فيما كان أهالي العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي ومعهم اللبنانيّون ينتظرون منذ بدء عملية «فجر الجرود» أيّ خبر يُثلج قلوبهم عن مصير أبنائهم، طوي هذا الملف أمس بخاتمة حزينة وسوداوية على اللبنانيين أجمعين، ولا سيما الأهالي الذين عاشوا أقسى أنواع العذابات طيلة سنوات الأسر الثلاث والتي شهدت عليها ساحة رياض الصلح ليلاً ونهاراً، بعدما اصبح ترابها مجبولاً بدموع المرارة التي ذرفوها على أبنائهم بعد كل خيبة أمل وتلاعب بالأعصاب من قبل عناصر التنظيم الإرهابي لمرات عديدة وتهديدهم بتصفية أبنائهم في حال لم تنفذ الدولة مطالبهم. 

وكان الحزن والأسى خيّما على ساحة رياض الصلح أمس، مع إعلان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من هناك أن «الأمن العام والجيش اللبناني يعملان على انتشال رفات نعتقد شبه جازمين انها للعسكريين، وقد انتشلت رفات 6 اشخاص يعتقد أنهم الجنود لانهم يلبسون رينجراً عسكرياً، لكن لا يمكن ان نثبت حتى تظهر نتيجة الفحوص العلمية، والعمل مستمر، ونتوقع ان يتصاعد العدد الى ثمانية كما افادت عصابات داعش المجرمة»، مضيفاً «كنت أتمنى أن ينتهي هذا الملف كما انتهت الملفات التي سبقته، لكن هناك مشيئة الله وقدره وتحرير الأرض والوقوف على الجبهات وكرامة الأرض والوطن، تستدعي في بعض الأوقات أن نقدّم دماءنا وأرواحنا فداءً للوطن». كما أعلنت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه في بيان أمس أنه «في إطار متابعة العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش الإرهابي تم العثور في محلة وادي الدّب/جرود عرسال على ثمانية رفات لأشخاص وقد تم نقلها الى المستشفى العسكري المركزي لإجراء فحوصات DNA والتأكد من هوية أصحابها»، مشيرة إلى أنه «سيصار الى إصدار بيان فور ورود نتائج فحوصات DNA».

وكان الأهالي عاشوا منذ ليل أول من أمس على أعصابهم لحظات انتظار عصيبة، مع بدء توافد أخبار عن أن تحديد مصير أبنائهم أصبح قاب قوسين أو أدنى. ومع ساعات الصباح الأولى من يوم أمس، ومع إعلان اللواء ابراهيم في حديث إلى تلفزيون «المستقبل» أننا «سننتهي اليوم من ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش»، ضجت خيمة الاعتصام في رياض الصلح بالأهالي الذين توافدوا من مختلف المناطق وبأهالي العسكريين المحررين من جبهة «النصرة» الذين أتوا للتضامن والوقوف إلى جانب «رفاق الدرب والاعتصام» في هذا اليوم الصعب. وحده حسين يوسف، والد العسكري محمد يوسف، لم يترك الساحة منذ بداية ملف خطف أبنائهم، كان موجوداً على الدوام هناك، وحاول مع وصول الأهالي إلى الساحة تهدئتهم والقول لهم بأن «لا شيء رسمي حتى صدور أي بيان من قبل اللواء ابراهيم أو قيادة الجيش المعنيَّين الأساسيين في هذا الملف». 

ومع بدء توارد الأخبار على هواتف الأهالي، كان الخوف والقلق يزدادان شيئاً فشيئاً وكان الأهالي يؤكدون لصحيفة “المستقبل” أن «الأمل لا يزال موجوداً»، متمنّين «أن لا تكون الجثث التي تتحدث عنها الأخبار المتداولة على تطبيقات الأخبار ومواقع التواصل الإجتماعي تعني أبناءنا».

