عندما وجّهت الدعوة السبت الماضي الى جلسة لمجلس الوزراء غداً، إعتقد كثيرون انّ قانون الإنتخاب بات جاهزاً.
 

لكن ما تسرّب من لقاء بعبدا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة امس الاول أظهَر العكس. فقد عرضا للعقبات واتفقا على بذل الجهود لتذليلها، وهو ما أضاف شكوكاً عزّزها الحديث عمّا يعوق الوصول الى الصيغة النهائية للقانون. فهل يمكن البَت به ناقصاً؟يتبادل بعض القياديين في الكواليس السياسية أطراف الحديث عن مغامرات يقودها البعض في الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية ولاية مجلس النواب، على رغم تحديد محطتين دستوريتين إجباريتين لا بدّ منهما:

الأولى، تتصل بتحديد يوم غد موعداً لجلسة مجلس الوزراء تقدم جدول اعمالها في اولى بنوده «مشروع قانون الإنتخابات النيابية» قبل التوصّل اليه بالصيغة النهائية.

الثانية، تحديد الجمعة المقبل موعداً للجلسة النيابية التشريعية لإقرار قانون الانتخاب بنحو كامل الأوصاف.

وبمقدار ما أوحى به تحديد هذين الموعدين - وهما على مقربة ايام قليلة من نهاية ولاية المجلس النيابي ليل الإثنين ـ الثلثاء المقبل - من ارتياح لجهة الاعتقاد انّ القانون الجديد للانتخاب والذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة سيُبصر النور بعد مخاض عسير.

فإنّ هناك من يخشى إمكان تجاوز الموعدين من دون صدور القانون على رغم التفاهم السياسي الذي قيل إنه يظلّله منذ اللقاء الرئاسي الثلاثي على هامش الإفطار الرمضاني الجامع الذي شهده قصر بعبدا في 1 حزيران الجاري.

وعلى وقع هذا الشعور المتناقض، حيال احتمال التوصّل الى القانون العتيد او عدمه، فلكل من اصحاب النظريتين ما يبرّر نظريته ويحضّه على الدفاع عنها بثقة مفرطة.

فأصحاب النظرية الأولى يحصون الساعات، لا الأيام القليلة الفاصلة عن الإستحقاقات الحكومية والنيابية فالتشريعية والدستورية. ويعتقدون انّ هذه المهل القاتلة لا يمكن تجاوزها بخطوات او دعسات ناقصة.

ويستندون الى المعطيات الآتية:

• إنّ النقاط التي ما زالت عالقة لا تخرج عن لائحة القضايا الثانوية التي يمكن تذليلها في وقت قريب، ولا يستطيع احد أن يصل الى نهاية ولاية المجلس من دون القانون العتيد. وذلك منعاً من وقوع الشغور النيابي وما قد يستتبعه من شلل حكومي قد يطاول معظم المؤسسات السياسية والدستورية الى حين إجراء الإنتخابات النيابية الملزمة في مهلة التسعين يوماً المقبلة وفق القانون الساري المفعول 25/ 2008، على رغم التباهي بتجاوزه و»دفنه بعد دعسه».

• لا بد من ان يتحمّل الجميع مسؤولياتهم تجاه هذه الخطوة، ولا بد من تنازلات متبادلة تؤدي الى ولادة القانون الجديد، ولو بعملية قيصرية أيّاً كانت كلفتها. فليس هناك من يمكنه تحمّل الوصول الى ما هو متوقّع من شعور وشَلل.

• انّ التوافق السياسي الذي تمّ التوصّل اليه بداية الشهر الجاري في قصر بعبدا سيؤدي الى تذليل العقبات التي حالت دون الإنتهاء من النقاش حول بعض البنود العالقة التي أعاقت ولادة الصياغة النهائية للقانون الجديد.

