بالصراخ والتهديد يفرض حسن نصرالله تحويل الخيانة إلى نصر ثاني

 

المستقبل :

إذا كان الجيش اللبناني تلقف بكثير من الحزم والحذر الصفقة المبرمة على جبهة الجرود السورية مع تنظيم «داعش» وسط تأكيد مصادره لـ«المستقبل» أنه يعتبر عملية «فجر الجرود» اللبنانية مستمرة ولن تنتهي إلا بانتهاء نتائج فحوص الحمض النووي على الجثامين بالإضافة إلى تحديد مكان جثمان العسكري المخطوف عباس مدلج، فإنّ تيار «المستقبل» تلقى بمزيد من الأسف حفلة التوتير والضرب على وتر «الانتصار» الجردي التي صبغت إطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس احتفاءً بالاتفاق السوري المعقود بين نظام الأسد والحزب و«أمراء داعش» على تأمين عبور سالك وآمن للإرهابيين بأسلحتهم الخفيفة إلى الداخل السوري، سيّما وأنّ «التيار» أبدى رفضاً قاطعاً لمحاولة «تحويل مناسبة تحرير الجرود البقاعية والانتصار الذي حققه الجيش اللبناني على تنظيم «داعش» الإرهابي والنهاية التي آل إليها مصير العسكريين المخطوفين إلى ميدان لتعكير المناخ الوطني ولتجيير هذا الانتصار لمصلحة أجندات إقليمية وتحديداً لمصلحة نظام بشار الأسد المسؤول الأول والأخير عن توريط سوريا في مذابح أهلية لا مثيل لها في التاريخ العربي».

فبعد تقديم اعتذاره من اللبنانيين وأهالي الشهداء عن الاضطرار تحت وطأة مضامين خطاب نصرالله إلى دخول حلبة السجال السياسي في لحظة يُفترض أن تكون للتوافق والتلاقي الوطني، 

جدد «المستقبل» في مقابل سعي الأمين العام لـ«حزب الله» إلى «محاسبة القوى السياسية على مواقفها المبدئية»، التأكيد على كون «هذه اللغة» لن تؤثر على موقف «التيار» المبدئي من سياسات الحزب والإصرار على «اعتبار مشاركته في الحرب السورية وامتداداتها اللبنانية جزءاً لا يتجزء عن المظلة الإيرانية للحروب الدائرة في غير بلد عربي»، مع التشديد على تمسك «المستقبل» بالتزاماته المبدئية «تجاه الدولة ومؤسساتها الشرعية وبرفض استخدام لبنان وحكومته جسراً لتقديم شهادات حسن سلوك للنظام السوري»، خصوصاً أنّ بيان «التيار» الصادر رداً على خطاب نصرالله لفت الانتباه إلى أنّ «المسؤولية الأخلاقية تفترض التعاطف مع الأهالي المفجوعين وتجنب الإساءة لمشاعرهم أو إخضاعها للمزايدات السياسية (...) والتضحيات التي قدّمها الجيش اللبناني والإعلان عن استشهاد العسكريين الذين خطفهم وقتلهم غدراً تنظيم «داعش» الإرهابي يجب أن تشكل مناسبة لاجتماع اللبنانيين بكل أطيافهم السياسية والطائفية حول الدولة ومؤسساتها الشرعية، والتوقف عن تقديم الخدمات المجانية للنظام السوري واعتبار لبنان منصة لتقديم المصالح الخارجية على المصلحة اللبنانية».

الحريري

وكان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري قد أصدر بياناً ظهر أمس أعلن فيه يوم 28 آب 2017 يوماً «لانتصار لبنان على الإرهاب ولتحية قيادة الجيش وتكريم الشهداء»، في حين تريّث في إعلان الحكومة يوم حداد وطني بانتظار التأكد من نتائج فحوص الـ«دي أن إيه» للجثامين، بالإضافة إلى اعتباره «يوم تضامن مع الجيش وأهالي الشهداء».

وجاء في نصّ بيان رئيس مجلس الوزراء أمس: «إذا كان اليوم (28 آب) هو يوم لانتصار لبنان على الإرهاب وطرد تنظيماته، فإنه أيضاً يوم لتحية قيادة الجيش التي تحملت مسؤولياتها بكل جدارة واستحقاق وخاضت واحدة من أشرف المعارك الوطنية، ويوم لتكريم الشهداء الذين سطروا بدمائهم صفحة مجيدة من صفحات الدفاع عن لبنان وشعبه وسيادته». وأضاف: «إنّ الحكومة اللبنانية، وبعد التداول مع فخامة الرئيس العماد ميشال عون، ستُعلن يوم حداد وطني فور التأكد من نتائج فحص الحمض النووي للجثامين الثمانية، ويوم تضامن مع الجيش ومع أهالي الشهداء الذين قدموا على مدى أشهرٍ طويلة نموذجاً للتفاني والصبر وإرادة الصمود في وجه المِحنة»، ليختم الحريري قائلاً: «رحم الله الشهداء وحمى لبنان وشعبه وجيشه».

الجيش

تزامناً، برزت أمس الجولة التي نظمتها مديرية التوجيه في الجيش اللبناني لوسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية على الجرود في السلسلة الشرقية التي حررها الجيش وطرد منها «داعش»، بحيث شملت الجولة شروحات عسكرية للتكتيكات العسكرية وغزارة النيران التي اضطرت الإرهابيين إلى الاستسلام والانكفاء إلى الجانب السوري مع طلب تفاوض يؤمن خروجهم مع عائلاتهم إلى البادية السورية ودير الزور. علماً أنّ مصادر عسكرية أوضحت لـ«المستقبل» أنّ الحافلات التي رصدت أمس تقل مسلحي «داعش» وعائلاتهم وجرحاهم إلى الداخل السوري إنما هي تعمل على إخلاء الجانب السوري من مرتفعات «حليمة قارة» بينما الإرهابيون على الجانب اللبناني من هذه المرتفعات لا يزالون تحت مرمى نيران الجيش اللبناني بانتظار التأكد من تحقق شرط الكشف عن مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين من خلال التثبت من هوياتهم عبر فحوص الحمض النووي بالإضافة إلى تسلّم جثمان الشهيد مدلج، وبعدئذٍ يتم الإعلان عن تحقيق عملية «فجر الجرود» هدفيها بنجاح: تحرير كامل الأرض اللبنانية من الوجود الإرهابي والكشف عن مصير العسكريين المخطوفين.

