تناول شيراز ماهر، محرر في مجلة نيوستيتمان، وزميل بارز لدى المركز الدولي لدراسة التطرف التابع لكينغز كوليدج في لندن عن مجموعة من الخلايا الإرهاببة الصغيرة التي نفذت هجمات في بريطانيا ودول غربية أخرى، معتبراً أن لكتابات زعيم جهادي أثراً في تشكيلها.

ويلفت الباحث لكون أحد المهاجمين الثلاثة الذين نفذوا الهجوم الإرهابي الأخير عند جسر لندن وفي سوق بورو القريب وأدى لمقتل سبعة أشخاص، مع جرح عدد آخر، حالات بعضهم حرجة، هو خورام بات ذا سجل قديم في التطرف داخل بريطانيا. فقد كان الرجل عضواً في إحدى الشبكات الإسلامية التي برزت خلال التسعينيات، ثم تكاثرت بعد هجمات القاعدة في 11 أيلول 2001. ورغم أن معظم المتشددين الذين أسسوا تلك التنظيمات، كعمر بكري محمد، لم يعودوا موجودين في بريطانيا، إلا أن تركتهم باقية.

طرد وسجن

ويقول ماهر إن بكري أسس في عام 1996 حركة المهاجرين المتشددة والمحظورة حالياً، بعدما دعت لإعادة إنشاء خلافة. وبعد طرد بكري من المملكة المتحدة في عام 2005( وهو سجين حالياُ في لبنان)، خلفه في زعامة الحركة آنجم شودري، المعروف كجهادي بريطاني. ومنذ بدايتها، تبنت حركة المهاجرين خطاً متشددأ، وأعلنت دعمها لأسامة بن لادن والقاعدة بعد هجمات 11/9. وقد دين العشرات من أعضاء الحركة لارتكابهم جرائم إرهابية، وحكم على شودري بالسجن لخمس سنوات ونصف في عام 2016 بسبب دعمه لداعش.

هدف الإرهابيين

ويتوقع الباحث ألا يكون بات الإرهابي البريطاني الأخير ينفذ عملاً إرهابياً داخل بلده. ولربما يتسم هجوم جسر لندن بالفوضوية، وكأنه من أعمال الهواة، ولكن هذا بالضبط ما يهدف إليه الجهاديون.

عمى بصيرة

ويشير ماهر لتنفيذ القاعدة هجمات أيلول 2001 من خلال رؤية ضيقة وعمى بصيرة دون مراعاة لما قد يأتي بعدها. فقد رأى التنظيم أن الولايات المتحدة ستجبر على الرد على الهجوم، كما فعل بيل كلينتون عام 1998 بعدما فجرت تنظيمات تابعة لأسامة بن لادن سفارتي أمريكا في تنزانيا وكينيا، إ ذ شنت إدارة كلينتون سلسلة من الضربات الصاروخية الانتقامية ضد مواقع على صلة ببن لادن في السودان وأفغانستان. ولكن الرد كان صامتاً.

رغم ذلك، تعلم القاعدة درساً هاماً، فقد جاء الرد الأمريكي صاعقاً في أفغانستان، فأطاح حكم طالبان وخاف القاعدة على مستقبله، وبدأ نقاش حاد بين فريقين ومدرستين فكريتين إلى أن ظهر داعش.

لا مركزية

وبحسب ماهر، من الذين شاركوا في ذلك النقاش كان أبو مصعب السوري( اسم مستعار لمصطفى ناصر) الذي دعا لأن تشكل الخلايا الجهادية خلايا أصغر وأكثر استقلالية في قرارها، تكون قادرة على شن حرب عصابات محدودة تقلق السكان، كتفجيرات مدريد أو هجمات 7/7 في لندن عام 2005. وهكذا أشار مصطفى ناصر إلى وجوب مواصلة ذلك النوع من الضربات ذات المستويات المنخفضة، والتي عانت منها بريطانيا مؤخراً.

تفضيل

ويلفت الباحث إلى تفضيل القيادة المركزية للقاعدة عقيدة مصطفى ناصر، على افتراض أنها رؤية مفهومة وتوضح كيفية مواصلة الحركة الجهادية عملها.

وتبنى القاعدة في اليمن (آكاب) تلك الرؤية بقيادة زعيمها أبو أنور العولقي( قتل بأثر ضربة درون أميركية) الذي دعا لشن هجمات في الغرب عبر تقديم إرشادات نشرت في مجلة التنظيم" انسباير"، والتي صدرت قبل أن يصدر داعش مجلته" دابق"، ومن ثم مجلته "رومية". وفي تلك المجلة، نشر داعش صوراً لشاحنات، واصفاً استخدامها بأنه "لزرع الرعب"، وناصحاً أتباعه بحيازة شاحنة "كبيرة الحجم وثقيلة". ومن بين المناطق التي نصح باقتحامها بواسطة شاحنات "شوارع مكتظة وأسواق مفتوحة، ومناطق تقام فيها احتفالات عامة".

رسائل ترهيب

ويرى ماهر أن كل ذلك لم يأت من فراغ. فقد أتاح، وعلى مدار سنوات طويلة، لإرهابيين من أمثال عمر بكري محمد، وآنجم شودري وأبو حمزة وسواهم لإلقاء مواعظهم في شوارع ومساجد بريطانيا. وقد نشروا رسالة تفرقة وترهيب، وطالبوا المسلمين الشباب بعدم التعريف بأنفسهم كبريطانيين.

ولكن الباحث يؤكد من جديد أنه مع قرب إكمال السيطرة على الموصل في العراق، ومع قرب تطويق الرقة، عاصمة داعش في سوريا، سيسقط داعش، وهي مرحلة حساسة ستنتهي حتمياً بهزيمة التنظيم وأمثاله عبر تعزيز الأمن والأمان على أنقاضهم.

 

 

(24)