عبدالله المصدوم,شاب متدين,ملتزم كما يُعبّر "بالدارج" في هذه الايام  , انه انسان ملتزم بالخط والقضية , أو كما هو السائد الخاطئ, بأن المتدين الملتزم 
هو الذي يؤمن بالجهاد المسلّح فقط , ضدّ عدو متجدد دائما , كأنني أذكر لُعبة الطفولة مع اولاد الحي , حيث كنا ننقسم الى فرقتين ونتسلّح ببنادق خشبية 
صناعة ولاديّة , ونبدأ بالتقاتل والتراشق بشرط عدم الموت , وهكذا كنا نرتع ونلعب, واذا كاد أحد الفريقين ان ينكسر تداع من أجل بقائه في اللعبة الفريق الثاني. 
واذا لم يؤمن ويلتزم بمشروع سياسي مفروض فهو خارج دائرة التدين والدين , حتى لو مارس الفروض الدينية كلها , وتفقّه بالدين والشريعة, 
والتزم بأدّق التفاصيل الشرعية , وملك الصفات الانسانية كلها , مع كل هذا يستطيع أيُّ أحد من أصحاب المشروع السائد أن ينفي عنه ما ذكر من الصفات والعناوين,والافعال الخيرة  
مستبدلا بها أسوأ الصفات, وقاذعا قذعا, معتقدا بأحقيته بذلك فجورا. 
عاش الاخ المصدوم في بلاد الاغتراب منذ نعومة اظفاره , حاله بذلك , كحال الكثيرين من اللبنانيين الذين تركوا أو تُرّكوا وطنهم, فساحوا في البلاد بحثا عن واقعٍ لأحلامهم, 
التي لا يملكون غيرها, في بلد كادت ان تُسلب أحلام أهلها , بل سُلبت أحلام الناس بعيشٍ كريم , وتحولت العدالة الى سرابٍ , كلما اقتربتَ منها ازددتَ رعبا, وكأنها مخلوق 
مشوه , لا هي عدالة ولا هي اللاعدالة , بل هي وعود كاذبة , لأن الذي يعِدُ ليس حرا لكي يفِ بوعده , بل هو ينتظر أيضا مَنْ وعده. 
وكما هو معروف ومعلوم عند أغلب الناس الذين هاجروا من أوطانهم بسبب أو بدونه , طلبا للرزق أو للعلم 
او لغايات أخرى , أنهم يعيشون همّ وطنهم الام , وهم في الغالب يتتبعون أخبار بلدهم بواسطة وسائل الاعلام أو من بعض الوفود الذاهبة والجائية , وللأسف ان أغلب هذه 
الوفود هي وفود حزبية غايتها من السفر نشر أفكارهم التي ضاق الوطن بها ذرعا ,"ونخّ"من ثقل أوزارها نخنخة الابل من زجر صاحبه حتى برك. 
لم أكن أعرف ذاك الشاب من قبل , الا أن الصدفة قد جمعتني به ووالده "أبو عبدالله الحائر,وللوهلة الاولى أُدهشتُ باسم عائلةٍ لم اسمع بها من قبل, ورابني ثانية ما سمعته 
من اختلافٍ بين الاسمين , حيث أن عائلة الاب تختلف عن عائلة الابن , وهذا أمر غير مألوف في مجتمعي عادة , حاولت أن أشبع فضوليتي سائلا الوالد عن سرّ الاختلاف هذا. 
فوجئت وأزدادت دهشتي عندما أخبرني الوالد حقيقة الامر,قائلا :يا مولاي أنا حقيقة, من آل تُرابْ , عشتُ مع أترابي بين ثلم وتلاع , أكدح ليل نهار,أسهر الليل قلقا من هم نهارٍ 
لا أدري ما ينتظرني فيه,وكأن الشمس لم تعد شمسي,والسماء لم تعد سمائي,والارض لم تعد أرضي,حتى كدت ألتمس ليلا طويلا لا نهاية له.واذا ما طلع النهار حارَ عقلي 
همّا وغما بحثا عن مخرجٍ لولدي المصدوم بحقيقة مشروع سياسي لطالما حلِم به,وأعتبره خلاصا للدين والدنيا,وترك من أجله كل الفرص التي أُتيحت له,ولو أنه التفت الى 
كلام امام الحكمة وسيد الموعظة ألامام علي بن أبي طالب حيث قال:"ان الفرص تمرّ مرّ السحاب فاغتنموها".لأراحني من حيرة تلبّستُ بها حتى أصبحت وأمسيت لا أُعرف 
الا بالحائر , ولأراحَ نفسه من صدمةٍ صدّعت بنيته العقلية والنفسيّة حتى لُقّب بالمصدوم.....