ساهم التفاهم الثنائي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في العام الماضي في ايصال العماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى، ودخول القوات إلى حكومة الرئيس سعد الحريري بثلاثة وزارات مهمة.
ولعب هذا التفاهم دوراً مهماً في الوصول الى قانون جديد للانتخابات على أساس النسبية، بعد تقسيم جديد للدوائر الانتخابية يأخذ بالاعتبار مصالح الفرقاء المسيحيين.
وكان من المتوقع ان يستكمل هذا التفاهم من خلال التعاون في الانتخابات النيابية المقبلة بما يؤدي إلى تشكيل كتلة نيابية كبيرة للطرفين على حساب الأطراف الاخرى كتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وحزب الله والمسيحيين المستقلين، لكن يبدو ان الخلافات بدأت تبرز بين التيار والقوات، ما قد يؤدي إلى عدم الاستمرار بالتفاهم حتى العام المقبل.
فما هي أبرز الأسباب التي أدت إلى بروز الخلافات بين التيار والقوات؟ وهل يستمر التفاهم بينهما حتى الانتخابات النيابية المقبلة؟ وما هي الخيارات البديلة للطرفين مستقبلاً؟
أسباب الخلافات ومصير التفاهم
بداية ما هي الأسباب التي أدت إلى عودة الخلافات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر؟
من خلال متابعة العلاقة بين التيار والقوات خلال الأشهر الأخيرة، يمكن الإشارة إلى وجود سببين أساسيين أديا إلى بروز الخلافات بين الطرفين. السبب الأول هو الاختلافات في مقاربة العديد من الملفات الداخلية والخارجية، كملف الكهرباء والخدمات والتوظيفات والعلاقة مع سوريا. أما السبب الثاني والأهم، فهو مرتبط بمقاربة ملف الانتخابات النيابية وفقاً للقانون الجديد الذي سيحرر كل طرف من التحالف مع الطرف الآخر، وسيعزز التنافس بينهما.
أما بشأن الملف الأول، فقد شهد مجلس الوزراء اللبناني العديد من الاختلافات بين وزراء التيار والقوات، وخاصة بشأن الكهرباء وخطة عمل الحكومة الجديدة والمناقصات بشأن البواخر، وكان وزراء القوات من أشد المعارضين لخطة الوزير سيزار أبي خليل، وكذلك لمناقصة استئجار بواخر جديدة، وقد رحب مسؤولو القوات بإلغاء المناقصة ودعوا إلى إجراء مناقصات جديدة.
كذلك برزت خلافات أخرى بين وزير الإعلام ملحم رياشي ووزير الخارجية جبران باسيل حول تعيين رئيس جديد لمجلس إدارة تلفزيون لبنان، وهناك ملفات أخرى مناطقية وخدماتية تبرز الخلافات بين الطرفين مثل ملف مستشفى البوار.
لكن الملف الأبرز هو ملف الانتخابات النيابية، إذ بدأت القوات بالاستعداد لهذه الانتخابات دون الأخذ بالاعتبار التحالف مع التيار، سواء عبر الترشيحات أو عبر اقامة تحالفات جديدة كما حصل من خلال إعادة ترتيب العلاقة مع تيار المردة وزعيمه النائب سليمان فرنجية في الشمال. ومن الواضح أن طبيعة القانون الجديد ستؤدي إلى منافسة شديدة بين الطرفين ولا تستلزم الاتفاق بينهما، وعندما سئل النائب ألان عون في حوار تلفزيوني: من هو الأقرب سياسياً لك النائب محمد رعد أو الدكتور سمير جعجع؟ فأجاب: النائب محمد رعد، وقد أثارت هذه الإجابة حملة قاسية على التيار بين صفوف القواتيين، ما دفع الوزير ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان للعمل على اعادة احياء التحالف وعقد لقاء موسع مع الوزير جبران باسيل في دارته في اللقلوق لبحث كيفية ترميم العلاقة.
مستقبل التفاهم
لكن ما هو مستقبل التفاهم بين التيار والقوات؟
حول هذا السؤال يقول مصدر قيادي في التيار الوطني الحر لـ«الامان»:  إن التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية دفن الانقسام المسيحي الداخلي إلى غير رجعة، وهو يشمل عناوين وطنية وأخرى متصلة باستعادة الدور المسيحي الريادي في لبنان والحفاظ على الميثاقية والتوازن. أما الخلاف السياسي الطبيعي والمنافسة الانتخابية، فهما مشروعان، فالمطلوب لم ولن يكون الذوبان والتماهي، بل وضع مظلة استراتيجية حامية وضامنة للمنافسة والتعاون وتأكيد نقاط الاتفاق.
ويضيف القيادي في التيار: لذلك فالعلاقة بين الطرفين الكبيرين هي تجربة أحرزت تقدماً كبيراً في مجال إلغاء الانقسام والشرذمة، وتشجع على العمل السياسي الطبيعي والتنافسي. ومن الطبيعي في نظام انتخابي جديد كالنسبية مع الصوت التفضيلي أن تعمل كل قوة سياسية على زيادة مكاسبها، من هنا فالتعاون أو المنافسة الانتخابية سيكونان «على القطعة» وليس ضمن صفقة متكاملة. إن هذه التجربة يجب أن تكون مثالاً للتعددية في كل الطوائف اللبنانية لأن هذه التعددية تسمح بتشكيل تحالفات سياسية عابرة للانقسامات الطائفية والمذهبية، وعلى عناوين سياسية. فقد شهد مجلس الوزراء ومجلس النواب خلافات متعددة بين التيار والقوات دون أن يمسّ ذلك بتفاهم «إعلان النوايا»، وهذا أمر صحي في العلاقات السياسية.
أما مصادر القوات اللبنانية، فقد رفضت الحديث عن الموضوع، لكن من الواضح ان الزخم الذي اتسم به هذا التحالف في الأشهر الماضية قد تراجع، وليس من المعلوم ان كان سيستمر حتى الانتخابات النيابية المقبلة أو سينتهي مع انطلاقة هذه الانتخابات أو قبل ذلك بكثير، مع تغير الظروف السياسية الداخلية والخارجية.}