لعلّ الموقف الأهم الذي تضمنته كلمة الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله هي إعلانه عن النية لفتح الحدود اللبنانية امام متطوعين عرب وايرانيين للقتال في حال نشوب مواجهة جديدة مع اسرائيل، سواء في سوريا أو لبنان، فهذا الموقف فتح الباب على مصراعيه لمرحلة جديدة يتخلى فيها «الحزب» عن القفازات في التعامل أهم ما يمكن أن تقرأه مصادر معارضة في موقف نصرالله يمكن إيجازه بالآتي:مع ملف المنطقة، وفي التعاطي مع المعادلة الداخلية
 

أولاً: دفن «الحزب» بهذا الكلام معادلته الشهيرة التي تمسّك بها في المرحلة الماضية، وهي معادلة الجيش والشعب والمقاومة، والتي فرضها او ما يعادلها في كل البيانات الوزارية، وهذا الدفن الرسمي، دشّن لمرحلة تجاوز الحدود في الاتجاهين، بعد ان تجاوزها الحزب في ذهابه الى سوريا بحجة منع قدوم المسلحين الى لبنان.

ثانياً: اعلن «حزب الله» صراحة وبلا مواربة الاستيلاء الكامل على القرار اللبناني، حيث تحولت المؤسسات الدستورية مجالس حكم محلية، لا تتعاطى الشأن السيادي الذي تمارسه أيّ دولة مستقلة، وكرّس انتماء لبنان بقوة نفوذ «حزب الله» العسكري والامني الى محور طهران، ما سيرتّب نتائج كبيرة في ظل الاصطفاف الحاصل في المنطقة.

ثالثاً: ترجم نصرالله بأمانة نتائج التسوية والاختلال في ميزان القوى، فبالنسبة الى التسوية التي نتجت من هذا الاختلال، انتخب رئيس للجمهورية حليف للحزب ومشارك في المحور الذي يريد الحزب أن يضيف لبنان اليه، وصحيح أنّ الكلام الصادر عن نصرالله أوحى في الشكل انّ «حزب الله» هو مصدر السلطة، لكنّ الصحيح ايضاً أنّ الرئيس ميشال عون غير المُحرج بهذا الموقف الذي يصادر صورة الدولة من اعلى رأس الهرم الى أسفله، موافق على استراتيجية الحزب سواء بقتاله في سوريا، او في انتسابه الى محور طهران، وتالياً في التعاطي مع الحدود وكأنها مجرد وجهة نظر.

رابعاً: في الترجمة العملية للصمت الرسمي، يمكن القول إنّ بعض المواقف التي أصدرها أطراف مشاركون في الحكومة، لا يمكن ترجمتها الّا الى معارضة اعلامية، في حين انّ من صُلب مسؤولية المعترضين على اتفاق القاهرة الجديد، وعلى «حزب الله لاند» الذي يبدأ من لبنان ولا ينتهي في سوريا والعراق واليمن، والذي يريد ان يحوّل البلد معسكراً للممانعة، أن يطرح موقف نصرالله على جدول أعمال الحكومة، وان يصدر موقفاً يلتزم بالحياد، لكنّ ذلك يبقى مستبعداً، فالرئيس سعد الحريري اكتفى بالصمت، ولا يتوقع أن يغامر في تعطيل عمل الحكومة، إذا ما حاول إصدار موقف رسمي.

في كل الحالات، تشير المصادر الى انّ «حزب الله» يتجه في المرحلة المقبلة الى مزيد من كشف الاوراق المعروفة والمستورة، واذا كان الحزب قد حسم بعد السابع من أيار نَيل الغطاء الرسمي لسلاحه، فهو بعد دخوله الى سوريا، وانتخاب عون، حسمَ نَيل الغطاء الرسمي على كل الاجندة التي يعمل ضمنها، وما كلام السيد نصرالله الاخير سوى تأكيد لمحلية السلطة، في مقابل المشروع الاقليمي الكبير الذي ينتمي اليه الحزب ويمسك بالقرار اللبناني، وسط غياب شبه تام للقوى التي أقامت توازناً معقولاً في وجه مشروعه منذ العام 2005 وحتى السابع من ايار، فهذه القوى طبّقت باسم البراغماتية الحياد على نفسها، فيما تَوغّل الحزب في مشروعه حتى ألغى الحدود، وهَمّش المؤسسات، وحصر القرار الاستراتيجي به، وهو ما سينعكس على شكل نتائج غير متوقعة في ما يتعلق بعلاقات لبنان العربية والدولية، تتجاوز كل الكلام عن فوائد ربط النزاع، لأنّ العالم سينظر الى الحكومة اللبنانية في اعتبارها الغطاء الرسمي لمشروع يصطدم يوماً بعد يوم، بنظام المصلحة العربية، وبالمجتمع الدولي.