«وجعنا واحد»

ومساءً نفّذ عدد من هيئات المجتمع المدني، وقفة تضامنية مع أهالي الشهداء العسكريين أمام خيمة اعتصامهم في رياض الصلح، تحت شعار «وجعنا واحد»، وأنشد المتضامنون النشيد الوطني ثم أضاؤوا الشموع تحيّة لكلّ العسكر وبطولاتهم، وبطولات أهاليهم الذين صمدوا لأكثر من ثلاث سنوات، وتحية لأرواح شهداء الجيش والعسكريين الثمانية، لترتفع الأصوات والصلوات بتلاوة الفاتحة و«أبانا الذي في السموات».

وبينما ألقى عدد من المشاركين كلمات في المناسبة طالبوا فيها بـ«محاسبة المقصّرين في ملف العسكريين منذ بداية اختطافهم وحتى الإعلان عن استشهادهم»، أعلن المحامي زياد بيطار باسم أهالي شهيدَي عكار «بدء الملاحقة القانونية لكلّ من قصّر في الدولة بملف العسكريين»، داعياً إلى «تشكيل لجنة تحقيق وزارية للوصول إلى أجوبة حول أسئلة مطروحة عن خطف العسكريين واستشهادهم»، استناداً إلى «حق الأهل بمعرفة ماذا حصل لأبنائهم ولماذا ماتوا». 

وشاركت عائلة المصوّر الصحافي المخطوف في سوريا سمير كسّاب في الوقفة التضامنية، وكشف شقيقه جورج أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أبلغه أمس أنّ «البحث متواصل في ملف سمير ولكن لا معلومات جديدة». وأضاف جورج: «لدينا أمل ولن نفقده أبداً، عملياً لم تصل أيّ إشارات عن أخبار سيّئة عن سمير وكل المعلومات التي حصلنا عليها إلى اليوم تفيد أنه بخير»، مطالباً الدولة بأن تتحرك لكشف مصير شقيقه «ومعاملة قضيته كما الأسرى الآخرين».

 

الديار :

ما بعد 28 آب 2017 لن يكون كما قبله، اكتمل التحرير الثاني بالامس، مع خروج آخر العناصر التكفيرية من الاراضي اللبنانية، استسلام تنظيم «داعش» وقبله «النصرة»، ليس حدثا عاديا في الزمان والمكان، انه نقطة تحول استراتيجية ستضع لبنان كما المنطقة امام واقع جديد بعد سقوط رهانات ومشاريع داخلية وخارجية كانت تعول على الاستثمار بهذا الارهاب... لم يبالغ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما تحدث عن فتح البعض «لمجالس العزاء»، هو يعرف الكثير من «كواليس» ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية، لكن مقتضيات المصلحة الوطنية، والاستقرار الداخلي، واهمية الانجاز، تفرض تاجيل «فتح» الكثير من الملفات.. هو خرج بالامس ليؤرخ لنصر جديد تحقق بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، شارك اللبنانيين تفاصيل التفاوض الصعب، مؤكدا ان المهمة انجزت بتحرير الارض، وبالكشف عن مصير العسكريين المختطفين، مطالبا بمحاسبة من تركهم لمصيرهم بايدي الارهابيين، وهي قضية تبدو الرئاسة الاولى معنية بمتابعتها، في ظل تدخلات سياسية بدأت تطل برأسها لحماية «ايتام» الارهابيين الذين  سيواصل حزب الله ملاحقتهم والاقتصاص منهم على الجبهات السورية..
وشرح السيد نصرالله الذي دعا الى الاحتفال «بالتحرير» يوم الخميس في بعلبك، تفاصيل المفاوضات التي جرت تحت النار مع «داعش» واكد ان «حزب الله لا يمكن ان يقبل اتهامه انه يبتز اي احد في ملف او قضية انسانية»، ولفت الى ان  الحزب قام بواجبه في ملف كشف مصير الجنود العسكريين المختطفين، واضاف «ليس حزب الله الذي يقال انه يبتز في قضية انسانية ولذلك كل من قال هذا الكلام هم صنفان: إما جهلة لا يعرفون اللغة العربية وإما أنهم لئام عديمو الأخلاق»...
 

 

 

 

 

 

 «ايتام» الارهابيين


واكد السيد نصر الله «نحن منذ البداية كنا نؤمن بالجيش اللبناني وما زلنا ولكن البعض كان يعتدي ويتهجم على الجيش في مجلس النواب وعلى المنابر، وقال «اذهبوا وحققوا وحاسبوا اصحاب القرار السياسي الجبان والخاضع الذي سمح بان يبقى هؤلاء الجنود بأيدي خاطفيهم بدلاً من ادانة الجهة التي قاتلت وساهمت بهذا التحرير العظيم»... وفي هذا السياق وبحسب اوساط وزارية مطلعة، فان رئيس الجمهورية ميشال عون عازم على متابعة قضية التفريط بمصير العسكريين حتى النهاية، وقام وزير العدل سليم جريصاتي بابلاغ اهالي العسكريين بهذا الامر يوم امس، واكد لهم ان دماء ابنائهم لن تذهب «هدرا» وسيحاسب كل من تواطأ او قصر في واجباته حيال قضيتهم... مع العلم ان كل المؤشرات والمعلومات تدل على ان وحدات الجيش كانت قادرة على حسم المعركة وانقاذ العسكريين في العام 2014 وكانت قاب قوسين من بدء العملية العسكرية لكن القرار السياسي لتيار المستقبل والذي تبلغه رئيس الحكومة انذاك تمام سلام، «اجهض» المهمة، فيما كان للحسابات الرئاسية يومها وقعا مؤثرا ايضا على عدم حماسة قائد الجيش السابق الجنرال جان قهوجي الذي لم يبذل الضغط الكافي لتغيير المعادلة...
وفي هذا الاطار، لا تتوقع اوساط وزارية في 8 آذار ان تصل المحاسبة السياسية الى خواتيمها، لان ثمة توازنات داخلية لا يستطيع رئيس الجمهورية ان يتجاوزها، ولا تسمح المناخات الحالية في هز الاستقرار الداخلي، لكن العمل الجدي سيكون بفتح الباب امام ملاحقة «ايتام» «داعش» «والنصرة» في الداخل اللبناني وخصوصا في بلدة عرسال، وهذا ما تؤكده مصادر امنية، اشارت الى ان ملفات عدد من اللبنانيين والسوريين مكتملة، وفيها ادلة ثابتة على تورطهم في الارهاب، ولن تكون هناك «خيمة» فوق «رأس احد»، وكل من تورط في عملية خطف وقتل العسكريين، ستتم محاسبته امام القضاء اللبناني، وذلك على الرغم من بعض التدخلات السياسية التي بدأت تطل برأسها لمحاولة تحييد البعض عن المحاسبة، وفي المعلومات ان احد وزراء المستقبل الذي تلاحقه الكثير من الفضائح في وزارته، وكان حتى الساعات الاخيرة يتولى عملية نقل شروط جبهة النصرة قبل استسلامها في جرود عرسال، يحاول حماية بعض الشخصيات النافذة في عرسال ومن بينها «ابوطاقية» ورئيس البلدية السابق علي الحجيري المعروف بابو «عجينة»...
 

