قد يكون الحدث غداً الثلثاء في ساحة النجمة، في داخل الهيئة العامة، وفي خارجها في الساحات المحيطة بالمجلس. لكن المشكلة في مكان آخر، وتحديدا في وزارة المالية، واستطراداً في مفاصل الاقتصاد الوطني، لأن ما يقرره النواب غدا، سوف تظهر نتائجه لاحقا في كل منزل.
 

نجحت السلطة في حشر نفسها في زاوية ضيقة. لا هي قادرة على تجاوز ملف سلسلة الرتب والرواتب، ولا هي قادرة على هضم النتائج التي قد تنتج عن فرض ضرائب ورسوم جديدة. والمفارقة هنا، ان السلسلة لن ترضي أحدا.

وهناك لائحة من الاعتراضات والمعترضين على الشكل التالي:

اولا- هناك المعترضون لأن السلسلة قد لا تشملهم، وفي مقدمهم المتقاعدون.

ثانيا – هناك من يعترض على عدم عدالة السلسلة، واعتماد صيف وشتاء فوق سطح واحد، بالنسبة الى توزيع الرتب.

ثالثا - هناك شريحة المعترضين على الاصلاحات الواردة في السلسلة، ومن ضمنهم الجسم القضائي الذي تضامن ضد ما اعتبره تدخلا في شؤونه. وهناك شريحة المعترضين على دوام العمل...

في المقلب الآخر، هناك المعترضون على فرض ضرائب ورسوم لتمويل السلسلة، وهؤلاء ينقسمون الى فئتين:

الفئة الشعبية التي تعترض على مبدأ الضرائب بشكل عام، لأن ذلك يؤدي الى خفض القدرة الشرائية للمواطن. واذا كان مبدأ «يعطيك بيد ويأخذ ما أعطاك باليد الأخرى»، ينطبق على المستفيدين من السلسلة، إلا أنه لا ينطبق حتماً على الفئات التي لن تستفيد من السلسلة، فهؤلاء يؤخذ منهم بيد، ولا يُعطون باليد الأخرى.

فئة القطاعات الاقتصادية التي تستهدفها بعض الضرائب، ومنها المصارف، قطاع العقارات، نقابة المهندسين، قطاع تجارة السيارات...

في موازاة هذه الاعتراضات التي تبدو متنوعة الى حدود التناقض، سيكون الهاجس الاكبر للدولة الاجابة على الاسئلة التالية:

اولا – هل ستؤمّن الضرائب الجديدة الايرادات الكافية لتغطية كلفة السلسلة؟

ثانيا – ما مدى تأثير هذه الضرائب على القطاعات الاقتصادية، وتاليا على الاقتصاد واستطراداً على المالية العامة التي تتماهى حتماً مع أداء الاقتصاد.

ثالثا – الى أي حد سوف يزداد مستوى انتشار الفقر، خصوصا لدى الطبقات المعدومة، والتي تصنّفها وزارة الشؤون الاجتماعية الأشد فقرا.
وهنا لا بد من ملاحظة، وهي أن الضرائب لا يمكن أن تطال الطبقات الميسورة من دون أن تؤثر على الطبقات الشعبية. هذا الكلام ينطوي على جهل او كذب.

وكل ضريبة تطاول قطاعا اقتصاديا في البلد تؤثر سلبا بطريقة أو بأخرى على القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود. مع الاشارة هنا الى ان سلة الضرائب تشمل زيادة على الضريبة المضافة (TVA). والغريب ان المعنيين يعترفون بأنه لا يمكن الاستغناء عن هذه الزيادة، والاكتفاء بالضرائب الاخرى، لأن هذه الضريبة هي الوحيدة المضمونة، والتي يمكن تحصيلها واحتسابها ضمن الايرادات الجديدة.

والادعاء ان الضريبة على القيمة المضافة لا تؤثر على اصحاب الدخل المحدود، لأنها تطاول الكماليات فقط، كلام غير مسؤول، لأن تصنيف ومفهوم الكماليات فيه شيء من الاهانة.

البراد والغسالة والهاتف والتلفزيون... لا يمكن اعتبارها كماليات، إلا اذا كان مفهوم ذوي الدخل المحدود بالنسبة الى الدولة، ينطبق على المواطن الذي يعيش بلا كل هذه الحاجات، وبلا اشتراك مولد ويكتفي بالخبز والطعام. فهل هذا ما يدور في خاطر المسؤولين الذين يطمئنون الناس الى ان الضريبة على القيمة المضافة لن تطاولهم؟

كل هذه المشاكل والتعقيدات ستكون مطروحة غدا عندما يلتئم المجلس النيابي لبحث ملف سلسلة الرتب والرواتب. وستكون أرقام العجز في المالية العامة حاضرة في الأذهان.

وكذلك ستكون أصوات المعترضين والمعتصمين في الخارج مسموعة. وفوق كل ذلك، سيكون هاجس التفكير في رد فعل الناس على ما سيتقرّر في المجلس النيابي حاضراً، لأننا دخلنا في مرحلة الانتخابات بعد إقرار القانون الجديد، وتحديد موعد الانتخابات النيابية المقبلة.

جلسة الغد ستكون بمثابة تشريع تحت الضغط، ومن المستبعد في هذا المناخ، أن تأتي النتائج على قدر التوقعات.