كانت الساعة العاشرة قبل ظهر اليوم. 

رن الهاتف...

إنها رسالة "واتس آب"

"توفيت ميرال"

كيف ذلك؟

لماذا لم تصمد قليلاً، فقط بضع ساعات إلى حين نشر قصتها؟ لماذا لم يصمد جسمك يا ميرال؟ لماذا لم تنتظريني لأنشر ما كتبته عنك؟ (أسئلة راودتني ولا تزال).

"كنت واثقاً ما إن تنشر صورتها وقصتها سيندفع الناس إلى مساعدتك في مواجهة سرطان الدم، كنت واثقاً بأن هناك من لن يسمح بموتك بسبب الفقر، كنت على يقين أن وزير الصحة غسان حاصباني سيتحرك، لماذا لم تنتظري؟ لماذا؟" 

اكتشفت قصة ميرال متأخراً، بالأمس تواصلت مع والدها غسان، وجمعت كل التفاصيل، لكن الموت كان أسرع منا جميعنا وخطف ميرال الصغيرة.  

كان العنوان: "أنقذوا ميرال بالله عليكم... أو ادفنوا ضمائركم"، لكنها لم تنتظر شروق الشمس حتى رحلت وفضلت أن ترتاح هناك حيث الملائكة، حيث السلام بعيداً من الحرب السورية.

كانت مقدمة الموضوع قبل وفاتها: "لن أبحث عن كلمات مؤثرة ولا عما يهز مشاعر الناس وإنسانيتهم، فالواقع وحده يكفي لتحميلنا المسؤولية، ومن يعلم ربما فات الأوان قبل نشر هذه الكلمات، ولنسأل ضمائرنا: هل من المعقول أن يكون الفقر سبباً لموت طفلة لا يتجاوز عمرها السنة ونصف السنة؟ ألا يحق لها الحصول على فرصة للعيش". 

ميرال لم تفهم لماذا اصيبت بهذا المرض، ومن المرجح أن تأثير الحرب السورية ودمويتها وقذائفها وبشاعتها وبارودها سببت لها هذا المرض. كل ما تعرفت عليه بعد أشهر من ولادتها هو الألم وغرف المستشفيات والمصل والحقن والدواء. 

ماذا سنقول لشقيقتيك ريم (6 سنوات) وليان (4 سنوات)؟ هل نقول لهما إن عدم توفير نحو 35 ألف دولار أدت إلى وفاتها؟  

ميرال ابنة بلدة في ريف دمشق، اكتشف غسان والدها مرض طفلته عندما بلغت نحو 9 أشهر، وبدأت رحلته للحفاظ على حياتها. لا علاج في سوريا، فانتقل بها والعائلة العام الماضي إلى لبنان بحثاً عن مساعدة. 

حط في عرمون، سأل أحد المستشفيات في بيروت عن تكلفة علاجها، فقالوا له ما لا يقل عن 35 ألف دولار، لكن من أين؟

استطاع غسان أن يؤمن الفترة الأولى من العلاج بمساعدة إحدى الجمعيات لشهرين أو ثلاثة، وسارع إلى العمل في معمل للألومينيوم. أنهت ميرال الجلسات الأولى وتلقت جرعات الكيميائي في مستشفى الجعيتاوي. لم تستطع الجمعية متابعة العلاج وبات غسان وحيداً، وميرال في المنزل تصارع الموت بعدما عاود المرض الانتشار في دمها، وبدأت تظهر العوارض عليها: نَدَبات على الجسد، انتفاخ في البطن والقدمين واليدين، تقيؤ وعدم تقبل للطعام. أما غسان فبقي يتنقل "هنا وهناك" عله يأتي بمساعدة. واللافت أنه تواصل مع الأمم المتحدة ووفق حديثه لم تؤمن المساعدة.

وصل الحال مع غسان إلى الايمان بأي حل، فمنهم من قالوا له حاول معالجتها بالطب العربي، ويقول لي: "حاولت كل شيء حتى الزنجبيل... كنت كل يوم اخرج إلى عملي واخشى العودة وتكون راحت".

تواصلنا مع طبيبها ليل أمس، والصدمة تمثلت بإجابته. "دكتور بدي إسألك عن ميرال الطفلة السورية الصغيرة"، يجيب وبسرعة: "أين هي؟ كان من المفترض أن أراها منذ أشهر؟ لولا اتصالك لحسبت أنها توفيت لأنها تعاني سرطاناً شديداً جداً في الدم". 

هل يكفي تأمين 35 ألف دولار؟ يرد: "حالياً تحتاج إلى أكثر من ذلك، لأن معاودة انتشار المرض سيدفعنا إلى العلاج الكيميائي من جديد، لكن بعده يجب عملية زرع".

وفي حال تأمن المال هناك أمل؟ يجيب: "نعم هناك أمل، لكن يجب مراقبة وضعها في الفترة الأولى من العلاج".

"ميرال وداعاً" أعتذر منك عن تأخري في كتابة مقالي عنك ولو لساعات، واعذري عالماً صار لا إنسانياً مادياً جشعاً كافراً لا يستأهل وجود ملاك طاهر مثلك. الأسف، كل الأسف، على أطفال آخرين مثلك ينتظروننا، فهل من إمكان نور في آخر هذا النفق؟!