 ملاحقة «الارهابيين»


وبعد ان خرج مسلحو داعش على متن 17 حافلة ضمت 308 مسلحين و330 مدنيا،112 انضموا اليهم من مخيمات عرسال، توجه  السيد نصر الله الى المزايدين بالقول «بالقانون والدين والاخلاق نحن عقدنا اتفاقا في هذا المجال ولا يمكن لنا ان نغدر او نطعن بالظهر او نحتال او نلعب على احد حتى مع هؤلاء الذين أتت بهم اميركا ونحن علينا ان نوفي بالشروط المطلوبة منا ولا علاقة له بمسألة العين بالعين ونرفض الحديث عن انتقام او غدر بما يندرج بالمزايدات»... لكن هذا التأكيد لا يعني ان هؤلاء القتلة لن يحاسبوا على جرائمهم، فوفقا لاوساط ميدانية مطلعة ثمة قرار حاسم لدى قيادة المقاومة على ملاحقة  هؤلاء الارهابيين على الجبهات السورية، فبعد دخول هؤلاء الى المنطقة المتفاهم عليها تنتهي مفاعيل الاتفاق، وسيكون هؤلاء جزء من المواجهة المرتقبة خلال الاسابيع المقبلة، وكل ما حصل عمليا بعد استسلام «الدواعش»، هو تاجيل المعركة التي انتقلت الى مساحات جغرافية تعد اكثر ملائمة من الناحية العسكرية لحزب الله الذي يقود احد اهم محاور القتال الرئيسية في البادية السورية، فهو اليوم «يطرق ابواب» المنطقة الحدودية مع العراق ويشارك مع الجيش السوري في اهم ثلاث محاور احدها على الحدود العراقية باتجاه مدينة الميادين، والثاني باتجاه دير الزور، والثالث على امتداد محاور البادية السورية، حيث يستمر تقدم هذه القوات بشكل سريع بتغطية جوية روسية... وفي الخلاصة اخرجت هذه التسوية «داعش» من «الخاصرة» الاخيرة المتبقية على الحدود اللبنانية، وتم ابعاد هؤلاء الارهابيين عن المناطق الحيوية  القريبة من دمشق، حيث كان خطر هؤلاء ماثلا على طريق العاصمة السورية مع محافظة حمص التي تعتبر عقدة مواصلات نحو مختلف المناطق السورية الحيوية، كما تم ابعاد خطر هؤلاء عن التجمعات السكنية اللبنانية على الحدود الشرقية، وتم اقفال نهائي لتلك «البقعة السوداء» التي كانت تستخدم كغرفة عمليات للتخطيط، ومكانا لوجستيا لتفخيخ السيارات التي كانت ترسل الى الداخل اللبناني...
 

 «انزعاج» اميركي


فرض شروط الاستسلام من قبل حزب الله على مجموعات «داعش» في الجرود لم ينزل «بردا وسلاما» على السفارة الاميركية في بيروت، وفي هذا السياق لم تخف السفيرة الاميركية اليزبيت ريتشارد انزعاجها من الامر وهي ابلغت مجموعة من «الاصدقاء» السياسيين بان بلادها غير راضية عن قيام حزب الله برسم سيناريو «المشهد» الاخير في معركة الجرود، عبر «اخراج» التسوية وفقا لمصلحته، وقيامه بفرض هذه الشروط على الجميع، دون ان تتمكن السلطات السياسية اللبنانية من استثمار الدفع الدولي الذي امنته الولايات المتحدة وراء الجيش لخوض هذه المعركة ضد الارهاب، وبرأيها ظهرت الحكومة اللبنانية بانها عاجزة عن مواكبة الحدث او «السيطرة» عليه على الاقل في «الشكل»...
 

 مهمات الجيش


في غضون ذلك نظمت مديرية التوجيه جولة للاعلاميين على الجرود المحررة من الارهابيين، حيث قدم ضباط ميدانيون شرحا مفصلا للطبيعة الجغرافية للمنطقة، وقدموا بعض المعلومات عن مجريات العملية العسكرية التي ادت الى تحقيق الانجاز من الجانب اللبناني من الحدود.. ومع انتهاء العمليات العسكرية تبقى لوحدات الجيش مهمة رئيسية تتعلق بتنظيف الجرود من «تشريكات الالغام»، والامر الثاني يتعلق باعادة انتشار حزب الله في جرود عرسال، والانكفاء الى ما وراء الحدود السورية، حيث من المقرر ان يتسلم الجيش اللبناني تلك المواقع، عند اكتمال الجهوزية العسكرية، والتنسيق في هذا السياق يجري على «قدم وساق» ولا يمكن لاحد نكرانه.. وتبقى مسألة ثالثة اساسية تتعلق بخارطة الانتشار العسكري على الحدود السورية اللبنانية، وهذا الامر يحتاج الى تنسيق ضروري مع الجانب السوري، فثمة نقاط ملتبسة ومتقاربة، كذلك يحتاج تواجد الجيشين الى خارطة انتشار جديدة تتلائم مع الوضع المستجد، ووفقا للمعلومات، فان الجيش لديه الغطاء السياسي الواضح لاجراء محادثات مباشرة من خلال مكتب تنسيق عسكري موجود اصلا لمعالجة قضايا مماثلة.

