دعاهم فخامة الرئيس... دعا رؤساء الأحزاب الى قصر بعبدا، وبينهم «الديوك» الذين يتصارعون حتى النزْف للزحف نحو بوابة القصر...
 

هم أسياد البلاد ورؤساء الأحزاب والكتل، وهمُ الحاكمون في الحكومة، والحاكمون على الأرض، والمحاكَمون ربّما في السماء...

دعاهم الرئيس، لماذا...؟ للتشاور، حول ماذا...؟

وهل القيام بواجب المسؤولية والتقيد بالقانون يحتاج الى تشاور...؟

ثم إنَّ التشاور فيما بينهم غالباً ما يخضع للجدلية الفلسفية التي تستهلك المدى الأوسع من الوقت في انتظار بلورة التطبيقات بالبرهان، وتذليل الصعوبات التي تعترض «الرئيس الفاضل والمدينة الفاضلة» بحسب نظرية «الفارابي» الفيلسوف.

ولو لمْ يخضع قانون الإنتخابات لهذا النوع من المنهج الفلسفي في التشاور الذي استغرق الطويل من السنين، لما جاء هذا القانون «مثالياً» هكذا بفعل استنباط مبادىء البرهان العقلي.

ولكن... إذا كان التشاور في القصر حول المواضيع المطروحة يخضع أيضاً لهذه الجدلية المموَّهة بالمخادعات الفلسفية، فيكون قد انقضى العهد كمثل ما جاء، فلا نجاح ولا إصلاح ولا تغيير، إلّا إذا كان العهد يعمل لغَدهِ الوراثي، وقد بدا هذا الغد القريب لناظره مطوَّقاً بالأشباح التي تترّبص للإنقضاض على الفريسة المتهالكة.

قرأت نصّ الدعوة الى اجتماع القصر، وقد تضمنتْ: «تحفيز عمل السلطات الدستورية لما فيه الخير العام والمصلحة الوطنية العليا...»

وأعجبتني كلمة التحفيز وعبارة الخير العام والمصلحة الوطنية العليا، ونحن ما زلنا نتحفّز مع رؤساء الأحزاب حيال المصلحة الوطنية العليا سقوطاً الى أدنى درجاتها.

وما زلنا نتحفَّز لنتحفَّظ عن حقّ لبنان الطبيعي بالسيادة والحرية والعيش الكريم، ونشرّع لأنفسنا إزدواجية الولاءات والإنتماءات فيما بين سلالات العرب وسلالات العجم.

وها هي المصلحة الوطنية نتيجة المبالغة في التشاور، تحقق أعلى نسبة من التطور والإزدهار، في وجود أكثر من نصف اللبنانيين غرباء مستوطنين يقاسموننا الأرض والوطنية والسلطة والعمل والخبز، وصولاً الى أسرَّةِ غرف النوم.

وأمَّا الخير العام فهو في أعلى مستواه ازدهاراً، حيث بات عمر النفايات من عمر قانون الإنتخابات، وسلسلة الرتب والرواتب، وقانون الموازنة، والأمن الفالت، وصراع قراصنة البحر على بواخر الكهرباء، وإذا كلُّ ما عندنا روائح كريهة وبحرٌ ملوَّث بالقرصنة والصفقات والفساد وألف قصة وقصة من ألف ليلة وليلة ترويها شهرزاد لشهريار.

فخامة الرئيس.

ما رأيك لو تعقد الرهان على المجلّين من أهل النُخَبِ والإختصاصات والمؤهلات والكفايات ولبنان غنيّ بهم لتحقيق الإصلاح المنشود، والذي لن يتحقق على يد الذين تشاوروا في القصر والذين ينطبق عليهم قول المتنبي:

منكَ الخِصامُ وأنتَ الخصمُ والحكَمُ.

وبلسان المتنبي أيضاً نقول لك:

أُعيذُها نظراتٍ منكَ صادقةً
أنْ تحسبَ الشحمَ فيمَنْ شحمُهُ ورَمُ.