ثمة مجال لقراءة مغايرة في خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أعلن فيه مبادىء الحوار المنشود لحل الأزمة الخليجية الأسوأ في تاريخ مجلس التعاون، تربط بين بعض العبارات والكلمات، لتصل الى خلاصة لم ترد في النص الحرفي، لكنه لا يمكن لأحد أن يخطئها.
لم يشأ أمير قطر أن يغالي في الخطاب، الموجه أساساً الى الشعب القطري والجمهور الخليجي التواق الى التهدئة والتسوية، أو أن يفارق اللغة الدبلوماسية، أو أن يقطع طريق المبادرة السياسية. عبّر بطريقة هادئة عن موقف لم يطرأ عليه أي تغيير او تعديل منذ اللحظة الاولى للأزمة، وإن كانت قد جرت بلورته تباعاً، من الرد الأولي على الغزو الالكتروني الذي تعرضت له قطر، الى التجاوب الجدي مع الوساطة الكويتية، الى الاستفزاز الفعلي الذي شعرت به إزاء لائحة المطالب ال13، الى التفاعل اليومي مع إضطراب ظاهر في الموقف الاميركي تسبب به الرئيس دونالد ترامب ثم حسمته المؤسسة الاميركية..
 لكن الخطاب لم يكن مجرد جمع لردود فعل قطرية على الغزو والحصار والتضليل. خرج الامير على شعبه وعلى الخليجيين ليجزم  للمرة الاولى بأن قطر تجاوزت الحصار فعلا ، وإنتصرت عليه. وهي بالتالي لم تعد مضطرة الى التحاور تحت وطأته، ولن تكون معنية بالتفاوض حول فكه..وكاد يصل الى حد القول أنه، من الآن فصاعداً، بات رفع الحصار شرطاً للحوار، لا نتيجة له.
ولأن الخطاب لم يكن مناسبة لإعلان شروط، أو التقدم بلائحة مطالب مضادة، بل فقط لطلب ضمانات مسبقة للدخول في الحوار، أهمها على الاطلاق هو أن يشمل الحل للأزمة "عدم العودة الى هذا الأسلوب الانتقامي"الذي فرّق بين الخليجيين وشتت عائلاتهم وأضر بمعيشتهم ومصادر رزقهم. وهو ما يبدو حقاً طبيعياً يعبر عن رغبة شعبية قطرية وخليجية بتحييد المواطنين عن خلافات المسؤولين، لكنه أقرب ما يكون الى التمني البعيد المنال في ضوء الشرخ الخليجي العميق الذي تعمدته دول الحصار الاربع، وبات معه من الصعب التكهن في أن فكرة الحصار يمكن ان تسحب نهائياً من التداول الخليجي، أو أن عبور الحدود الخليجية البرية والبحرية والجوية يمكن ان يعود الى طبيعته في المستقبل القريب.
لذلك ربما لم يكن خطاب النصر القطري على الحصار  إحتفالياً. فأسباب الازمة وعناصرها لا تزال قائمة. وهي لا تقتصر على خلافات حول السياسة الخارجية حسب تعبير أمير قطر. وهي بالمناسبة الخلافات الآسهل والابسط بالمقارنة مع غيرها من عوامل الفِرقة الخليجية، التي تجاوزتها الدوحة عندما بدا بما لا يدع مجالا للشك أن موازين القوى السياسية، العربية والاقليمية والدولية، تميل لمصلحتها بشكل حاسم، بدءاً من أميركا الى روسيا مروراً بالدول الاوروبية الكبرى، وصولا الى تركيا.. وكل ذلك برغم تهمة الارهاب التي وجهت الى قطر والتي كانت ولا تزال مثيرة للسخرية أكثر من كونها مسببة للحرج، خصوصا وأنها جاءت من دول منتجة ومصدرة وممولة، وليس دول منزّهة او مبرأة.
ما كشف حتى الان في هذا الشأن هو غيض من فيض، لكنه لم يجد نفعاً في الازمة الراهنة، بل كان مجرد إضافة عابرة على هوامشها. ما زال مصدر الازمة داخلياً. وعندما كرر الاميركيون القول انها أزمة عائلية، ظن كثيرون أنهم يقصدون انها ناجمة عن صراعات قديمة بين آل سعود وآل ثاني وآل نهيان.. قبل ان يوضح الاعلام الاميركي وبشكل صريح ومباشر وفي سلسلة من التقارير والتحقيقات البالغة الاهمية ان الصراعات المشار إليها هي داخل عائلة آل سعود وعائلة آل نهيان تحديداً.
هنا يبدو أن الازمة لا تزال في بدايتها. كسبت قطر حتى الان معركة الحصار، ومعها معركة الاستقرار الداخلي الاستثنائي بالمقارنة مع بقية شقيقاتها الخليجيات. لكن الحرب لن تنتهي قريباً في الرياض وأبو ظبي.