سحقًا لتلك الرصاصة الجاهلة والمجرمة التي ضلت طريقها وإرتكبت جريمة القتل بإختراقها جسد الرجل الثمانيني لتستقر بداخله بعد أن فجرت رئتيه وأردته قتيلًا يتضرج بدمه. 
لم يكن الحاج حسين جمال الدين على علم أن إعلان نتائج الشهادة المتوسطة ستضع حدًا لحياته وفي اللحظة عينها التي احتفل فيها أهالي الطلاب الناجحين في بلدي بهذه الشهادة البائسة بإطلاق الأعيرة النارية مستخدمين أي قطعة سلاح تقع بيد أي واحد منهم لينطلق الرصاص العشوائي في كل الإتجاهات بعيون تفقد البصر وعقول تفتقد إلى البصيرة ودون أي رادع أخلاقي أو سلوك إنساني أو عقاب قانوني، متجاهلين المناشدات والتوسلات والتهديدات للإقلاع عن هذه العادات الجاهلية القبيحة طالما أنه لا خوف من رب يحاسب او دولة تحاسب أو قضاء يحاكم مع إدراك العقل البشري بأن الرصاص المنطلق من فوهة البندقية أو الرشاش أو المسدس ويخترق طبقات الجو سينهمر على الأرض وسيخترق البعض منه رأس بريء فإما أن يرديه قتيلًا أو يعطبه جريحًا كما أردى الحاج حسين جمال الدين الذي قارب الثمانين من عمره والمقعد على كرسي متحرك بعد أخرجه أحد أبنائه ليقيه حرارة الجو اللاهب في غرفته ليتفسح قليلًا في باحة داره ويتنسم لطافة الهواء العليل خارج المنزل ناسيا لباس درع او التظلل بقبة حديدية تحميه من الرصاص الطائش.

إقرأ أيضًا: داعش في الطريق إلى الزوال

أو ربما وقع في المحظور عندما صدق كلام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي دأب منذ أيام على التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه ويطلق الرصاص الحي احتفاءًا بالفوز العظيم والنجاح الكبير بشهادة البريفية التي لم تعد تؤهل حاملها حتى لوظيفة خادم أو حاجب أو عامل تنظيفات أو عامل في أحد المطاعم لجلي الصحون، مع طمأنة الوزير للبنانيين بإنه لا داعي للقلق ولوضع الخوذ الفولاذية على الرؤوس أثناء إعلان النتائج، فالدولة بالمرصاد لكل من يحاول إستخدام السلاح للإبتهاج، أو قد يكون المغفور له وهو الرجل التقي والورع قد انخدع كما انخدع غيره من ذوي القلوب النقية والسريرة الطاهرة بالوعود التي تحدثت منذ بضعة أشهر عن خطط أمنية لمنطقة بعلبك الهرمل لبسط الأمن والاستقرار فيها بعد ملاحقة مطلقي الرصاص في المناسبات والمطلوبين بجرائم قتل وإلقاء القبض عليهم، والتي جاءت من أعلى السلطات في البلاد بعد ان باركها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري، وقد تكون خطيئة الحاج حسين بأنه وقع أسير وهم كبير بأن الأغطية السياسية والحزبية قد تم رفعها عن هؤلاء المستهترين بالقيم والأخلاق والمستخفين بحياة الناس والمعتدين على النظام العام وعلى كرامات الآخرين وأنه قد تم وضع حواجز تحول دون لجوئهم إلى مربعات أمنية تحميهم من ملاحقة الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية.

إقرأ أيضًا: الشيخ عودة تجاوز سقف الإقطاعية الدينية
خطيئة الحاج حسين جمال الدين هي بالضبط خطيئة كل مواطن لبناني أنه يبحث عن الحياة الحرة الكريمة ويتشوق للعيش بشرف وكرامة ويتلمس نسمة رقيقة من الهواء العليل في بلد فاحت منه روائح الفساد، وخطيئته أنه يفتش عن الأمان والراحة والسعادة في بلد ضاعت فيه الموازين الإنسانية واستبدلت بشريعة الوحوش التي تعيش في الغابات، ولكنه لم يجدها إلا في  الحياة الأبدية في الآخرة في السماء. 
هذه هي الخطيئة، فكان الثمن رصاصة اخترقت قلبه ومزقت رئتيه وسال دمه على صخرة الغباء والجهل والتخلف. ولئن ضاع حقه في ميزان عدالة بلدي لبنان فسيجده في الميزان الإلهي الذي لا يضيع عنده حق أي من مخلوقات الله، وينال المظلوم من ظالميه.