 

 

الجمهورية :

بعدما انتُزعت ورقة الإرهاب من الجرود، وزال الورم الخبيث الذي استحكم لسنوات بهذه الخاصرة اللبنانية في السلسلة الشرقية، يُفترض أن تعود عقارب الساعة السياسية إلى الدوران في الاتجاه الذي يحاكي هذا الإنجاز الكبير الذي تحقّقَ بطردِ المجموعات الإرهابية، ويصوغ مشهداً جديداً عنوانه الانصراف الجدّي والكلّي إلى تحرير الأولويات من عُقد السياسة، ومن كلّ أورام المصالح والمنافع الخاصة التي تعيقها أو تُعطّلها. ولعلّ كلّ مؤسسات الدولة وفي مقدّمها الحكومة أمام هذا الامتحان الذي يُفترض أن تدخلَ فيه بعد عطلة عيد الأضحى.

ها هي الجرود تحرّرت، واللبنانيون رفعوا قبّعاتهم تحيّةً للعسكريين وما بذلوه في ميدان المواجهة مع «داعش»، وها هم يحجّون الى خيمة الشهداء العسكريين في رياض الصلح، يشاركون ذويهم خسارةَ ابنائهم التي هي شهادة بمستوى الوطن بأكمله، مكللةً بشعار الشرف والتضحية والوفاء، ويشاركونهم الصرخة الاحتجاجية على ترحيل الإرهابيين وتركِهم يغادرون الجرود من دون حساب، وبطريقة يصفها ذوو الشهداء بأنّها تقتل العسكريين مرّتين؛ مرة على أيدي الارهابيين ومرة اخرى على ايدي من يسمح لهؤلاء القتلة بالمغادرة، بما يجعل دماءَ العسكريين الشهداء تضيع هباءً.

إذاً، انتهى ملفّ الجرود بالطريقة التي انتهى فيها، وانصرَف أهل الميدان العسكري لإكمال عملية الإطباق على المواقع التي كان يحتلّها الإرهابيون، بالتوازي مع ترحيل مسلّحي «داعش» الى داخل الاراضي السورية، في حين دخَل ملف العسكريين الشهداء مرحلة تحديد هوياتِهم عبر فحوص الـ«DNA» ليدخلَ معها البلد في حال انتظار.

وعلمت «الجمهورية» أنّ القيادة العسكرية تلقّت في الساعات الماضية سيلاً من الاتصالات من مراجع سياسية ورسمية عبّرت عن التضامن مع المؤسسة العسكرية، وقدّرت ما قام به العسكريون في عملية «فجر الجرود». إلّا أنّ اللافت في هذه الاتصالات أنّها تجنّبت حسم استشهاد العسكريين، في انتظار نتائج فحوص الحمض النووي.

مرجع سياسي

وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» إنه اتّصل أمس بقائد الجيش العماد جوزف عون، وبارَك له بالانتصار الذي تحقّق في الجرود بشقّيها في عرسال ورأس بعلبك والقاع، واستوضَح حول مصير العسكريين وهل إنّ الجثامين الثمانية التي نقِلت من الجرود الى المستشفى العسكري في بيروت تعود لهم؟ فجاء الجواب بأنّ أغلبَ الظنّ أنّ هذه الجثامين وبنسبة 90 في المئة تعود للعسكريين، إلّا أنّنا لا نستطيع تأكيد ذلك قبل صدور نتائج الـ«DNA».

وأشار المرجع الى «أنّ الـ 10 في المئة المتبقّية نسبة ضئيلة»، وأملَ في «أن تأتي النتائج سلبية، وإن كانت كذلك فهذه المسألة ستخلط الأوراق مجدداً، ولذلك ما أنصح به كلَّ المعنيين، سواء في الجيش اللبناني أو «حزب الله»، هو عدم تركِ مسلّحي الجرود يغادرون قبل صدور نتائج الحمض النووي».

مرجع عسكري

وقال مرجع عسكري لـ«الجمهورية»: «الجيش لن يعلنَ عن استشهاد العسكريين، بل هو ينتظر صدور نتائح فحوص الحمض النووي لكي يبنيَ على الشيء مقتضاه، وعندها تَرتسم الصورة كاملةً عندنا بالنسبة إليه».

ولفتَ الى اهمّية الانجاز الذي حقّقه الجيش وقال: «لقد حدّد لعمليته العسكرية هدفين: تنظيف الجرود من «الدواعش» وقد تمّ ذلك في عملية نظيفة يُشهد لها، وكشفُ مصير العسكريين المخطوفين، وهنا نعتقد أنّ الارهابيين قاموا بتصفيتهم، لكنْ لا نستطيع تأكيد ذلك قبل نتائج الـ«DNA».

وحول ما أثيرَ عن عملية الجرود من تساؤلات، قال المرجع: «الجيش ليس معنياً بما يقال، وليس معنياً بالسياسة، ما يعنينا هو جهد وتضحيات العسكريين، وما يعنينا ايضاً أنّ المهمة أنجِزت ودحِر الارهاب، علماً انّنا كنّا نتمنّى ان تنتهي العملية بعودة العسكريين، ووضَعنا كلَّ جهدنا في هذا السبيل، لكن يبدو أنّ الصورة كانت معاكسة».

وأوضَح المرجع «إنّ تأخُر الجيش في إتمام المرحلة الرابعة من المعركة، مرَدُّه الى أنّه وضَع خطةً محكمة لتنفيذ المرحلة الرابعة والأخيرة لتنظيف الـ 20 كيلومتراً المتبقّية مع المجموعات الارهابية، وبدايةُ التنظيف تكون بمهاجمة وادي مرطبيا، وحدّد ساعة الصفر قبل نهاية الاسبوع الماضي، إلّا أنّ أمراً استجدّ السبت الماضي تمثّلَ في طلبِ الارهابيين وقفَ إطلاقِ النار واستعدادهم لمغادرة المنطقة، وقرَنوا ذلك بأنّهم سيكشفون عن مكان العسكريين المخطوفين. وعلى هذا الاساس جرى تعديل في الخطة، وبالتالي انتهى الأمر على ما انتهى عليه».

وأشار المرجع إلى أنّ «هناك أراضيَ لبنانية تحرّرت من الارهاب، وهي بالتالي مسؤولية الدولة، ومهمّة الجيش حمايتُها في سياق مهمّته الأساسية بحماية الأراضي اللبنانية كلها، وكذلك حماية الحدود وتثبيت مواقعِه في هذه المناطق التي لم تكن تحت سيطرته.

