أجواء الشحن اللبنانية- السورية ليست بريئة. آلية توزيع الأخبار والتسريبات والفيديوهات لم تكن عفوية ولا نتاج عمل فردي. كل دلائلها ومؤشراتها تفيد بأنها تُطبخ في غرف مغلقة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. الدليل على ذلك، هو سرعة انتشار فيديو ضرب مجموعة من اللبنانيين مواطناً سورياً أعزل. حتى الكلام المستخدم في الفيديو وطريقة التعذيب، تحمل كثيراً من الدلائل والرسائل، خصوصاً أن مصادر مطّلعة على مسار التحقيق تؤكد لـ"المدن" أن هناك شخصاً إضافياً تلاحقه الأجهزة الأمنية. وهو ضليع في مسألة التعذيب والتصوير ونشر الفيديو، وهو شخص غير مدني.

ووسط هذه الأجواء المشحونة والتصعيدية، برز كلام رئيس الحكومة سعد الحريري عن أن الجيش اللبناني هو المسؤول الوحيد عن حماية الحدود، وأنه سيلجأ إلى تنفيذ عملية موضعية ودقيقة في جرود عرسال. كلام الحريري يأتي في إطار قطع الطريق على محاولات زج الجيش في المعركة بشكل غير مباشر، أو أن يدخلها بناءً لرغبة حزب الله. بالتالي، قد يكون الموقف إعلاناً استباقياً أن الجيش سيشارك في حماية الحدود، وأن الحريري والحكومة يوفران له الغطاء لمواجهة الإرهاب، لاسيما حين يقول إن لدى الجيش دعماً سياسياً وفيراً في مواجهة التنظيمات المسلّحة. 

لكن هناك من يعتبر أن كلام الحريري يهدف إلى قطع الطريق على حزب الله في استدراج الجيش، ومحاولة رسم فاصل بينهما. وهذا ما استكمله الجيش من خلال تعزيزاته في محيط بلدة عرسال وجرودها، ربطاً بجرود رأس بعلبك. وما تكرس في جولة قائد الجيش جوزف عون التفقدية، والعملية التي نفذتها مديرية المخابرات في عرسال، الأربعاء في 19 تموز، والتي قبضت خلالها على اثنين من المطلوبين.

في معرض التعليق على هذا الكلام، وتأكيده، سرت أجواء تحدّث عن تنفيذ حزب الله مناورة تشبه مناورة القمصان السود في بلدة العيشية قضاء جزين. وتتحدث المعلومات عن دخول مجموعة غريبة إلى البلدة والاعتداء على 13 منزلاً. لكن البعض اعتبر ما حصل قبل أيام هو تعرض عدد من المنازل في البلدة للسرقة، بعيداً من التفسير السياسي. إلا أن الأجواء التي تُرافق هذا الحدث تضعه في سياق لا ينفصل عن الأجواء المشحونة في البلد، خصوصاً لما تمثّله هذه المنطقة من رمزية، أولاً بسبب موقعها الجغرافي، حيث تقع في عمق السيطرة الميدانية والسياسية والأمنية لحزب الله، وثانياً باعتبارها منطقة مسيحية.

بمعزل عن الآراء المتضاربة التي توضع في السياقات السياسية المختلفة والمتناقضة لما حصل، فإن الايحاء المراد عكسه هو تعزيز مفهوم الاستنفار اللبناني في المناطق اللبنانية ضد السوريين، ولرمزية المنطقة المسيحية هنا، بحصر الإشكال بين اللاجئين والمسيحيين، إلى جانب محاولات زرع مشاكل أخرى بين اللاجئين والسنّة في عرسال مثلاً، على قواعد متعددة، منها التهديد بالوضع الأمني الذي قد ينعكس على البلدة بسبب وجود اللاجئين، وإمكانية تحول مخيماتهم إلى ملاجئ للإرهابيين. يجري ذلك فيما تخرج آراء تعتبر أن ما يجري هو مزيد من محاولات التحفيز لمشاركة الجيش في العملية العسكرية في عرسال، بعد الكلام عن أن الجيش يؤكد أنه لن يشارك فيها، بل يطالب بحلّ المسألة بأقل الخسائر الممكنة. وهذا ما يعتبره البعض أنه رأي متمايز للجيش عن رؤية حزب الله، الذي يستمر بالحشد العسكري والإعلامي لحسم تلك المعركة.

اللافت هو أنه حتى الآن، رغم انخراط حزب الله في المعارك السورية، لم يظهر حال من العداء في الشارع الشيعي للاجئين السوريين، بالحجم الذي يظهر في مناطق مسيحية وسنّية، خصوصاً بعد الاجراءات الأخيرة التي اتخذت بحق العمال السوريين، الذين يفتحون مؤسسات في مناطق الشمال، كطرابلس وعكار. وهذه الصورة، تعكس مدى انضباط الشارع الشيعي تجاه اللاجئين، رغم أنهم يعتبرون أن حزب الله هو من تسبب بطردهم من منازلهم وأراضيهم.

هناك نظرية بدأت تظهر في لبنان بأن أطرافاً تريد إخراج السوريين من لبنان، عبر إحداث توترات أمنية وعبر فيديوهات تشبه ما حصل، الثلاثاء في 18 تموز، وعبر رسائل أخرى في مناطق أخرى، ستترافق مع معركة عرسال. وإلى جانب العوامل السياسية، هناك نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري، يحسبون على مذهب معيّن. بالتالي، يسهمون في تغيير أي معادلات عددية إذا تطورت الأمور إلى الأسوأ، فإن نقطة التحوّل الأهم في هذا الموضوع، أن السوريين الذين كانوا يعتبرون أن لديهم مشكلة وحيدة في لبنان هي مع حزب الله، تطور مشكلتهم لتصبح معركة مع الشعب اللبناني والجيش اللبناني.