امّا اصحاب النظرية الثانية فلديهم ما يكفي من المؤشرات التي تعطّل كثيراً مما يستند اليه أصحاب الأولى. ولذلك فهم يعبّرون عن قلقهم وفق المعطيات الآتية:

• انّ النقاط العالقة لا يمكن اعتبارها ثانوية ويمكن تذليلها في الساعات الفاصلة عن جلسة مجلس الوزراء بعدما ساد الاعتقاد أنها طويت منذ اسابيع سبقت الإفطار الرئاسي في بعبدا قبل ان يتمّ إحياؤها مجدداً.

• انّ الخلاف الذي ما زال قائماً الى اليوم حول اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء او على اساس الدائرة الكبرى ليس تفصيلاً. لأنه وعلى اساس ما يتم اعتماده ستُحتَسب النتائج النهائية لفوز هذه اللائحة او تلك بحصتها النسبية من المقاعد النيابية. وهو امر يشكل مفتاح المعركة الإنتخابية، وكذلك يشكل بالنسبة الى البعض «قضية حياة او موت».

• لا يمكن الاستهانة بالنتائج المترتّبة على فشل المفاوضات الخاصة بنقل بعض المقاعد النيابية من دائرة الى أخرى، كذلك بالنسبة الى تحديد مقاعد المغتربين الستة وموعد اعتمادها. وانّ إعادة البحث فيها وتخصيصها من ضمن العدد القانوني للمجلس أي 128 نائباً او عدمه تشكّل نقطة أساسية بالنسبة الى البعض، ولو لم يكن ذلك صحيحاً لَما عاوَد إثارتها أخيراً على ابواب الإتفاق النهائي.

• يظهر انّ التوافق السياسي الذي جرى الحديث عنه عقب الإفطار الرئاسي قد فَقد بريقه مجدداً. ولو كان ذلك صحيحاً لما أعاد البعض المفاوضات الى نقطة الصفر في بعض البنود الأساسية، وهو ما عجزت عن إنهائه الإتصالات الجارية الى الأمس القريب.

وما بين هاتين النظريتين هناك من يعتقد انّ حظوظ الطرفين في المواجهة متكافئة، بوجود من هو مستعدّ للمضيّ في مطالبه غير التوافقية الى النهاية. والدليل انّ التهديد المتكرر والمتبادل بين طرفي النزاع ما زال قائماً.

فأحدهما بادَر الى التهديد بالتصويت في مجلس الوزراء غداً، ورَدّ الفريق الآخر باللغة والآلية عينها في مجلس النواب بالتصويت يوم الجمعة في ظل فقدان القدرة على التمديد بفِعل «ضوابط مرسوم فتح الدورة الإستثنائية»، وهو أمر لا يَتنكّر له العارفون بكثير من التفاصيل.

وعلى هذه القاعدة هناك من يستنتج انّ المعركة لن تنتهي قبل التوصّل الى قانون لا يمكن أحدٌ ان يتبنّاه، وهو ما يتوقعه كثيرون. فإلى تفريغ النسبية ممّا يميّزها عن النظام الأكثري، هناك من يسعى الى قانون يَفتقد الى اسم معيّن بعد إسقاط المشاريع التي حملت أسماء أصحابها.

فالجميع رافقوا النزاع على اعتبار القانون الأساسي الذي انطلق منه البحث أخيراً هو قانون «مروان شربل» او «نجيب ميقاتي». ولا يَتنكّر أحد انه طرح بعد إسقاط سلسلة مشاريع «جبران باسيل». وان ما يجري اليوم أدى عملياً الى إسقاط اسم «جورج عدوان» عنه، ليأتي القانون المتوافق عليه جامعاً افكاراً وبنوداً من كل المشاريع على حد سواء، ولا يحمل اي إسم او صفة.

والأخطر ان يولد قانون «مسخ ويتيم» بلا أب ولا أم ولا هوية، ولا من يدافع عنه وهو ما هو متوقّع على الأرجح عندما سيُقال «ليس في الإمكان أفضل ممّا كان».