب الأكف البيض والسير البيضاء، إقترعوا لأصحاب السياسات العامة وليس لأصحاب الخدمات الشخصية. إقترعوا للأكفاء وليس لمجرد الأقرباء أوالمعارف الشخصية ولو لم يكونوا أكفاء. إقترعوا للشجعان الذين لا يهابون شيئا ويقولون للأعور "أعور بعينو". لا تقترعوا للذين يتكلمون ليل نهار ولا يفعلون شيئا، بل للذين يتكلمون قليلا ويفعلون كثيرا".

وقال: "أنتم جميعا تواقون للتغيير ونحن كقوات لبنانية أثبتنا مرارا وتكرارا أننا أرباب التغيير المنشود. لا تقترعوا للذين لا سياسات واضحة لديهم خصوصا على المستويات السيادية في الدولة. بعد كل ما عشتموه من تجارب، تعرفون تمام المعرفة من يفعل ماذا. فلا تتأخروا واقترعوا للذين رأيتموهم بأم العين يفعلون ما تريدون. ألأمل موجود دائما إذا عرفنا كيف نصنعه، وإننا له لصانعون".

وأمل من اللبنانيين "ألا تدعوا هذا الحلم يسقط من أيديكم. لا تتركوا اللامبالاة والشلل والمصالح الضيقة تنتصر عليكم في صناديق الاقتراع. لتكن أصواتكم انتصارا من أجل الحياة. لتكن إعلانا عن التمسك بلبنان الدولة القوية، الدولة التي تلبي طموحاتكم وأحلامكم"، مشيرا إلى أن "القوات اللبنانية، وكما كانت في الحرب تقف في الخطوط الأمامية للدفاع عن الحرية والكرامة والسيادة، تقف اليوم أيضا في الخطوط الأمامية للدفاع عن الدولة القوية والمجتمع الصالح والإنسان المحترم، وعن حقوق المواطنين وأمنهم الاقتصادي والاجتماعي. فهلموا ولا تتأخروا، أعلنوها ثورة بيضاء على طبقة سوداء وسياسات رمادية سوداء فاسدة، وتذكروا دائما أنه: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر".

وتوجه الى أهالي الشهداء بالقول: "صحيح أنكم خسرتم أبناءكم، لكنكم ربحتم وطنا يستحقه أحفادكم...صحيح أنكم ذرفتم دموعا سخية على أحبائكم الشهداء، لكن دموعا أسخى كانت ستذرف على وطن ضائع وكرامة مهدورة وحرية مداسة. صحيح أن جمرة الموت لا تحرق إلا مكانها، لكن هذا المكان ليس محصورا بقلبكم وحدكم فقط، وإنما يمتد على مدى الـ 10452 الذي أحرقته جمرة استشهاد أبنائكم. صحيح أن حرقتكم كبيرة على أبنائكم الشهداء، لكن حرقتكم كانت لتكون أكبر لو ربحتم أبناءكم وخسرتم وطنكم وأمنكم وحريتكم وعزتكم وكرامتكم لأنكم أيضا كنتم ستخسرون أبناءكم في وطن ستبكون فيه أولادكم كل صباح ومساء. صحيح أن الحياة غالية على كل الناس، لكن الموت في هذه الحال يصبح هو الحياة. فهنيئا لكم حياة خالدة لأبنائكم بالروح والقلب والذكرى، أما تعازينا غير الحارة، فنخص بها فقط من ربح حياته لكنه خسر الكرامة والحرية، وكل ما يمت إلى الحياة بصلة".

أضاف: "ويا شهداءنا الأبرار، يجمعنا كل عام أيلول الشهادة، لا لكي نستعيد ذكراكم، بل لكي نشهد أمامكم على أن وجداننا سيبقى أمينا لكم، وأن عزيمتنا ستبقى صلبة، وأملنا بالغد سيبقى ثابتا يقينا. إن نقاء وجداننا وعناد عزيمتنا واليقين في أملنا كانت في كل مرة وحدها سلاحنا الأمضى، ذلك "الجنون في إرادتنا" الذي عاكس معادلات الأعداد وموازين القوى. اذ فاتهم أننا لسنا مجرد هواة حرب ونار وسلاح بل مقاومون مؤمنون، وبالمقاومة مستمرون. وكما قاتلنا الحديد والنار عندما دعت الحاجة، سنقاتل اليوم الفوضى والفساد وثقافات الاهتراء والخنوع وعبادة الذات. حسبنا أن لنا إرادة آتية من وجدان تاريخي وعزيمة فيها من صلابة صخورنا وعناد أرزنا، وأملا لا تحده آفاق".

وختم "على قاعدة كل هذا، ومن أجل أن تبقى لنا هذه الأرض حرة ونعيش عليها أحرارا كراما، ولأن الخنوع واستجداء العيش ما كانا يوما في قاموسنا، ولأن اليوم يكمل الأمس ويمتد حكما إلى الغد، ولأن لأبنائنا وبناتنا الحق في ألا تهدر مقومات عيشهم وكرامتهم وأحلامهم وفخرهم بهويتهم، نقف الآن في رهبة المقام لنقول لشهدائنا مرة من جديد: على طريقكم سائرون، بالمقاومة مستمرون، حتى الاستشهاد أحرارا باقون. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، العزة والكرامة لشعبنا الأبي، عاشت القوات اللبنانية، ليحيا لبنان".