لم يكن مفاجئاً عدم توجُّه رئيس الوزراء الهندي إلى رام الله خلال أيام زيارته الثلاثة إلى إسرائيل. كان ناريندرا مودي هيأ لهذا الموقف عندما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل شهرين إلى نيودلهي حيث أحسن استقباله وأصدرا بياناً تقليدياً حول السلام في الشرق الأوسط، وأعلن عباس أنه يعوّل على دعم الهند السياسي بتأييدها حل الدولتين ودعمها المادي لمؤسسات السلطة الفلسطينية.
أراد مودي زيارة خالصة في معزل عن قضايا الشرق الأوسط وعقدة القضية الفلسطينية التي أعْيَت المهتمين. واعتبر إسرائيل «صديقاً حقيقياً» للهند، لكن العرب لم تفُتهم رمزية الزيارة الأولى لرئيس هندي إلى القدس المحتلة. مع ذلك، لا مجال لردّ الفعل في منطقة غارقة في حروبها وحروب الآخرين، وفي الانشقاقات السياسية الكبرى، وأحدثها خروج قطر على المصالح العليا لدول مجلس التعاون الخليجي.
ونسبت وكالات الأنباء إلى مسؤولين قولهم إن محادثات مودي- نتانياهو تتناول استعانة الهند بالتكنولوجيا الإسرائيلية لإنتاج صواريخ وطائرات بلا طيار ونظم للرادارات، في سياق تطوير الصناعات العسكرية الهندية لتلبية أسواق السلاح. كانت الهند تتعاون مع روسيا في مثل هذه المجالات وغيرها لكن هذا التعاون لم يعد كافياً لتلبية طلبات دولة متنامية كالهند، لذلك اتجهت نحو إسرائيل، باعتبارها قمة الحداثة التكنولوجية الغربية، من دون أن تضطر إلى التعاون مع الغرب نفسه وتبنّي شروطه السياسية.
شروط إسرائيل أقل كلفة، بالمقارنة مع الصراعات المتصاعدة والمصالح المتعارضة في شبه القارة الهندية والشرق الأقصى حيث يتبارى الثلاثة الكبار: الولايات المتحدة والصين وروسيا. بذلك تضمن الهند نمواً تكنولوجياً يدفع بها إلى مصاف الدول الكبرى متخففة أيضاً من الخضوع السياسي في محيطها الإقليمي.
في زيارة ناريندرا مودي إسرائيل تبرز من الذاكرة العربية صورة جواهر لال نهرو حليف جمال عبدالناصر في مجموعة دول عدم الانحياز خارج سيطرتَيْ واشنطن وموسكو، وصورة الهند القريبة من العرب على عكس غريمتها باكستان التي كانت جزءاً من حلف عسكري وسياسي مكمّل للناتو، سمّي أثناء تأسيسه «حلف بغداد». لكن الهند وباكستان المختلفتين يومياً في كشمير ومناطق أخرى تحضران عربياً عبر جاليتين هما الأكثر عدداً في دول الخليج. ويؤكد لقاء مودي- نتانياهو في إسرائيل على حقيقة تهميش القضية الفلسطينية، ومعها تهميش العالم العربي والإسلامي الغارق في نزاعاته التاريخية وحروب ترفع رايات الماضي لتحطم إنجازات الحاضر وتمنع الأجيال الجديدة من التفكير بمستقبلها ومستقبل أوطانها. أليس لافتاً أن اليميني المتعصّب الذي يرأس الحكومة الهندية استطاع الجمع بين عصبيته الهندوسية وتطوير الصناعة في بلده والحرص على العلاقات مع دول تستفيد منها الهند الدولة والشعب، بما في ذلك العلاقات مع إسرائيل والدول العربية وأميركا وروسيا والصين وإيران وتركيا. وبذلك تجاوز ناريندرا مودي أداء رؤساء باكستان الإسلاميين منذ إطاحة ضياء الحق الدولة المدنية وإعطاء الريادة لخطيب الجمعة على حساب الأستاذ الجامعي في محاضراته ومختبراته.
كان انفصال المسلمين عن وطنهم الهند عام 1947 ضربة قاضية للدولة الكبرى المستقلة عن بريطانيا، لكن دولة الهند التي احتفظت بمواطنين مسلمين يزيدون عدداً عن إخوانهم في الدولة المستحدثة، باكستان، استطاعت تطوير نفسها من رمز للفقر والجهل والجوع إلى رمز للنمو، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، ولم يمنعها من ذلك صعود اليمين الهندوسي الذي يجد مبرراته خارج الحدود، أي في باكستان الجانحة أكثر فأكثر إلى أسلمة سياسية تنتج متطرفين وتنفّر دول العالم ومجتمعاته.
مودي- نتانياهو، رئيسان متعصّبان دينياً، لا يمنعهما التعصُّب من الالتفات إلى نمو الدولة والحرص على علاقاتها بدول العالم الأخرى. والمشهد يستدعي معادله الإسلامي السياسي، حيث الحاكمون المسكونون بالوهم يهدمون الدولة التي يديرونها وحيث المعارضون يمنعون قيام دولة بديلة مفضّلين التطرُّف والفوضى وحرية الخراب.