غير أنه مع بدء انتشار خبر أن اللواء ابراهيم سيزور الأهالي في خيمة الاعتصام مع نضوج الأمور المتعلقة بمصير العسكريين، حتى اشتعلت الخيمة بالبكاء على فلذات الأكباد الذين اشتاقت لهم القلوب والعيون وحنايا البيوت وكل زاوية فيها طيلة السنوات الثلاث السابقة. ومع وصول اللواء ابراهيم إلى ساحة رياض الصلح، تجمهر الأهالي حوله، وحاول تهدئة روعهم وإعلامهم بنتائج ما جرى، وأسف قائلاً: «كنت أتمنى أن ينتهي هذا الملف كالذي قبله، لكن مشيئة الله جاءت هكذا، وتحرير الأرض والوقوف على الجبهات مرات كثيرة يستدعيان أن نقدم أرواحنا فداء للوطن»، مضيفاً أنه يشد «على ايدي اهالي العسكريين، وهذا الملف الذي هو من نور للأسف اقفل بصفحة سوداء، لكنني أعرف وأنا القادم من الجيش كم ان هذه اللحظة صعبة ولكننا عندما التحقنا بالجيش وبالجندية كان أحد خياراتنا أن نستشهد ونحن قبلنا بهذا الموضوع»، لافتاً إلى أنه «كان لدينا معلومات لم نكن أكيدين منها عن هذا الموضوع منذ أواسط شباط 2015، لكننا لم نستطع في حينه تأكيدها ولو تكلمنا عنها في حينها لكان وقعها على الأهالي أصعب وكان علينا أصعب».

وذكّر بـ «الجثث التي عثر عليها في الشتاء في منطقة معلولا واستغرق فحص الـ دي.ان.اي وقتها 3 أسابيع»، متمنياً «أن لا يستغرق الفحص الوقت ذاته الآن، لأننا نريد أن نقطع الشك باليقين مع أننا شبه متيقنين بأن هذا الملف أقفل». ونفى «أن يكون هناك اي معلومات حول مصير المصور سمير كساب أو مصير المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي».

وتحدث عن شروط «داعش» لوقف إطلاق النار «والتي رفضتها وقلت لهم بأن وقف إطلاق النار يأتي ضمن اتفاق شامل بنده الأول الكشف عن مصير العسكريين المخطوفين»، مشيراً إلى أن «قيادة داعش إنتقلت تحت ضغط ضربات الجيش اللبناني إلى داخل الأراضي السورية وبالتالي حزب الله تولى التفاوض هناك بالتنسيق مع الدولة السورية ونحن كنا طرفاً ثالثاً نفاوض من الأراضي اللبنانية».

وفي شأن انتقال فريق الأمن العام إلى الجرود مع بداية معركة رأس بعلبك والقاع، أوضح أن «الفريق انتقل إلى هناك وتحديداً إلى منطقة وادي الدب مع تحرير الجرود لأنه كان لدينا معطيات وخرائط أن الجثث يتواجدون هناك واليوم تبين لنا أن الجثث كانوا موجودين هناك على بعد أمتار من المكان الذي بحثنا فيه في البداية».

ولفت إلى أنه «لا يزال هناك بعض الفلول من داعش في الأراضي اللبنانية ومعركة فجر الجرود لن تنتهي حتى رحيل آخر داعشي»، مشيراً إلى أن «موضوع انتقال داعش إلى الشمال السوري له علاقة بمسار تفاوضي كبير خلفه دول، والذين استسلموا من داعش هم الذين ارشدونا الى مكان وجود رفات الجنود والباقين سيتم ترحيلهم إلى داخل سوريا».

وتوجه إلى أهالي العسكريين بالقول: «باسمي وباسم قائد الجيش الذي تحدثت اليه قبل مجيئي الى هنا، أحيي صمودكم وصبركم، ويجب أن تعتزوا بأبنائكم لأنها كانت إرادتهم»، مشدداً على «أننا لا نساوم ولم نساوم، ونحن في موقع المنتصر والفارض للشروط».

وعن الإجراءات بعد انتشال الجثث، أوضح ابراهيم أنه «سيتم تسليم الجثث للمستشفى العسكري لإجراء فحوص الـ دي أن اي والعلم في النهاية سيقطع الشك باليقين»، مضيفاً «قلت بأن هناك اتفاق بين الجيش السوري وحزب الله والأمن العام برئاسة اللواء ابراهيم هو الطرف الثالث وانتهى الموضوع إلى ما انتهى عليه، وما يهمني كان منذ البداية معرفة مصير العسكريين واستعادة رفاتهم».

وفور إعلان اللواء ابراهيم الخبر الحزين، انهار الأهالي على الفور وتم نقل والد العسكري محمد يوسف إلى المستشفى، فيما بدأت أمهات العسكريين وزوجاتهم بالبكاء، آملين أن «لا تكون تلك الجثث لأبنائهم وأزواجهم». فيما غادروا خيمة الاعتصام.