شكّلت عمليةُ فجرِ الجرود وما أحاطها من مفاوضات، واسترجاعُ جثامين الشهداء الثمانية، مادةَ سجالٍ وتشكيكٍ وتسفيهٍ لانتصارِ الجيش على الإرهاب.
 

فقد عمد البعض إلى التشكيك في قدرة الجيش على الحسم العسكري إلى حدّ إظهار أنّ منظمة «داعش» الإرهابية لم تقاوم الجيش الذي تقدّم في الجرود الوعرة بلا عمل عسكري مهمّ، وعمَد البعض الآخر إلى التشكيك في نيّة الجيش في التفاوض مع الإرهابيّين والسماح لهم بالرحيل دونما حساب، وانقسمت الآراء بين متعاطف مع أهالي الشهداء وبين داعٍ إلى محاسبة المسؤولين عمّا آلت إليه الأمور، وكان واضحاً منذ البداية أنّ هناك أكثر من فريق يحاول تسخيف إنتصار الجيش والتقليل من أهميته، لكنّ الثابت والواضح هو أن الجيش قد أنجز عملية عسكرية متقنة بسرعة وإحتراف، وانتصر على الإرهاب بجدارة وكفاءة عالية وإحتراف ما جعلنا نعتزّ بجيشنا ونفخر به.

الجيش انتصر، ومقياس النصر ليس عدد الإصابات، بل تحقيق الأهداف المعلنة والضمنية، فهو قد أعلن لعملية فجر الجرود هدفين:

1- إستعادة العسكريين الأسرى أحياء كانوا أم شهداء، وقد استرجعت جثامين الشهداء الثمانية.

2- تحرير الأرض المحتلة من تنظيم «داعش» الإرهابي وقد رحل آخر مسلّح منهم عن أرضنا، واستعاد الجيش للمرة الأولى منذ الإستقلال، السيطرة على الجرود الشرقية ورسَم الحدود بدماء شهدائه.

خاض الجيش المعركة بالحدّ الأدنى من الخسائر (سبعة شهداء سقطوا في عمليات التفخيخ وإزالة الألغام) ملتزماً بالقوانين والمعاهدات والإتفاقات الدولية وسقط للمسلّحين الإرهابيين عشرات القتلى والجرحى وتهاوت مراكزهم وقدراتهم القتالية في الساعات الأولى للمعركة، مع العلم أنه في العلم العسكري يخسر المهاجم على نقاط محصّنة ما يعادل 7% من عديده المهاجم، أي أنّ الخسائر المتوقعة للجيش كانت لتصل إلى 140 بين شهيد وجريح، وتلك تُسمّى خسائر مقبولة ومحسوبة. لكنّ عدد الشهداء لم يتعدَّ أصابع اليد الواحدة، وعدد الجرحى لم يتجاوز أصابع اليدين، ما يعدّ في العلم العسكري إنجازاً عسكريّاً غير مسبوق.

الجيش هاجم العدوّ من الغرب إلى الشرق ومن تحت إلى فوق، في أراض وعرة شديدة الإنحدار مهاجِماً نقاطاً محصّنة ومحميّة ومموّهة، ترتبط ببعضها بالخنادق وتساند بعضها البعض بالنيران، ومحاور تقدّم مفخّخة وملغّمة، ما يدلّ على قدرة عسكرية جيدة لقيادة التنظيم الإرهابي.

لكن، وإجابةً على التساؤلات حول عدم ظهور مقاتلين أسرى أو قتلى، نسأل: من أين جاءت صورُ جثث الإرهابيين على الطرق وفي مراكزهم، ومن أين أتت مخازنُ الأسلحة والذخائر وعتاد المقاتلين التي نُشرت على وسائل الإعلام؟

وعن «ترك» الجيش الإرهابيين يرحلون سالمين بلا حساب، نجيب: لقد اقفل الجيش كل الممرّات التي تعبر من البقعة المحتلّة من الإرهابيين إلى الداخل اللبناني، وهاجمهم من الغرب إلى الشرق، فكان الأسهل والأسلم لهم الهروب إلى جهة الشرق بإتجاه الأراضي السورية، حيث يمكن لهم التفاوض على انسحابهم مع الجيش السوري و«حزب الله» بالمقايضة على جثث المقاتلين والأسرى، وهذا ما حصل فعلاً في عملية التفاوض، إذ إنّ ما يهم الجيش في الموضوع هو إستعادة جثامين الشهداء الثمانية وقد تمّ ذلك.

الجيش أتقن مناورته بالتنسيق المحترف بين القوات البرّية المهاجمة، ومناورة النيران من مدفعية عالية الدقة وسلاح الجوّ، محدِثاً الخرق في خاصرة العدوّ الخلفيّة حين هاجم في الفترة التمهيدية (16 آب) وفي أول يوم من عملية فجر الجرود (19 آب) العدوّ من الجنوب الغربي بإتجاه الشمال الشرقي، ضارِباً قواته من الخلف، مسهّلاً الهجومَ الجبهي من الغرب إلى الشرق، ما أدّى إلى إنهيار المسلحين وفرارهم بإتجاه الشرق إلى وادي مرطبيا حيث تتحصّن قياداتُهم وقواعدُهم اللوجستية.

جيشُكم إنتصر أيها اللبنانيون، رغم الغصة في القلب في استشهاد العسكريين الذين آثروا الإستشهاد على الرضوخ لإغراءات الإرهابيين بالإنضمام إلى صفوفهم مقابل حياتهم، فاختاروا شرف الشهادة على ذلّ الخيانة والإستسلام.

قائد الجيش أعلن النصر من بعبدا، وصرّح أنه ربح المرحلة الرابعة من المعركة بلا خوضها، وهذا بحدّ ذاته إنجازٌ عسكريّ مهم، فرِبح المعركة بلا قتال أهم من ربحها بالقتال وسقوط الخسائر.

جيشُكم رسَم حدود الوطن بدمائه، ولم يفاوض الإرهابيين ولم يهادنهم. جيشُكم يحترم الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، فهو يقاتل ولا يقتل إلّا العدو في أرض المعركة، وهو جيش تفخرون به، رجال شجعان أوفياء يذودون عن الشعب والأرض ولا يبخلون بالدم ولا بالشهادة.

جيشُنا إنتصر على الإرهاب في وقتٍ تعجز جيوشُ المنطقة عن ذلك... جيشُنا قاتل ببسالة وإحتراف وشجاعة أعتى المنظمات الإرهابية وأشرسها... وإنتصر، فاصمتوا أيها المشكّكون، وليخرس كلّ مَن يحاول أن يسخّف هذا النصر العظيم.