قبل إعلان التوافق على قانون الانتخاب في بعبدا، استدعى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الوزير جبران باسيل لإبلاغه بجملة أمور وضوابط. ما قاله نصرالله لوزير الخارجية هو أن "الفراغ في مجلس النواب ممنوع، وخط أحمر، وإقرار قانون انتخابي جديد هو أمر ثابت وواجب، وضرورة صرف التيار الوطني الحر نظره عن الصياغات الطائفية والمذهبية لقانون الانتخاب، ووجوب توقيع مرسوم فتح الدورة الإستثنائية بأسرع وقت". كان اللقاء عرضاً لخريطة طريق أمام باسيل، ووضع دفتر الشروط الذي يجب الإلتزام به، مقابل تأكيد حزب الله إستمرار الدعم والتعاون مع باسيل كما يجري الأمر منذ أكثر من عشر سنوات. أعلن الإتفاق، فيما في الغوص بالتفاصيل، لا يزال باسيل يحاول رسم الخطوط كما يريد، ويستند مجدداً إلى تصعيد النبرة الطائفية.

خلال زيارته بكركي، طرح باسيل على البطريرك بشارة الراعي، تثبيت المناصفة بمجلس النواب ومجلس الشيوخ، في الدستور عبر نص واضح لا يخضع لأي تعديل. ما يعني تعديل إتفاق الطائف. وهذا ما يرفضه أكثر من طرف. فكان رد الراعي دعوة إلى عدم تكبير الحجر كي لا يقع على رؤوس الجميع، ويكفي الآن الوصول إلى قانون الانتخاب. فالوقت ليس لتعديل الدستور والطائف. وأكد الراعي أنه ممنوع أي خلاف مع المسلمين في لبنان. وكان معارضاً لطروحات باسيل بنقل النواب، معتبراً أن هذا أمر محظور، لأنه يكرس عزلة المسيحيين. وطالب أكثر من ذلك، بأنه من الواجب نقل مقعد مسيحي من جبل لبنان إلى مسيحيي الأطراف في قضاء حاصبيا مرجعيون لتمثيل المسيحيين هناك. وهذا الضغط على باسيل، استكمل في لقاء الأمس في بيت الوسط، إذ تركزت المساعي على إقناع باسيل بالسير بهذا القانون، لأن العهد لا يحتمل أي فشل أو عرقلة.

يريد باسيل تكريس نفسه زعيماً مسيحياً، ويريد القول إلى المسيحيين أنه استطاع تكريس المناصفة دستورياً أبدياً، وليس مرحلياً كما فعل الطائف، لأنه يعتبر أنه في أي مرحلة مستقبلية، قد يخرج المسلمون ليعلنوا أنهم يريدون العودة إلى العد. بالتالي، هو جنّب المسيحيين كل الخيارات المرّة. في قراءة كنسية لتصرفات باسيل، أنه ينطلق من مبدأ التطرف ليستقطب الجمهور والأصوات. وهو يرتكز على التحريض لتحصيل المكاسب. الأمر الذي ترفضه الكنيسة ومختلف الأفرقاء المسيحيين الآخرين. ووجهت نصائح إلى باسيل، بأن هذا الخطاب، سيؤدي إلى أزمة في البلد، إذا ما تصاعد الخطاب الطائفي لدى المسلمين، وإذا ما لجأوا إلى المطالبة بالعودة إلى منطق العد، وحينها قد يطرح بعضهم اعتماد مشروع القانون الأرثوذكسي وفق مبدأ العدد، ولن يحصل المسيحيون على المناصفة، إنما سيحصلون على الثلث أو أقل بقليل. لذلك، يجب الابتعاد عن هذه الطروحات.

يحاول باسيل، من خلال طروحاته بشأن القانون الجديد، تكريس الأرثوذكسي في قانون الستين، بغلاف الخمس عشرة دائرة. بالتالي، هو يريد ثلاثة قوانين بقانون واحد، لأن مصلحته تقتضي أن يكرس نفسه المسيحي الأقوى. وثمة من يتهم باسيل بأن هاجسه الأساسي هو الانتخابات في منطقة البترون. وتشير الأرقام إلى أن القوات هي الطرف الأقوى، والقادر على تجيير نحو 30 ألف صوت، يليه النائب سليمان فرنجية، الذي يجير نحو 17 ألف صوت، فيما التيار الوطني الحر نحو 15 ألف صوت. لذلك، يقاتل جبران لأجل تحقيق الصوت التفضيلي في القضاء وليس في الدائرة، لأنه يؤمن فوزه في القانون المطروح. واعتماد الصوت التفضيلي على الدائرة، يهدد وجود باسيل انتخابياً في تلك المنطقة. وثمة من يتحدث عن خلاف مسيحي في الكواليس في تلك الدائرة، فتعتبر القوات أن حجم التيار هو نائب واحد في تلك الدائرة، فيما باسيل يطالب بالحصول على نائبين حداً أدنى. وإذا استمر الخلاف بينهما، ستصّعب المعركة على باسيل، خصوصاً في ظل التحالف بين النائب بطرس حرب وحزب الكتائب وتيار المردة. إذ إن تحالف القوات والتيار وفريد مكاري وميشال معوض، لن يجير الأصوات التفضيلية إلى باسيل، إنما سيحفظ كل فريق صوته التفضيلي لمرشّحه.

الحالة الوحيدة التي قد تدفع باسيل إلى القبول بالصوت التفضيلي على الدائرة، هو حصوله على تعهد من تيار المستقبل الذي لديه قدرة تجييرية بنحو 10 آلاف صوت، بأن يمنح هذه الأصوات لباسيل. بالتالي، يرتاح باسيل إذ ينطلق من 25 ألف صوت. لكن هذه ستخلق إشكالاً بين القوات وتيار المستقبل، خصوصاً أن المستقبل يعتبر أنه لن يحصل على أي مكسب من القوات، بينما يحصل على مكاسب في دوائر أخرى من التيار الوطني الحرّ، سواء أكان في بيروت أم في صيدا أو عكار. لكن الشكوك الأبرز تتركز في أن السنّة في تلك الدائرة، رغم أنهم يقترعون لتيار المستقبل، إلا أنهم يرفضون التصويت لباسيل. وهذه أيضاً معضلة مستقبلية.

لكن، لا شك أن لدى المستقبل إعتبارات أخرى تفرض عليه، الإصرار على أن يكون الصوت التفضيلي على القضاء، لأنه يهتم بأصوات السنة في أكثر من منطقة، مثل العرقوب، وبعلبك الهرمل، والبقاع الغربي. هذه الاعتبارات ستفرض التحالف الحتمي بين المستقبل والتيار الوطني الحر، وأي تحالف بينهما، سينعكس سلباً على القوات في مكان ما، لكنها ستعوض في مناطق أخرى، وهي المناطق المسيحية الصرفة، خصوصاً في كسروان والمتن. بالتالي، فإن المعركة الأساسية ستكون مسيحية مسيحية.