ما هي الخطة الجديدة التي يريد رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مفاجأة المودعين بها؟ وهل صحيح انّ هناك مفاجأة في الاساس يرغب ميقاتي في مناقشتها مع المجلس النيابي الذي يباشر في دراسة الخطة الاقتصادية الانقاذية التي أقرّتها الحكومة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

تابع المودعون باهتمام شديد ما قاله كبير مستشاري رئيس حكومة تصريف الاعمال نقولا نحاس في إطلالته في برنامج «صار الوقت»، في شأن خطة سوف يعرضها ميقاتي على المجلس النيابي تتعلّق بموضوع اعادة الودائع الى أصحابها. والمقصود هنا الودائع التي تتجاوز قيمتها المئة الف دولار، على اعتبار انّ خطة التعافي تتعهد بإعادة كل الودائع التي تبلغ 100 الف دولار، وما دون. ما هي الخطوط العريضة لهذه الخطة الجديدة الموعودة؟ ولماذا برزت اليوم ولم تكن مُتاحة عندما تمّ التوافق على الخطة مع صندوق النقد الدولي؟ وهل هي جدية ام انها تهدف فقط الى ذرّ الرماد في العيون؟

 

لا شك في انّ ميقاتي الذي كان مستعجلاً عقد اتفاق أولي مع صندوق النقد، تساهَل الى أقصى الحدود في صياغة الخطة الاقتصادية، وفَوّض نائبه سعادة الشامي صلاحيات استثنائية لإنجاز اي خطة تحوز على موافقة صندوق النقد وتسمح بتوقيع الاتفاق الاولي معه. ومن البديهي ان ميقاتي لا يرغب في أي شكل من الاشكال، في تقويض أسس الاتفاق مع الصندوق، كما انه ليس في مصلحة لبنان ولا اللبنانيين المجازفة بهذا الأمر. لكن يبدو ان رئيس الحكومة المكلّف شعر بحجم المعارضة التي تلقاها الخطة، ليس على مستوى المودعين والمصارف والمؤسسات وارباب العمل فحسب، بل ايضا على مستوى الكتل النيابية التي تبدو بدورها غير مقتنعة بطريقة توزيع الخسائر، وشطبها عشوائياً، وحرمان المودعين من حقوقهم في سابقة قد تجعل لبنان نموذجاً للفشل على مستوى معالجة الأزمات المالية والاقتصادية، وطرق الخروج منها.

 

لكنّ السؤال المطروح اليوم، هل انّ ميقاتي قادر على تقديم اقتراحات جديدة تنسف أسس الخطة التي اتفق من خلالها مع صندوق النقد، وتعطي المودعين الامل في استعادة حقوقهم، ولو بعد حين؟

 

ما هو مؤكّد انّ نهج التعاطي مع موضوع المودعين قد تبدّل، وصار ميقاتي مقتنعاً بخطورة شطب الودائع. وبالتالي، أثمرت الاتصالات الدؤوبة التي جرت طوال الفترة الماضية، سواء في الداخل او مع صندوق النقد الدولي، نوعاً من التفاهم على تعديلات جذرية في عملية توزيع الخسائر تتيح الحفاظ على حقوق كل المودعين، أو على الأقل تسمح بتعويض هؤلاء، بحيث تصبح الخسائر محدودة، مع إلغاء مبدأ الشطب الذي اعتُمد في الخطة الحالية. وفي الوقت نفسه، سيتمّ تحاشي استخدام املاك الدولة أو مؤسساتها لضمان هذه التعويضات، وهذا الأمر يُريح صندوق النقد ويجعله جاهزاً للموافقة على التعديلات المطلوبة ضمن الخطة.

 

لقد تمّ تأجيل اعلان الطرح الجديد، من قبل ميقاتي اليوم الاثنين في المجلس النيابي، كما كان مقرراً، بسبب تعديلات اضافية جرى إدخالها على الخطة الجديدة، بحيث لم تصبح المسودة النهائية جاهزة بعد، لكن الموعد الجديد هو مبدئياً يوم الخميس المقبل. ويبدو انّ صندوق النقد الذي أخذ علماً بالاقتراحات الجديدة أعطى موافقته المبدئية عليها بعدما تأكد أنها لن تؤثّر سلباً على مسار تَعافي الاقتصاد بسرعة معقولة.

 

تستند الخطة الجديدة الى مبدأ توزيع الخسائر وفق توزيع المسؤوليات، وهي تتعاطى مع الملف على أساس انّ مصرف لبنان والدولة لديهما مسؤولية مشتركة في ضمان حقوق المودعين، وبالتالي، لن يكون المودع مسؤولاً عن ضياع الاموال بين المركزي والحكومة، خصوصاً ان القسم الاساسي من اموال المودعين موجود دفترياً في مصرف لبنان، والذي تشير ميزانيته المنشورة كل 15 يوما، الى مبلغ 87 مليار دولار كتوظيفات للمصارف لدى مصرف لبنان. وبالتالي، هذا المبلغ غير الموجود فعلياً اليوم، هو نقطة الارتكاز التي تفسّر حجم الخسائر القائمة حالياً، والتي جرى تقديرها بحوالى 73 مليار دولار. والجدل الذي دار بين حاكم مصرف لبنان والمصارف قبل فترة، كان في شأن كمية الدولارات الفريش التي دخلت في السنوات الأخيرة، وكمية الدولارات التي عادت وخرجت من المصارف امّا لتسديد التزامات في الخارج، او لتمويل السوق المحلي. أمّا التوظيفات الدولارية القديمة فلا علاقة لها بهذا الأمر، لأنّ الميزانية المنشورة توضحها بما لا يحتمل أي جدل حولها.

 

في النتيجة، المواطن والمودع يريد أن يأكل العنب، وما سيقترحه ميقاتي الخميس المقبل قد يوصل الى هذه النتيجة، اذا لم تحصل مفاجآت غير متوقعة.