والأهمّ بالنسبة الى الجيش هو أنّ الأمن كان وما زال وسيبقى الخطَّ الأحمر، ومن هنا اولوية الجيش ليست على الحدود والجرود فقط، بل في الداخل في مواجهة ومطاردة أيّ بؤرٍ أمنية وخلايا إرهابية نائمة، بالتنسيق مع الاجهزة الامنية التي يعمل معها الجيش في اتّجاه واحد ولهدفٍ واحد هو تنظيف لبنان من الارهاب، والانتقال به إلى برّ الأمان».

نصرالله

وفي إطلالة جديدة له مساء امس، قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إنّ تاريخ 28 آب 2017 «هو يوم التحرير الثاني الذي سيسجّل في تاريخ لبنان والمنطقة، سواء اعترفَت به الحكومة اللبنانية أو لا»، واعتبر انّ المعركة ضد «داعش» حقّقت كامل أهدافها، وقال: «إبحَثوا عن من سَمح بإبقاء العسكريين بأيدي خاطفيهم وطالِبوا بفتح تحقيق».

وشدّد على انّ الحزب والجيش اللبناني لم يكونا في واردِ وقفِ إطلاق النار إلى أن وجَد «داعش» نفسَه في المربّع الأخير. وأكّد أنّه لم يبقَ أيّ «داعشي» أو إرهابي على أيّ حبّة تراب لبنانية و«سنحتفل يوم الخميس بهذا الانتصار في بعلبك».

«المستقبل» يردّ

من جهته، ردّ تيار «المستقبل» على كلام نصرالله، مشيراً إلى «أنّه يريد أن يحاسب القوى السياسية على مواقفها المبدئية من دعوته للتواصل مع الحكومة السورية، وتفرّد الحزب في اتّخاذ قرارات تتصل بأمور السِلم والحرب بمعزل عن الدولة ومؤسساتها الدستورية».

وسأل: «ما الجديد الذي طرأ على الواقع السياسي في لبنان، عندما تُجمع القيادات والشخصيات والأحزاب المعارضة لسياسات «حزب الله»، على رفضِ دعواته الأخيرة، والامتناع عن تقديم أيّ شكل من أشكال التغطية الوطنية والشرعية، لحروب الحزب ومعاركه في الداخل والخارج؟

وما الداعي إلى مِثل هذا القدر من التوتّر في إطلاق الأوصاف والاتّهامات على جهات وأحزاب وتيارات لا تحتاج لشهادات حسنِ سلوك وطني من أحد؟ وهل يستوي الشعور بتحقيق انتصار كبير على قوى الارهاب في جرود البقاع، مع الشعور بوجود فئة كبيرة من الشعب اللبناني، ترفض تجييرَ هذا الانتصار لمصلحة أجندات إقليمية، وتحديداً لمصلحة نظام بشّار الأسد، المسؤول الاوّل والاخير عن توريط سوريا في مذابح أهلية لا مثيلَ لها في التاريخ العربي؟

وشدّد على التزام الخطاب العقلاني والمنطقي في مقاربة القضايا الوطنية الحسّاسة، وعدم الإفراط في تأجيج العصبيات والكلام الشعبوي الذي لا وظيفة له سوى العودة الى اصطفافات مذهبية تؤذي لبنان والعيشَ المشترك بين أبنائه، على صورةِ الدعوة المؤسفة التي وُجّهت لتعديل وجهة الانتقام الى الداخل اللبناني، ردّاً على بعض المواقف التي احتجّت على نتائج الصفقة مع «داعش» .

مصدر معارض

وكان مصدر سياسي معارض قال لـ«الجمهورية»: «إنّ السلطة السياسية لم تكن بمستوى ما تتطلّبه استعادة سيادة الدولة والقرار الوطني الحر. فعوَض أن تُصدر الأمر إلى الجيش بتحرير جرود عرسال، تخلّت عن واجباتها ومسؤولياتها فترَكت لـ«حزب الله» والنظام السوري مهمّة القتال وإبرامَ الصفقات التي تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا للدولة اللبنانية.

وعوَض أن تواكبَ الإنجاز العسكري للجيش اللبناني بتحرير جرود رأس بعلبك والقاع وكشفِ مصير العسكريين المخطوفين، بقرارات سيادية بحجم دماء الشهداء وتطلّعاتِ أبناء المنطقة خصوصاً واللبنانيين عموماً، إذا بها تُفرّط سياسياً بالإنجاز العسكري وتُمعِن في ضربِ أسسِ الدولة بتخلّيها عن الدستور وإحجامِها عن استعادة القرار الوطني الحر من مُصادِريه المحليين والخارجيين».

ودعا المصدر أركانَ السلطة «إلى الاعتراف بعجزهم وعدمِ كفاءتهم في إدارة هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وبالتالي الى الاستقالة من مسؤولياتهم، وتشكيلِ حكومةٍ جديدة تضع في رأس اهتماماتها إحياءَ دور المؤسسات الشرعية بما يتطابق مع مهمّاتها المنصوص عنها في الدستور».

وقال: « لا يكفي أن يدليَ البعض بتصريحات معترضة أو أن يغرّد على حسابه على «تويتر»، بل المطلوب، إذا صَدق المعترضون في اعتراضاتهم، أن يحوّلوها موقفاً رسمياً في مجلس الوزراء، وإن لم يتمكّنوا من ترجمة مواقفهم فلتكُن لديهم جرأة الاستقالة».

الحريري الى باريس

على صعيدٍ آخر، تغيبُ جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع فيما يستعدّ رئيس الحكومة سعد الحريري لزيارة باريس يومي الخميس والجمعة المقبلين، فيما أعلنَ قصر الإيليزيه مساء أمس الاوّل أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيستقبل الحريري في الثامنة والنصف من صباح يوم الجمعة.

كذلك سيلتقي الحريري نظيرَه الفرنسي إدوار فيليب، ووزيرَ الخارجية جان إيف لودريان، ووزيرةَ الدفاع فلورانس بارلي ووزيرَ الاقتصاد ميشال سابان ورئيسَ مجلس الشيوخ جيرار لارشيه.

