شهد لبنان في الايام الماضية تطورا أمنيا وعسكريا استراتيجيا مهما من خلال إخراج مسلحي تنظيم داعش من جرود القاع ورأس بعلبك وانتشار الجيش اللبناني على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا بعد إخراج مقاتلي جبهة النصرة من جرود عرسال، وترافق ذلك مع كشف مصير الجنود اللبنانيين الذين كانوا مختطفين من قبل تنظيم داعش، وبموازة ذلك نجح الجيش السوري ومقاتلو حزب الله بإبعاد مقاتلي تنظيم داعش من الجانب السوري من الحدود.

وقد وصف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ما جرى بـ"التحرير الثاني للبنان" من التنظيمات الإرهابية، بعد التحرير الأول من الاحتلال الصهيوني في 25 أيار (مايو) 2000.

ورغم أهمية هذا التطور السياسي والأمني والعسكري، فإن ما جرى من أحداث ومفاوضات رافقت عملية التحرير أحدث سجالات وخلافات كبيرة بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين، بسبب السماح لمقاتلي داعش بالانسحاب وعدم اعتقالهم وتوقيفهم أو محاسبتهم على خطف وقتل العسكريين اللبنانيين، أو حول دور حزب الله والجيش اللبناني في المعارك والدعوة للتنسيق مع الجيش السوري والنظام السوري، أو حول من يتحمل مسؤولية ما جرى من أحداث في بلدة عرسال قبل ثلاث سنوات وأدى لخطف الجنود والعسكريين اللبنانيين.

لكن رغم كل الضجيج والسجالات والاختلافات حول هذه الأحداث والتطورات، فإن حقيقة أساسية واحدة ومهمة تتقدم على كل شيء وهي أن لبنان أصبح خاليا من التنظيمات الارهابية وأنه استعاد سيادته على أرضه وحدوده، وأن الجيش اللبناني أصبح هو المسؤول الأول والوحيد عن مناطق الحدود ولم يعد لبنان أمام خطر إرهابي مباشر على حدوده، وإن كانت المخاطر الامنية ستظل قائمة في المرحلة المقبلة لأن عناصر هذه التنظيمات قد تلجأ للقيام بعمليات إرهابية أو تفجيرات أو دهس للرد على الهزيمة التي تعرضت لها.

وفي موازاة هذا الإنجاز اللبناني الهام، فإنه أصبح من الضروري والطبيعي طرح السؤال التالي: هل سيعود حزب الله من سوريا بعد أن ساهم في تحرير الأراضي اللبنانية من التنظيمات الإرهابية بالتعاون مع الجيش اللبناني وبعد أن أنجز مهمة التحرير الثاني حسب توصيف أمينه العام السيد حسن نصر الله؟ وهل هناك توقيت محدد لهذه العودة؟ وما هو الثمن الذي قد يطالب به الحزب مقابل الانجازات التي حققها وعودته من سوريا والعراق؟

قد يعتبر البعض (وخصوصا من مؤيدي الحزب ومناصريه) أن هذا السؤال سابق لأوانه لأن الحرب في سوريا لم تنته وأن مهمة الحزب في سوريا لا تزال قائمة بانتظار انتهاء المعارك العسكرية والوصول إلى تسوية سياسية شاملة.

وفي المقابل فإن بقية القوى السياسية اللبنانية المعارضة لدور حزب الله في سوريا من الاساس قد ترد على هذا السؤال: بأن على الحزب أن يعود حالا من سوريا وأن الموضوع لا يحتاج لحوار أو نقاش أو انتظار التطورات السياسية والميدانية لأن ذهابه إلى سوريا كان مرفوضا من الأساس.

وفي مواجهة هذه المواقف، فإنه يمكن معالجة الموضوع بروح إيجابية أو موضوعية بعيدا عن النظرة المسبقة، وذلك للمساعدة في اطلاق حوار جدي حول وضع لبنان في المرحلة المقبلة ومستقبل ودور الحزب داخليا وخارجيا.

فالمعروف أن حزب الله قدّم عدة حجج لذهابه إلى سوريا ولا حقا إلى العراق، ومنها دفاعه عن المقدسات الدينية أو حماية الحدود اللبنانية أو لمنع وصول التنظيمات الإرهابية إلى لبنان أو لحماية موقع سوريا في محور المقاومة وإبقاء خطوط الإمداد له، ويمكن القول اليوم إن معظم هذه الأهداف قد تحققت باعتراف المسؤولين في الحزب وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله، وها هي التطورات في لبنان والعراق وسوريا تنتقل إلى مرحلة أخرى، ولذا من مصلحة الحزب ولبنان واللبنانيين أن يعود الحزب ومقاتلوه إلى لبنان وإعادة الأولوية لمواجهة العدو الصهيوني وحماية لبنان من أي عدوان جديد.

لكن هل سيقبل حزب الله بذلك؟ وما هو الثمن الذي سيطالب به الحزب للقبول بالعودة الهادئة والطبيعية؟ وهل يستطيع الحزب العودة اليوم قبل نهاية المعارك في سوريا؟ تلك أسئلة يمكن أن تطرح بهدوء وبروح إيجابية بدل الاستمرار في السجالات والنقاشات غير المفيدة، ولبنان الذي قدّم نموذجا مهما في مواجهة الإرهاب أمنيا وعسكريا وسياسيا، يمكن أن يقدم نموذجا في إجراء حوار سياسي شامل حول موقعه ودوره في المرحلة المقبلة وقد يكون إعلام استعداد حزب الله للعودة من سوريا والعراق بعد انتهاء المهام التي أوكلها إلى نفسه هو المدخل الطبيعي لهذا الحوار اللبناني المستقبلي.