حركّت التغريدة السعودية الكواليس السياسية. كل الساحة السياسية تحفل بسؤال أساسي عن الجهة المقصودة بتغريدة الوزير ثامر السبهان. يقود المنطق إلى اعتبار أن التغريدة موجهة إلى حلفاء المملكة في لبنان، وليس إلى خصومها بطبيعة الحال. فهي تأتي في لحظة أساسية، قد تعتبر فيها المملكة أن حلفاءها في لبنان ليسوا على قدر التطلعات في مواجهة حزب الله وإيران. لذلك، جاءت هذه التغريدة قرعاً لناقوس الخطر، أو جرس إنذار، لما يمكن أن يستتبعها من اجراءات وخطوات عملانية، قد تصل إلى حدّ فرض عقوبات على لبنان.

ولدى سؤال مصادر متابعة عما إذا هذه العقوبات ستحرج رئيس الحكومة سعد الحريري وهو حليف السعودية، تجيب بأنه الآن محرج، وكذلك الحال كل تيار المستقبل وقيادييه ومسؤوليه. وتعتبر المصادر أن التغريدة موجهة بشكل خاص إلى الحريري، وليس إلى غيره، خصوصاً في ظل معلومات تتحدث عن أن الحريري يعمم دوماً بوجوب تخفيف لهجة الخلاف مع حزب الله، وتخفيض أسقف مهاجمته في هذه المرحلة، لأن الوضع لا يسمح بفتح معارك جديدة معه. ويتلقى المستقبليون هذه المعلومات بصمت، فتغلبهم الحيرة، ويحاولون استشراف آفاق المرحلة المقبلة، وقراءة التحولات الحريرية، في مقابل التصعيد السعودي.

لا تخفي مصادر متابعة أن هناك ضياعاً في الوجهة المستقبلية، لأن الأجواء غير واضحة لديهم. وهذا ما سيحاول الحريري معرفته خلال زيارته موسكو للبناء على الشيء مقتضاه. لكن الأكيد أن كل مواقف رئيس الحكومة، وتيار المستقبل، لم تكن على مستوى الرضى السعودي، في إطار المرحلة التصعيدية المرتقبة. لذلك، كان لا بد من هذه التغريدة التي تهدف إلى إعادة تصويب الأمور. وينعكس الارتباك المستقبلي في أكثر من مجال، لاسيما عدم عقد الاجتماع الأسبوعي لكتلة المستقبل النيابية، وذلك لسببين، الأول عدم وجود رؤية واضحة لحقيقة الأمر، والثاني عدم الخروج في موقف عادي ومكرر لا يقدّم ولا يؤخر. إذ فضّل المستقبل تأجيل إعلان أي موقف.

الأمر نفسه يسري على نواب التيار ومسؤوليه، الذين حين تتوجه إليهم بالسؤال عن حقيقة ما يجري، يجيب بعضهم بأنه لا يعلم ويفضّل الانتظار، بينما يكتفي البعض الآخر بعدم التعليق. وهناك من يشير إلى أن لبنان مقبل على أيام صعبة. وهذه التباينات كانت واضحة الأسبوع الماضي، ففيما خرجت كتلة المستقبل النيابية ببيان مرتفع اللهجة إعتراضاً على ما قام به حزب الله في جرود عرسال والصفقة التي أبرمها مع تنظيم داعش في جرود رأس بعلبك والقاع، خرج الحريري بموقف مناقض لموقف كتلته، واتخذ سقفاً منخفضاً للحديث، خصوصاً حين أشار إلى أنه أعطى موافقته على التسوية، وكان على علم بها وقد نسّق الموقف مع رئيس الجمهورية ميشال عون. وموقف الحريري هذا لم يعارض بيان كتلة المستقبل، إنما عارض التوجهات السعودية أيضاً، والإنتقادات القوية التي وجهها السعوديون إلى ما حصل في الجرود، إذ ظهر حزب الله وكأنه القادر على الإمساك بكل الأمور والتفاصيل وإنجاز التسويات بدون أي اعتراض من أي طرف.

لا شك أن للتغريدة السعودية مفاعيل سياسية كبرى، قد يكون أولها ما يراهن عليه المستقبليون وهو إعادة اتضاح الرؤية لديهم، والخروج بموقف موحد. وتشير مصادر ديبلوماسية إلى أن السعودية تبدي تفهّماً ازاء مواقف الحريري، وخصوصاً التي يقدّم فيها التنازلات، وذلك لأسباب عدّة، أولها أن هذا هو واقع الأمور، والظروف الآن لا تسمح بأي تغيير؛ وثانياً حرصاً على الحريري وخوفاً عليه من أن يتعرض لعملية انتقامية، ولكن أيضاً لا يمكن لها التسليم بالرضوخ لحزب الله، وهذا ما يجب إيجاد حلّ سياسي له في المرحلة المقبلة. وحتى إتضاح الصورة، فإن الحريري سيبقى على مواقفه البراغماتية، لتسيير الأمور بأقل الخسائر الممكنة.