وعلمت الجمهورية» أنّ الحريري سيطرح في لقاءاته موضوعين أساسيين: دعم الجيشِ والقوى الأمنية، خصوصاً بعد العملية العسكرية الناجحة للجيش في جرود رأس بعلبك والقاع، ومساعدة لبنان على مواجهة أعباء النزوح السوري.

ومِن المقرر أن يعود الحريري الى لبنان بعد انتهاء زيارته، على ان يستعدّ لزيارة موسكو في 11 أيلول تلبيةً لدعوة رسمية من رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، وسيَجتمع خلال الزيارة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس.

ملفّ البواخر

في ملف بواخر الكهرباء، يبدو أنّ هذا الموضوع سيشكّل بنداً أساسياً في مرحلة ما بعد العيد، ربطاً بتقرير إدارة المناقصات حول المناقصة المرتبطة بالبواخر.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الجديد في هذا الملف، أنّه أحيلَ في الساعات الماضية الى ادارة المناقصات لدراسته، إلّا انّ إحالته لم تكن مكتملة بل كانت مبتورةً، بحيث لم يرفَق الملف بقرار مجلس الوزراء المتصل بهذه الإحالة، والذي يحدّد المطلوب دراسته فعلاً في التقرير، بناءً على أيّ أساس.

وهو أمرٌ أثارَ علامات استفهام في أجواء إدارة المناقصات، وكذلك لدى مستوياتٍ سياسية استغربَت إغفالَ إرفاقِ ملف البواخر بقرار مجلس الوزراء ذي الصلة، إلّا أنّها سألت أين هو قرار مجلس الوزراء ، إن كان منجزاً فلماذا الحجرُ عليه وإخفاؤه، وإن كان غيرَ منجزٍ، فما هو السبب، وهل ما زال في طور الصياغة، وهو أمر غير مبرّر، أم انّ هناك ملابسات اخرى فرَضت إبقاءَ القرار في المجهول؟

وعبّرت مصادر وزارية معارضة لملفّ البواخر بالصيغة التي سبقَ وطرِحَ فيها في المرّة الأولى، عن ارتيابها من وجود ما سمَّتها محاولة تمرير هذه الصفقة بطريقة احتيالية، خصوصاً وأنّ الفريق السياسي الذي يحتضن هذه الصفقة يتحدّث عنها وكأنّها أمرٌ مبتوت سلفاً، ولا يتوانى عن الإعلان على المنابر وفي الإعلام بأنّ الخطة ماشية عطّلَ مَن عطّل أو عرقلَ من عَرقل، مقرناً ذلك بانتقادات مسبَقة لإدارة المناقصات واتّهامات لها بأنّها تعرقل خطة الكهرباء.

وعلمت «الجمهورية» أنّ أجواء إدارة المناقصات تؤكّد انّ التوجّه هو التعمّق في كلّ بنود وتفاصيل دفتر الشروط الجديد، على ان تعدّ تقريرَها بشفافية، من دون الأخذِ بأيّ اعتبارات سياسية، خصوصاً وأنّ المهمّ في هذه المناقصة أن تنطبق مع الاصول المتّبعة في مِثل هذه المناقصات، والأهمّ فيها أن يكون هناك أكثرُ من عارض، لا أن تكون محصورةً بعارض وحيد، ما سيُعرّضها للنسف الحتميّ، على غرار المناقصة السابقة.

وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ دراسة أوّلية أجريَت حول دفتر الشروط، وتبيّن من خلالها انّ المهل الواردة فيه تستوجب التوقّفَ عندها مليّاً، وقياسَ مدى انطباقِها مع الاصول التي تَحكم هذا النوع من المناقصات.

وإذا كان للتعديلات التي أدخِلت في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة على دفتر الشروط مفعولٌ تحصيني لملفّ البواخر، إلّا أنّ ثمّة خللاً، أو بالأحرى صياغات ملتبسة، قد تبدّت خلال الدراسة الأولية، وتتمثل بوجود ثغرات ضريبية، تتطلب إعادة تدقيقٍ مِن قبَل وزارة المال، بما يجعلها في صالح الخزينة، وليس في صالح الشركات العارضة.

الملف الانتخابي

وفي وقتٍ لم يطرَأ أيّ جديد على صعيد ملف الانتخابات الفرعية، بدا أنّ الاهتمام لدى المعنيين منصَبٌّ في مكان آخر. وفي هذا يندرج الاجتماع الذي عَقده أمس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مع لجنة خبراء تطبيق قانون الانتخاب. وعلمت «الجمهورية» أنّه تمّ حسمُ اعتماد بطاقة هوية ممغنَطة جديدة، وليس بطاقة ممغنطة، لإجراء الانتخابات على اساسها بحيث تستخدم في الاقتراع .

كذلك تمَّ حسمُ عدمِ التصويت إلكترونياً، وأيضاً تمّ البحث بين القوى السياسية في موضوع التصويت المسبَق في مكان سكنِ الناخب، على ان تعتمد إلزامية التسجيل المسبق، على اعتبار أنّ هذا الإجراء يُسهّل عملَ الماكينات الانتخابية وعملية الاقتراع. وقد توقّفَ البحث عند هذه النقطة التي ظلّت معلّقة ولم يبتّ بها، علماً أنّ «التيار الوطني الحر» رَفضها.

 

 

اللواء :

