اختلفت القراءات للتقرير الذي أصدرته وكالة «فيتش» العالمية للتصنيف الائتماني حول الوضع في لبنان. لكن ما هو أكيد ان النقاط الواردة في التقرير تقود الى استنتاج وحيد مفاده ان حجم المخاطر حولنا ينمو، في مواجهة حقائق قاسية.
 

اعتادت وكالات التصنيف الائتماني أن تدمج في تقاريرها عن التصنيف السيادي للدول، خصوصا دول العالم الثالث، ما هو مالي واقتصادي بما هو أمني وسياسي. ومن البديهي ان كل تقارير التصنيف السيادي للبنان تضمنت دائما، وعلى مدى كل السنوات الماضية فقرات واسعة تحدثت عن الوضعين الامني والسياسي. وبالتالي، لم يخرج التقرير الأخير لـ«فيتش» عن هذا السياق.

في الشق السياسي، لم يكن مضمون التقرير متشائما بالقدر نفسه الذي كانت عليه تقارير سابقة أصدرتها وكالات التصنيف العالمية، في فترة عدم وجود
رئيس للجمهورية. وبالتالي، كان التوصيف الحالي للوضع مُنصفاً، ولو انه غير مريح لجهة ان اجواء التشاؤم ما تزال غالبة.

في الشق المالي والاقتصادي، كان واضحا ان المخاطر تنمو، والضغوطات على المالية العامة وعلى الوضع الاقتصادي عموما تزداد ضراوة. ولعلّ أخطر نقطتين تطرق اليهما التقرير هما:

اولا: احتمال انخفاض التحويلات الى لبنان، في حال عمدت الولايات المتحدة الاميركية الى توسيع دائرة تطبيق قانون العقوبات على حزب الله.
ثانيا: نمو الدين العام الى مستويات قياسية بلغت 8.6% على اساس سنوي في اذار 2017.

في المقابل، يُظهر التقرير أهمية الهندسات المالية التي اجراها مصرف لبنان منذ العام 2016. اذ أدّت هذه الهندسات الى ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية 11% على أساس سنوي، فيما ارتفعت الاحتياطات بالعملات الأجنبية بنسبة 7.6%.

ما هو لافت في التقرير انها المرة الاولى التي تتحدث فيها وكالة تصنيف دولية عن التأثيرات المحتملة لتوسيع قانون العقوبات الاميركي على لبنان. واذا كان التقرير يشير الى الانعكاسات المتوقعة لتوسيع دائرة القانون، فان ايجابيته تكمن في انه يمكن استخدامه لدى الادارة الاميركية كوثيقة يمكن الركون اليها لاثبات حجم الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد اللبناني جراء هذه الخطوة.

وهي الحجة التي يرفعها المفاوض اللبناني، لاقناع الاميركيين بعدم الاقدام على قرار قد يهدّد الوضع في لبنان، بذريعة محاصرة حزب الله والمتعاونين معه مالياً. وسيكون التقرير بمثابة ورقة يستطيع أن يحملها رئيس الحكومة سعد الحريري في جعبته في زيارته المقررة الى واشنطن، لمناقشة ملف العقوبات، كما سبق ووعد جمعية المصرفيين.

في موضوع نمو الدين العام تبدو الامور اشد خطورة ووضوحا. واذا كانت مخاطر قانون العقوبات يمكن ان تزول بشطبة قلم اميركية، اذا ما اقتنعت واشنطن بحجم الاضرار التي قد تلحق بلبنان، فان معالجة خطر الدين العام تحتاج ارادة سياسية بوقف الهدر والسرقة، وتبنّي خطة اقتصادية صارمة، وهي ارادة غير موجودة حتى الان، ولا مؤشرات تدل على أنها قد تتوفّر في المدى المنظور.

تبيّن الارقام أن حجم الدين العام وصل في نيسان 2017 الى حوالي 77.17 مليار دولار، ارتفاعاً من 71.68 مليار دولار في نيسان 2016. بما يعني ان حجم الدين زاد حوالي 5.5 مليار دولار في سنة واحدة. وهذا رقم قياسي يبدو مرشحاً للتحطيم في نيسان 2018، اذا استمرت الامور في مسارها الحالي، وهذا ما هو مرجّح.

ماذا يعني هذا الرقم، وماذا ينتظر البلد في السنوات الخمس المقبلة؟

اذا سلمنا بأن نمو العجز في الموازنة سيحافظ على وتيرته الحالية، وهذا امر شبه مستحيل اذ انه سيرتفع بوتيرة اسرع، فان الدين العام، واذا ما احتسبنا نمو الفوائد تصاعدياً، سيصل الى حوالي 110 مليار دولار في خمس سنوات.

واذا اعتبرنا ان اسعار الفوائد بقيت ثابتة، ولم ترتفع، مع ان هذا الامر مُستبعد أيضا، بسبب النزعة الخارجية لزيادة الاسعار، وبسبب الوضع المالي للبنان، والذي يتراجع، فان كلفة الدين العام بعد خمس سنوات ستصبح حوالي 8 مليار دولار سنوياً.

واذا احتسبنا نسبة نمو الاقتصاد حسب التقديرات المتفائلة والاقل تفاؤلا، والتي تتراوح للسنوات الخمس المقبل بين 1 و2%، فهذا يعني ان نسبة الدين العام الى حجم الاقتصاد ستكون في العام 2020 حوالي 185%، على اساس ان حجم الاقتصاد سيكون حوالي 60 مليار دولار، وحجم الدين العام حوالي 110 مليار دولار.

هذه الحقائق لا تحتمل اللبس، وهو مسار شبه مضمون، من دون احتساب «غدرات الزمان»، على غرار توسيع قانون العقوبات الاميركي.

من هنا قد نفهم سر هذه الحماسة لاقرار سلسلة الرتب والرواتب، ذلك أن المالية العامة باتت مكشوفة على عجزٍ تصاعدي، وهناك من يعتقد ان المعالجة تكمن في فرض ضرائب اضافية، تحسّن مداخيل الدولة من جيوب الناس، وفق نظرية انه لا يمكن ان تكون الدولة فقيرة وأن يتمتّع الناس بقدرات شرائية مرتفعة.

كلما افتقرت الدولة افتقر الناس، ووفق هذه المعادلة تسير الدولة والرب راعيها، ويمضي معها المواطن نحو المزيد من الفقر والتعتير.