أهداف بعيدة المدى أراد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التصويب عليها. في البعد السياسي، بالإمكان تلخيص مجمل الكلمة، بعنوان رئيس هو أن نتائج كل المعارك التي خيضت في سوريا، وفي لبنان، يجب أن تعمّد بتعميق التنسيق مع النظام السوري، وبإعادته إلى لبنان.
ظهر ذلك جلياً، حين تحدث نصرالله عن المعادلة الرباعية الماسية، جيش، شعب، مقاومة، وجيش سوري. أكد نصرالله أن المعركة مستمرة، والمهمة لم تنتهِ في سوريا. فيما البعض يقرأ في خلفيات كلامه، أنه استشعار لمرحلة تطورات قد تشهدها الساحة السورية، على غرار ما حصل في الجنوب السوري، وتنعكس سلباً على الدور الإيراني في المنطقة. لذلك، أراد استعجال تكريس هذه المعادلة الجديدة، للتأكيد أن إيران جزءٌ أساسيٌ من أي اتفاق سياسي.
كان نصرالله واضحاً في الإشارة إلى أن حزب الله والجيش السوري اضطلعا بدور رئيس في المعركة ضد تنظيم داعش، بالموازاة مع الجيش اللبناني. يقرأ البعض في رسائل نصر الله، التي تتعارض مع الجيش وخطابه، لجهة إعلانه عن تفاوض سبق المعركة ويشمل ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين، ودعوته الدولة اللبنانية إلى التنسيق مع الجيش السوري لأجل كشف مصير العسكريين، باعتبارها محاولة لتكريس التنسيق وإعادة العلاقات، على قاعدة أن الجيش اللبناني يحتاج إلى مساعدة الجيش السوري. الأبعد من ذلك، هو إشارة نصرالله، إلى أن وضع المعركة مع داعش أصبح يشبه السيناريو الذي حصل مع جبهة النصرة، أي التفاوض تحت النار. بالتالي، هو يريد القول إن هذه المعركة أيضاً ستنتهي بصفقة معينة كما انتهت المعركة مع النصرة.
لا ينفصل هذا الكلام عن جملة تطورات سياسية إقليمية. لذلك، أصرّ نصرالله على استعجال إعلان الانتصار في سوريا. ويستعجل الدعوة إلى التنسيق بين الدولتين اللبنانية والسورية، بالإضافة إلى التأكيد أن حزب الله والجيش السوري كان لهما الفضل في الانتصارات التي حققها الجيش اللبناني. والهدف من ذلك هو القول إن الحزب وإيران جزء أساسي من أي حلّ سياسي سيتم التوافق عليه للأزمة السورية.
لا شك في أن هدف المعادلة التي طرحها نصرالله هو الاستثمار في النتائج المترتبة عنها في الداخل اللبناني. قبل أشهر، كان المشهد مختلفاً. النظام السوري هو الذي يحتاج إلى حزب الله ودعمه لتأمين الاستمرار. اليوم، يبدو، أن هذه المعادلة في طور التغيّر، لأن الحزب يسعى إلى تعزيز مكتسباته في الداخل اللبناني وفي سوريا، بالاستناد إلى النظام السوري، الذي يتجه ليحظى بقبول من بعض الدول. بالتالي، فإن الدعوات إلى إعادة إدخاله إلى لبنان، هدفها جعله مطيّة لتعزيز المكتسبات، التي لا تجد سبيلاً لتصريفها سياسياً.
مناسبة هذا الكلام، هي التطورات الحاصلة في الملف السوري، بالتزامن الدعم السياسي والعسكري والإعلامي الذي يحظى به الجيش اللبناني في معارك الجرود. ما استدعى ردّاً من نصرالله عبر تأكيده أن الحزب والجيش السوري شريكان في المعركة ولهما الفضل الأكبر في تحقيق النتائج، إلى جانب إشارته إلى حجم الإنزعاج الأميركي والغربي من الهالة التي حققها الحزب في جرود عرسال. ولكنها سرعان ما تبددت لمصلحة الجيش وما يقوم به.
وهذه قد تشكّل مقدّمة لما ستكون عليه التطورات المقبلة، التي ستبدأ الظهور في القمة السعودية الروسية، خصوصاً في ظل تأكيدات تفيد بأن موسكو أصبحت موافقة على تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وبأنها جاهزة لتلعب دور راعي المصالح الأميركية والخليجية في المنطقة، وخصوصاً في سوريا. وهذا الدور يقضي بضرورة تحجيم نفوذ إيران. وثمة من يذهب بعيداً في قراءة هذا التحليل، معتبراً أن الدليل على ذلك هو عدم استقبال رئيس النظام السوري بشار الأسد وزيري حزب الله وحركة أمل خلال زيارتهما دمشق، رغم الضخ الإعلامي الذي رافق الزيارة. ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن عدم استقبال الوزراء يأتي بضغط روسي، ويكشفون أن حجم التفاوت الروسي الإيراني كبير في سوريا، وسيظهر في الفترة المقبلة.
لا يقف التحليل عند هذا الحدّ. فهؤلاء يعتبرون أن هناك موجة إقليمية ودولية ستعيد إنتاج صيغة فصل بشار عن إيران. ويربطون هذا الكلام بما سرّب من حديث على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمام وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بأن الأسد قد يبقى 18 شهراً في المرحلة الانتقالية. ورغم نفي السعودية هذا الكلام، إلا أن هؤلاء يعتبرون أن هناك مسعى لفصل بشار الإيراني عن بشار الروسي. بالتالي، فإن التقاء المصالح الروسية السعودية في سوريا، قد يحصل على نقطتين: أن ترضى السعودية ببقاء الأسد إلى ما بعد المرحلة الإنتقالية وعدم إثارة مصيره حالياً، مقابل أن تتولى روسيا، السيطرة الكاملة على سوريا، وتحجيم نفوذ إيران فيها كما في لبنان.