28 آب، قوافل مسلحي تنظيم «داعش» واسرهم تغادر الأراضي اللبنانية، بمواكبة قوة من الجيش السوري، معلنين استسلامهم وتسليمهم بهزيمة نكراء، غير مسبوقة، لا شكلاً ولا مضموناً.
الحدث، هو ان مسلحي التنظيم انسحبوا من جرود رأس بعلبك، وجرود القاع، بعدما قتل منهم من قتل، واسر من أسر، وجرح من جرح، جرّاء المعارك البطولية التي خاضها الجيش اللبناني داخل الأراضي اللبنانية، وبالتزامن مع معارك مماثلة خاضها حزب الله والجيش السوري على امتداد جبهة مشتركة حدودية بين لبنان وسوريا من الشرق.
وقضى الاتفاق الذي يسمح بخروج ما تبقى من مقاتلين وعددهم (وفق الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله) 665 شخصاً، ويشمل 331 مدنياً و308 مسلحين و26 مصاباً بجروح، وهي المرة الأولى التي يوافق تنظيم «داعش» علناً فيها، على الانسحاب مجبراً من اراضٍ كان يسيطر عليها، بخروج مئات المسلحين مع عائلاتهم من جانبي الحدود على متن حافلات تقلهم إلى محافظة دير الزور شرق سوريا الواقعة تحت سيطرة «داعش».
ومساءً غادرت القوافل من منطقة قارة السورية في القلمون الغربي باتجاه البوكمال في محافظة دير الزور، ولم يعد للتنظيم أي وجود في الجرود، سواء اللبنانية أو السورية.
إطلالة نصر الله
وشكلت إطلالة السيّد نصر الله مساء أمس للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام، فرصة لتجدد السجال حول النصر، ومعركة الجرود، التي كشف الأمين العام ان الحزب قدّم خلالها «11 شهيداً و7 للجيش السوري» قبل ان يلقي أمين عام حزب الله خطاباً في احتفال دعا إليه في مرجة بعلبك الخميس 31 آب الجاري (وهو التاريخ الذي عادة ما تحتفل فيه حركة «أمل» من كل عام بذكرى اختطاف مؤسسها الامام السيّد موسى الصدر)، للاحتفال بالنصر على الإرهاب، أو «التحرير الثاني» وفقاً لأدبيات حزب الله.
وسارع تيّار المستقبل، على نحو ما فعل في الإطلالة السابقة للسيد نصر الله إلى إصدار بيان، فنّد فيه ما أعلنه، واصفاً كلامه بأنه «تعكير للمناخ الوطني، وللسباق على قطف النتائج السياسية وتوزيع المغانم المذهبية والطائفية على المناطق اللبنانية»، معرباً عن اعتذاره من أهالي الشهداء «لاضطراره لدخول حلبة السجال السياسي في هذه اللحظة، التي يفترض ان تكون لحظة توافق وتلاق وطني لا لحظة افتراق وسجال».
ودعا «المستقبل» إلى التزام الخطاب العقلاني في مقاربة القضايا الوطنية الحسّاسة، معرباً عن أسفه للدعوة التي وجهت «لتعديل وجهة الانتقام إلى الداخل، رداً على بعض المواقف التي احتجت على نتائج الصفقة مع «داعش».
ونأى التيار بنفسه عن «موقع من يريد تلطيخ هذه المعركة ونتائجها عبر الاتهام والشكوك، وأن هناك مجموعة من الشباب اللبناني سقط فيها وأن المسؤولية الأخلاقية تفترض التعاطف مع الأهالي المفجوعين وتجنب الإساءة إلى مشاعرهم أو اخضاعها للمزايدات السياسية».
وأكد التيار ان التضحيات التي قدمها الجيش اللبناني والإعلان عن استشهاد العسكريين الذين خطفهم وقتلهم غدراً تنظيم «داعش» الإرهابي، يجب ان تشكل مناسبة لاجتماع اللبنانيين بكل اطيافهم السياسية والطائفية، حول الدولة ومؤسساتها الشرعية، والتوقف عن تقديم الخدمات المجانية للنظام السوري، واعتبار لبنان منصة لتقديم المصالح الخارجية على المصلحة اللبنانية.
حداد وطني
ووصف الرئيس سعد الحريري يوم أمس بأنه يوم «لانتصار لبنان على الإرهاب وطرد تنظيماته، موجهاً التحية للجيش اللبناني، وكشف ان الحكومة اللبنانية ستعلن يوم حداد وطني فور التأكد من نتائج فحص الحمض النووي للجثامين الثمانية العائدة لشهداء الجيش الذين اختطفهم داعش، وذلك بعد التداول مع الرئيس ميشال عون.
ولم تستبعد مصادر رسمية عبر «اللواء» ان يكون لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون موقف بعد الاعلان الرسمي عن مصير العسكريين المخطوفين والاجراءات اللاحقة بما في ذلك من اعلان وفاة ومأتم وطني وإعلان حداد. ولفتت المصادر انه قبل ذلك ما من شيء مرتقب صدوره.
اما في ما خص عملية المفاوضات، فاوضحت المصادر ان المعنيين بالموضوع يتولون القيام بالشرح اللازم.
إلا أن مصادر أخرى أكدت ان كلمة لرئيس الجمهورية ستكون في احتفال سيقام وسط بيروت، وفي ساحة الشهداء، في ذكرى إعلان لبنان الكبير.
وكان الرئيس عون تابع أمس التطورات الميدانية في جرود بعلبك والقاع بعد تحريرها من تنظيم «داعش» الارهابي، وما تقوم به وحدات الجيش لتنظيف المنطقة المحررة والتمركز فيها.
ونظمت قيادة الجيش جولة لوسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية في جرود عرسال والفاكهة والقاع ورأس بعلبك، بدأت من مركز قيادة العمليات في رأس بعلبك.. قبل ان ينطلق الوفد الإعلامي إلى الجرود والمراكز المتقدمة على الحدود اللبنانية – السورية عند معبر مرطبيا والتلال المقابلة لحليمة قارة.
وشرح أحد الضباط الميدانيين «كيفية ضرب الارهابيين والالتفاف حول مراكزهم بهدف شل حركتهم تماما»، لافتاً إلى «أننا واجهنا عدوا شرسا وفككنا عبوات ناسفة كان قد زرعها الارهابيون على الطرقات وقامت وحداتنا بشق الطرقات تفاديا لمرور الآليات على الطرقات بسبب التفجيرات والتفخيخات».
وأكد «أننا كنا على جهوزية تامة لتنفيذ المرحلة الرابعة الاخيرة للهجوم على الارهابيين وجاءت الاوامر من القيادة لوقف اطلاق النار من أجل عملية التفاوض».
نصر الله
ولم تخل إطلالة السيّد نصر الله التلفزيونية، مساء أمس من تصعيد سياسي ضد تيّار «المستقبل» وضد الحكومة السابقة التي كانت تتولى مسؤولية القرار السياسي عند اختطاف العسكريين في احداث عرسال في آب من العام 2014، في سياق الدفاع عن المفاوضات التي خاضها «حزب الله» مع تنظيم «داعش» لكشف مصير العسكريين المخطوفين وتحرير كامل الحدود الشرقية مع سوريا.
وفي سياق الرد على «المستقبل» والذي استهل به كلمته، نفى نصر الله ان يكون يبتز الحكومة أو الشعب اللبناني بدعوة الدولة إلى التفاوض بشرط طلب ذلك من القيادة السورية، موضحاً ان هذا الكلام جاء في سياق شرح الموقف بأننا امام خيارين، اما ان تفاوض الدولة أو ان يفاوض حزب الله، من دون طلب ذلك إلى الحكومة اللبنانية. واتهم كل الذين اتهموا الحزب بابتزاز اللبنانيين بأنهم «أما جهلة باللغة العربية أو أنهم لئام عديمو الأخلاق».
ورد نصر الله على دعوات الانتقام من مسلحي «داعش» الذين تسببوا في استشهاد العسكريين، بالتأكيد على أن هذه المعركة لم تكن معركة العين بالعين والسن بالسن، متهماً أصحاب هذه الدعوات بتشويه صورة المعركة وأنه كان يجب عليهم الطلب رسمياً بفتح تحقيق عن كيفية تسليم العسكريين، ومن منع الجيش اللبناني من فك أسر هؤلاء، مع انه كان قادراً على ذلك، واصفاً القرار السياسي بتحرير العسكريين «بالجبان والتخاذل».
واعتبر السيّد نصر الله، ان معركة الجرود، سواء من جانبها اللبناني التي خاضها الجيش اللبناني، أو الجهة السورية التي خاضها حزب الله مع الجيش السوري بأنها حققت كامل أهدافها، وهي إخراج «داعش» من الأراضي اللبنانية، وكشف مصير العسكريين وتأمين الحدود اللبنانية – السورية، كاشفا بأن عدد شهداء الحزب في هذه المعركة كان 11 شهيدا، فيما سقط للجيش السوري 8 شهداء، أي ان المجموع كان 18 شهيدا عدا عن الجرحى.
وكشف ايضا ان المرحلة الأخيرة من اتفاق وقف النار مع داعش، تضمن تبادلاً بين وصول الحافلات إلى منطقة بوكمال السورية والاسير أحمد منير معتوق واجساد الشهداء الخمسة.
كما كشف ان لدى الحزب اسيرا من داعش سلم نفسه، وانه يحتفظ به حيّن العثور على جثمان الشهيد عباس مدلج، بحسب ما أبلغ والده بذلك، عبر وفد ارسله إليه.
واعتبر ان أحد أسباب بطء المعركة في ايامها الأخيرة كان بهدف كشف مصير العسكريين. وانه كان يمكن ان يقتل الكثيرون من مدنيين واطفال لو ذهبنا إلى الخيار العسكري النهائي، ولسقط ايضا المزيد من الشهداء من الجيش اللبناني والسوري والمقاومة، ولكان ملف العسكريين بقي غامضا، ولكان النصر الذي حصل منقوصاً.
وشدّد نصر الله، في القسم الثاني من كلمته على اننا امام نصر كبير جداً، والحدود اللبنانية باتت آمنة عسكرياً، واصفاً يوم 28 آب 2017 بأنه يوم التحرير الثاني، لأنه لم يعد يوجد أي إرهابي أو «داعشي» فوق أية حبة تراب أو تلة لبنانية، لكنه أوضح انه سواء اعترفت الحكومة اللبنانية بهذا اليوم التاريخي أم لم تعترف فهذا شيء يعود إليها، خاتماً بالدعوة إلى احتفال سيقيمه الحزب للمناسبة عصر يوم الخميس المقبل في مدينة بعلبك، حيث سيتحدث فيه مجدداً، رغم انه سيكون يوم وقفة عيد الأضحى الذي يصادف يوم الجمعة.

