كخلية نحل كانت السرايا الحكومية. سلسلة الاجتماعات المتقطعة والمستمرّة، دفعت الرئيس سعد الحريري إلى إلغاء مواعيده، والاستمرار في متابعة كل تفاصيل القانون الانتخابي، ومواكبة الاجتماعات التي بدأت من الساعة الواحدة ظهراً. ترأس الحريري اجتماعاً للجنة الخماسية التي ضمت إليه، الوزير جبران باسيل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، الوزير علي حسن خليل، والنائب جورج عدوان. كان الاجتماع يناقش تفاصيل التفاصيل، وفيما بعد بدأ استدعاء الوزراء والمعاونين، فحضر الوزيران غطاس خوري ويوسف فنيانوس، والنواب أحمد فتفت ووائل أبو فاعور وآلان عون ونادر الحريري. يدخل بعض هؤلاء إلى حيث اجتماع اللجنة الخماسية، يطلعون على بعض التفاصيل وأين أصبح المشاورات، ويخرجون. وبعد حصول تقدم في النقاش، كان لا بد من عقد اجتماع ثان للنواب، لبحث بعض التفاصيل والصياغات بهدف مساعدة اللجنة الخماسية، وعليه استدعي ممثلين لوزارة الداخلية، هما العميد الياس خوري والدكتور خليل جبارة، للمشاركة في الجوانب التقنية واللوجستية لصياغة القانون.

ليل الإثنين الثلاثاء، عقدت اللجنة الخماسية اجتماعاً استمر حتى الثالثة فجراً، لم يخرج هذا الاجتماع بأي جديد، إذا بقي خلاله الوزير باسيل متمسكاً بمسألة الصوت التفضيلي على القضاء، وبتخصيص ستة مقاعد للمغتربين. انتهى الاجتماع على هذا الأساس، واتفق على عقد اجتماع ثان خلال 24 ساعة. ثمّة من التقط الإشارة التي يريد باسيل إيصالها، ومفادها أنه يتمسّك بتمثيل المغتربين، لأجل تحصيل مكسب آخر، هو جعل الصوت التفضيلي في القضاء.

صباح الثلاثاء، تحرّك حزب الله بثقله، عبر نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي أبلغ الجميع مجدداً بأن الفراغ في المجلس النيابي ممنوع، ولا بد من التوافق وإقرار القانون لأنه لا مجال للتراجع. وهنا، ثمّة من ألمح لباسيل بالاستعداد للقبول باعتماد الصوت التفضيلي على أساس القضاء. الأمر الذي سيريحه كثيراً في الدائرة الانتخابية التي سيترشح فيها. لكن، مقابل التنازل عن مسألة تمثيل المغتربين وتسهيل ولادة القانون، أبدى باسيل إيجابية، وحدد على هذا الأساس الاجتماع.

في هذه الأثناء، صرّح الرئيس نبيه برّي رداً على سؤال عن مصير القانون بالقول: "أدعوا. لم يعد ينفع إلا الدعاء". وتشير مصادر متابعة لـ"المدن" إلى أن بري كان يقصد باسيل بالدعاء وكأنه يقول: "ادعوا كي يثبّت الله رأي باسيل الإيجابي ويولد القانون، لا أن يغيّر رأيه ككل المرّات السابقة". وهذه إشارة إلى الحذر الذي كان الجميع يتعاطى فيه مع مسألة الإتفاق.

خلال المباحثات، جدد باسيل طروحاته وتمسّكه بها، لكنه قال إن عدم الإتفاق عليها الآن لن يؤخر ولادة القانون، إنما النضال سيستمر لأجل تحقيقها فيما بعد. هنا، بدأ الجميع يشعر بالارتياح، باعتبار أن باسيل سيوافق على القانون، بعد تحقيق مكتسبات، أولها ما أعلنه بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، بأن الإتفاق هو إطار سياسي عام، لا يقتصر على قانون الانتخاب، بل يجب أن يطبق في المؤسسات الدستورية.

طالت الجلسة، لكن التوافق على القانون تأكد. وعليه حدّد الحريري موعداً للجنة الوزارية المشكّلة لإنجاز قانون الانتخاب، واستكملت هذه اللجنة نقاش بعض الأمور التفصيلية التي بقيت عالقة في اجتماع اللجنة الخماسية، لكنها لم تكن تؤدي إلى عرقلة ولادة القانون. وتكشف مصادر عن حصول إشتباك كلامي بين باسيل وفنيانوس، لدى نقاش مسألة اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء، ومسألة إجبار رؤساء البلديات على تقديم إستقالاتهم قبل سنتين من الترشح للانتخابات. وحاول الحريري التدخّل أكثر من مرّة لتهدئة الأجواء، وكان يكرر أنه يجب إقرار القانون، وأن اعتماد النسبية إنجاز بالنسبة إلى لبنان، وستقدمه الحكومة للبنانيين.

وإثر احتدام النقاش بشأن آلية احتساب الأصوات التفضيلية في الدوائر، لم يجد الحريري سبيلاً لفض الاشتباك، إلا باستدعاء النائب جورج عدوان. إذ قال إن جورج سهر وتعب لأجل التوصل لإقرار القانون، وهو ملم بكل تفاصيله، وهو سيشرح لنا ذلك. وعليه استدعى الحريري عدوان للمشاركة في جلسة اللجنة الوزارية، حيث قدّم شرحاً تفصيلياً، لعملية احتساب الأصوات على أساس القضاء.