سرعان ما ارتفعت السقوف السياسية لدى قوى الرابع عشر من آذار، أو التي كانت منضوية تحت لواء هذا التحالف بعيد زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان إلى لبنان. كل تلك القوى لجأت إلى الرد على كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وما طرحه، سواء أكان لجهة المعادلة الجديدة التي طرحها بإضافة الجيش السوري إلى الجيش اللبناني والشعب والمقاومة، أو عبر محاولته فرض التنسيق مع النظام السوري لكشف مصير العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش. لا شك في أن الردود المرتفعة لم تخرج عن السياق المعهود، باستثناء ما تقدّم به وزير الداخلية نهاد المشنوق. واللافت أكثر أن كلام المشنوق جاء خلال الاحتفال بالعيد 72 لمديرية الأمن العام، وبحضور رئيس الجمهورية ميشال عون واللواء عباس إبراهيم.

قال المشنوق إن الانجازات التي تحققت في معركة الجرود، هي نقطة تحول في مسيرة الأمن الوطني في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، وهي ستحيل إلى التقاعد كل المعادلات التي ركّبت في هذا الطرف السياسي أو ذاك. أراد المشنوق التصويب مباشرة على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وهي قديمة وغير مذكورة في البيان الوزاري الحالي. كما أراد نسف المعادلة الجديدة التي اقترحها نصرالله. وتؤكد مصادر متابعة، أن كلام المشنوق مثّل الردّ العلني الأول الذي يمثّل انعكاساً لأجواء الزيارة السعودية إلى لبنان، وآخر التوجهات السعودية مع اللبنانيين.

يوضح كلام المشنوق أن ما انطوت عليه زيارة السبهان يرتكز على مبدأ ضرورة الصمود ومواجهة حزب الله، ولكن ليس بالأساليب القديمة فحسب، أو بالمواقف، إنما بتقديم طروحات سياسية، تمثّل نقلة في التعاطي السياسي سواء أكان في الحوار، أم في السجال والاختلاف. بمعنى التخلي عن التصويب المباشر على سلاح حزب الله ودوره، بدون تقديم أي فكرة عملانية لذلك، والانتقال إلى تقديم طروحات سياسية، عبر تعزيز قدرات الجيش، وتوافر قرار سياسي وإقليمي ودولي حول دوره وانتشاره على كامل الحدود.

إلى جانب رص الصفوف وإعادة تجميع القوى المتناثرة من 14 آذار، فإن الرسالة السعودية ارتكزت على مسألتين أخريين، الأولى هي تثبيت مرجعية سعد الحريري ووجوب تنسيق الجميع معه، وخصوصاً الأفرقاء السنّة الآخرين، والذيناعتذروا عن حضور لقاء الأحزاب والشخصيات الوطنية مع نائب وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري، إذ إن مصادر "المدن" تؤكد أن الرئيس نجيب ميقاتي اعتذر عن الحضور، وكذلك الوزير السابق عبد الرحيم مراد، وبعض الشخصيات الأخرى. وتلك الاعتذارات جاءت لعدم اغضاب السعودية. كما أن المملكة حريصة على التواصل بين مختلف القوى السنية، ولكن أن يبقى الحريري هو المرجعية. وهذا ما قد يفسّر الكلام الذي قاله أحد مستشاري اللواء أشرف ريفي، حين قدّم استقالته، وأعلن تأييده خيارات الحريري.

أما المسألة الأخرى الأساسية التي توليها السعودية اهتاماً، فهي الانتخابات النيابية المقبلة، التي ستحصل بعد أشهر. إذ تؤكد مصادر متابعة أن السبهان أبلغ الجميع ضرورة رص الصفوف والتعاون، وتقديم التنازلات لمصلحة بعضهم البعض، لأجل عدم توفير الفرصة لحزب الله، كي يحصل على أكثرية نيابية، لأن هذا الأمر ممنوع. وتؤكد مصادر متابعة أن السبهان أكد الحرص السعودي على متابعة هذا الملف باهتمام، معتبراً أن الفترة المقبلة ستشهد مباحثات تفصيلية بهذا الشأن، لأن حزب الله يريد من خلال هذه الانتخابات أن يحصل على أكثرية، توفر له غطاء لما يريد فعله في البلد، وتكون هذه الأكثرية قادرة على قلب الموازين السياسية. وتلفت المصادر إلى أنها استشفّت من كلام السبهان أن السعودية ستدخل بقوة على خطّ الانتخابات النيابية. وهذا ما يعني أنه سيكون مقروناً بتقديم الدعم والمساعدات.

هذا الكلام، لا يمكن فصله عن الخطاب التصعيدي الذي بدأته هذه القوى، وبدأه المشنوق على طريقته، لأنه عملياً شكّل افتتاح المعركة الانتخابية. بالتالي، فإن المواقف التصعيدية ستتنامى. أما إقليمياً، فقد سمع من التقى السبهان أن لدى المملكة سلّم أولويات، وصحيح أن لبنان لم يخرج من سلّم أولوياتها، لكن في المرحلة المقبلة سيتم التركيز على إنجاز شيء ما في اليمن، ثم في العراق وسوريا. وهذه الانجازات ستنعكس بطبيعة الحال على الوضع في لبنان. وتكشف المصادر أن السبهان سيجري زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية في الفترة المقبلة، لبحث جملة أمور إقليمية، ستتركز على كيفية مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.