 

الاخبار :

ما إن خرج آخر إرهابي مسلّح من الجرود اللبنانية ــ السورية مساء أمس، حتى أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معلناً النصر على الإرهاب التكفيري، ومحدّداً يوم 28 آب عيداً للتحرير الثاني. وكشف نصرالله للبنانيين تفاصيل التسوية الأخيرة التي توّجت بعد معركتي «إن عدتم عدنا» و«فجر الجرود» بتحرير كامل الحدود اللبنانية ــ السورية، والكشف عن مصير العسكريين اللبنانيين وجثامين لشهداء للمقاومة، وعودة الأسير المقاوم أحمد معتوق.

وأكّد أن «لبنان اليوم كله انتصر والأغلبية الساحقة سعيدة»، مستثنياً «من راهن على جبهة النصرة وداعش، ومن يقف خلف هذه الجماعات من قوى إقليمية ودولية». وأكد أن يوم «28 آب 2017 هو يوم التحرير الثاني الذي سيسجل يوماً في تاريخ لبنان والمنطقة، سواء اعترفت به الحكومة اللبنانية أم لم تعترف»، رابطاً بين المعركة ضد القوى التكفيرية والمشروع الإسرائيلي، وأن «معركة الجرود هي استكمال لمعركة إسقاط المشروع الإسرائيلي».
وقبل أن يردّ نصرالله على المتحاملين بعد خطابه الأخير، قدّم التعزية بشهداء الجيش اللبناني الذين استعيدت جثامينهم، وإلى بقية عوائل الشهداء، شهداء الجيش اللبناني والجيش السوري والمقاومة.


 


وردّ على الذين حرّفوا كلامه الأخير، متّهمين المقاومة بابتزاز الحكومة اللبنانية للاتصال بالحكومة السورية، فقال السيد نصرالله «لا يمكن أن يقال عن حزب الله إنه يبتزّ في قضية إنسانية، وكل من قال ذلك إما جاهل وإما عديم الأخلاق»، مضيفاً «اننا لم ننتظر من الحكومة اللبنانية أن تفعل شيئاً، ولم ننتظر أحداً في ظل القتال الدائر». وشرح أنه طرح في خطابه الأخير مسارين للتفاوض، الأول عبر حزب الله، والثاني عبر الحكومة اللبنانية، والخيار الثاني يتطلّب تواصلاً رسميّاً مع الحكومة السورية، مؤكّداً أن ما حصل هو اعتماد المسار الأول، وحزب الله هو من فاوض الإرهابيين.
وحول سير المفاوضات، أعلن أنه «لم نكن لا نحن ولا الجيش في وارد وقف إطلاق النار إلى أن وجد داعش نفسه في المربع الأخير»، وأنه «منذ بداية المعركة كانت داعش تريد وقف إطلاق <