كثرت الشائعات والسبَق الإعلامي حول العملية المرتقبة التي سينفّذها الجيش ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في جرود رأس بعلبك والقاع، وأصبح مجرد مرور دورية روتينية للجيش في تلك البقعة، يعني الإستعداد للمعركة، وصوت قذيفة مدفعية تطلقها مرابض الجيش ضد أهداف معتلمة مسبقاً للإرهابيين، هي إيذان بإنطلاق الهجوم.
 

لكنّ الحقيقة أنّ تلك العملية الموعودة تُدرس بعناية ودقّة من جوانبها كافة من قبل أركان القيادة وقادة الوحدات المعنية وضباطها، إنما الضغط الإعلامي المتسارع والتحليلات غير المنطقية التي يطلقها «خبراء» و«محلّلون» عسكريّون، تزرع الشكَ في نفوس المواطنين، وتكثر حينها التساؤلات حول «إحجام» وقدرة، أو عدم قدرة الجيش على تنفيذ العملية أو التأخير بتنفيذها، ويقارنها مع تلك العملية التي نفّذها «حزب الله» وحلفاؤه في جرود بعلبك وعرسال ضد منظّمتي «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» الإرهابيّتين.

في تحليل واقعي ومنطقي للمعطيات الميدانية للقوى المتقابلة، ولطبيعة الأرض والتأثيرات المباشرة المحتملة على مجريات المعارك المرتقبة، يقتضي ذكر العناصر المؤثرة في الميدان، وتحديد نقاط القوة والضعف لدى تنظيم «داعش» الإرهابي الذي ينوي الجيش سحقه في جرودنا الشرقية، وتبرز نقاط قوته في:

1- طبيعة الأرض الجبلية الوعرة وتضاريسها الصعبة تشكّل نقطة قوة للتنظيم كونها تعيق تقدّم قوات الجيش ولا تسمح بحركة للآليات المدرّعة التي تؤمّن الدعم الناري المباشر.

2- الطقس الجاف والحار نهاراً والبارد ليلاً في الصيف، والشديد البرودة شتاءً إعتاد عناصر التنظيم على التآلف معه وعلى الحركية في الظروف المناخية الصعبة.

3- التمركز الجيد في نقاط قتالية محصّنة وإنشاء مراكز قتال بديلة، وطرق تموين وإتصال بين المراكز مموّهة ومحمية.

4- الإحتراف في القتال حتى الرمق الأخير (مدة ست سنوات ونصف من عمر الحرب السورية) والتعايش مع الواقع الميداني وحماية المراكز لبعضها البعض بالنار، والخبرة العالية بأعمال التفخيخ والتلغيم.

5- العقيدة الجهادية التي تحكم فكر عناصر التنظيم الذين يقاتلون رغبةً بالموت وحيازة الجنّة، وهم لا يفاوضون ولا يهادنون، وبغالبيتهم الساحقة غير سوريين، أي ليس بإمكانهم الإنخراط في المجتمع السوري الذي يرفضهم حتى المتطرفين كـ»جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، فتنظيم «داعش» قاتل كل المجموعات المعارضة أكثر ممّا قاتل الجيش السوري خلال الحرب السورية المستمرة.

أما نقاط ضعف التنظيم فتتجلّى بـ:

1- الحصار شبه الكامل لبقعة إنتشار التنظيم وعدم وجود طرق للإمداد والتموين، وقد إشتبك عناصره مراراً مع عناصر «جبهة النصرة» بهدف الإستيلاء على المساعدات الغذائية التي ترسلها المنظمات الدولية الإنسانية لمخيمات النازحين السوريين في خراج بلدة عرسال حيث تسيطر «جبهة النصرة».

2- صعوبة الإتصال مع قياداته في الداخل السوري (الرقة) والتصرّف كقوى معزولة تقرّر مصيرها بنفسها.

3- الإرهاق الذي سبّبته الرمايات شبه اليومية لمدفعية الجيش على أهداف له في بقعة إنتشاره رُصدت بدقة ودُمّرت في أحيان كثيرة بالكامل، كذلك الأهداف التي دمّرها الطيران وهي نقاط محصّنة ومخابئ اسلحة وذخائر.

4- العمليات الإستباقية التي نفّذتها القوات الخاصة ومديرية المخابرات في الجيش ضد أوكار وخلايا إرهابية في الداخل اللبناني وفي مخيمات النازحين السوريين، والتي أدّت إلى قتل وتوقيف قيادات في «داعش»، وعدم إيجاد بيئة حاضنة للتنظيم حتى في بلدة عرسال.

5- زوال ورقة التفاوض على المدنيين وفقدان إمكانية إستخدامهم كدروع بشرية تعيق عملَ الجيش، وذلك بتفكيك مخيمات النازحين خارج عرسال ورحيل المدنيين من عائلات ومناصري الإرهابيين إلى سوريا، نتيجة الإتفاق بين «حزب الله» و«جبهة النصرة»، وبالتالي خسارة إمكانية إبتزاز المنظمات الدولية والمحلية الإنسانية بتقديم المساعدات للنازحين وإستيلاء التنظيم على تلك المساعدات.

في ظل هذا الواقع الميداني للتنظيم الإرهابي، من الضروي الإضاءة على قوة الجيش وقدرته على الحسم بالوسائل والقوى العضوية المتوافرة، فالجيش يقاتل على أرضه وهو المعني الأوّل والأخير بمهمة تحرير الأرض من رجس الإرهاب، ويحظى بالدعم المنقطع النظير من الشعب، وبالغطاء السياسي الكامل، لكنّه لا يستعجل المعركة، ولا يبدأها تحت ضغط السبق الإعلامي، ولا بالمزايدات السياسية، وقد شُكّلت قيادة عملانية متقدّمة للعمليات المرتقبة.

القوى جاهزة وقد إنتشرت في البقع المحدّدة لها، وقادة الوحدات المنفّذة وأركانها وضباطها يقومون بالإستطلاع الدائم لمراكز العدو، ينفّذون التمارين التدريبية لمحاكاة واقع المعركة المفترَضة، وهم غير متسرّعين، يدرسون كل الإحتمالات والخيارات والنتائج المحتمَلة، وسينفّذون هجومهم المباغت والصاعق على مراكز الإرهابيين لكن بتوقيت تحدّده قيادة الجيش، ووفق حساباتها العسكرية وفي ظلّ الحرص الشديد على حياة العسكريين والمدنيين على السواء، هذه القيادة التي يعود لها وحدها تحديد الساعة «س» باللغة العسكرية، أي ساعة الصفر بالمفهوم الإعلامي.

غداً لناظره قريب، والجيش سيُحرّر أرضه ويرفع علم الوطن على أعلى قمم لبنان الشرقية.