حصلت النسخة الأميركية لهافغتون بوست على رسائل جديدة خاصة بالبريد الإلكتروني لسفير بارز ومسؤولين في الإدارة الأميركية، من مصدر لم يُفصح عن اسمه، كان قد سرّب قبل أيام رسائل أخرى مماثلة، وذلك قبل ساعات من اندلاع أزمة جديدة في الشرق الأوسط بإعلان 3 دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.

وتحتوي التسريبات الجديدة على رسائل بين سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، وأعضاء بارزين في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بالإضافة إلى شخصياتٍ تابعة للمجلس الأطلسي (المركز البحثي ذو النفوذ القوي بالعاصمة الأميركية واشنطن والذي يتلقى تمويلاً من الإمارات) والمحامي إليوت أبرامز، وهو مسؤول بارز سابق في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ويتمتع بشعبيةٍ وسط بعض مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.

وفي وقتٍ متأخر الأحد، 5 حزيران، أعلنت الدولة التي ينتمي إليها العتيبة، الإمارات، وثلاث دول أخرى صديقة للولايات المتحدة –هي المملكة العربية السعودية، ومصر، والبحرين– أنَّها قطعت العلاقات مع جارتها قطر، الدولة الثرية التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة. وتُظهِر تسريبات البريد الإلكتروني التي بدأت في عُطلة نهاية الأسبوع أنَّ السفير العتيبة وآخرين ينتقدون قطر سراً. وجاء التغيُّر الدرامي في العلاقات الدبلوماسية بعد تسريبٍ لرسائل أظهرت العتيبة يتواصل مع وزير الدفاع السابق، بوب غيتس، ومسؤولين بارزين في إدارتي بوش وأوباما، عن احتقاره لقطر، ورغبته في إغلاق القاعدة العسكرية الأميركية هناك، وتأييده الانتقاد العلني لها.

وتُظهِر التسريبات أيضاً مستوى التوتر بين شركاء الولايات المتحدة رغم زيارة الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط مؤخراً، ونطاق الحملة التي تستهدف واحداً من أهم الدبلوماسيين في الولايات المتحدة.

وفي إحدى الرسائل التي أُرفقت مع التسريب الأخير، زعم المصدر أن الهدف من رسائل البريد الإلكتروني كان فضح كيفية اختطاف الأثرياء الأجانب للسياسة الخارجية الأميركية لتخدم مصالحهم وتضر الأميركيين. وكان المصدر قد نفى سابقاً أية علاقةٍ بقطر. وتحققت النسخة الأميركية لهافغتون بوست من صحة ست من رسائل البريد الإلكتروني المُسربة.

وفي يوم 10 شباط عام 2015، أرسل العتيبة إلى أبرامز بريداً إلكترونياً يحتوي على رابط مشاركة للمجلس الأطلسي، يزعم فيها أن قطر تتدخل في الشأن المصري لدعم جماعة الإخوان المسلمين وتقويض حكومة البلاد التي يقودها عبد الفتاح السيسي، الجنرال السابق المُقرب من الإمارات.

ورد أبرامز -مدير البيت الأبيض الأسبق لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمليات الدولية- على العتيبة قائلاً: "لم أر ذلك، إنَّه مثيرٌ للاهتمام. من السيئ أن القوات المسلحة القطرية لا تستطيع، حسناً.. يجب ألا أقول مثل هذه الأشياء، هذا قد يكون غير ديمقراطي". وفي اتصالٍ، رفض أبرامز الإفصاح عن الإجراء الذي كان يأمل أن يتخذه الجيش القطري. وفي عام 2013، أطاح الجيش المصري بأول حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد، والتي سيطر عليها الإخوان المسلمون.

وفي رسالة بريد إلكتروني، أرسلها الأحد، قال أبرامز أنه يرتبط بصداقةٍ مع العتيبة منذ عدة سنوات، وأنهم يتواصلون عبر البريد الإلكتروني كثيراً. وكتب أبرامز قائلاً: "كانت السياسة الخارجية القطرية هي موضوع العديد من هذه الرسائل، ولكن بعد 15 عاماً لم نر تغييراً كبيراً".

ثاني تبادل للرسائل

وتظهر ملحوظة بارزة من العتيبة في ثاني تبادل مؤكد للرسائل في تموز 2015؛ إذ أرسل المحلل بالمجلس الأطلسي، بلال صعب، رسالةً للسفير يرشح له من خلالها فيلماً وثائقياً حول المشاكل القانونية التي يعاني منها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، والذي منح حق استضافة أهم بطولاته -كأس العالم- عام 2022 لقطر. ورد العتيبة قائلاً: "الفيفا وقطر معاً هما رمز الفساد".

ثالث تبادل للرسائل

ويوضح تبادل ثالث للرسائل في آب 2014 أن بلال صعب أرسل إلى العتيبة رابط مقالةٍ افتتاحية عن توتر العلاقة بين قطر وجيرانها بعنوان: "الأمور تزداد سوءاً..".

وقال صعب أمس الأحد أنه يرتبط بعلاقاتٍ مع مسؤولين في كل من قطر والإمارات، وأنه كان منزعجاً من محاولات إثارة شكوك الرأي العام في الولايات المتحدة تجاه قطر، بما فيها مؤتمر روَّج له العتيبة مؤخراً. وقال صعب: "أتفهم تصوره (أي العتيبة)، وأعلم تماماً أنه شخص يريد حماية مصالح بلاده".

الرسالة الرابعة

أما رابع تبادل مؤكد للرسائل فكان بين، جيسيكا عشوش، الباحثة في المجلس الأطلسي والموظفة السابقة بالإمارات، ومسؤولين داخل الحكومة الإماراتية للمساعدة في ترتيب مقابلاتٍ صحافية من أجل تقريرٍ أعدته جيسيكا مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت، ومستشار الأمن القومي السابق، ستيفن هادلي. وقالت جيسيكا، التي تشغل منصب مدير السياسة العامة في موقع ريديت، أمس الأحد إن التراسل كان معنياً بالعمل الذي كان علنياً تماماً ويهدف إلى مساعدة السياسة الخارجية الأميركية.

الرسالتان الخامسة والسادسة

ويتعلَّق التبادلان الخامس والسادس من الرسائل -التي تحقَّقت هافغتون بوست من صحتها- بالتساؤلات المثيرة للخلاف عن الحكومات الأجنبية التي تمول الأبحاث السياسية في الولايات المتحدة. وتُظهِر التسريبات أن رئيس المجلس الأطلسي، فريد كيمبي، كان يُراسل العتيبة للنقاش بشأن الأموال المدفوعة من الحكومة الإماراتية وطلب المساعدة في توفير رعاية لأحد مؤتمرات المجلس.

وأرسل كيمبي رسالةً عبر البريد الإلكتروني أمس الأحد إلى هافغتون بوست، قال فيه: "أُدرجت كل تمويلاتنا من الإمارات في تقريرنا السنوي وقائمة الجهات المانحة، وفُحصت بواسطة لجنة الترشيحات والحوكمة لدينا لتتفق مع المعايير الخاصة بنا". ولم يستجب العتيبة وشخصان آخران ذُكر أسماهما في المراسلات المتبادلة سريعاً لطلبات التعليق على التسريبات. وفي وقتٍ مبكر من الأسبوع الجاري، تحقَّقت هاف بوست من صحة المراسلات الثماني الأهم في التسريب الأخير. وفي الرسالة التي تلقتها هافغتون بوست أمس الأحد، شدد المصدر على أنه لا يعادي الإمارات أو قطر شخصياً.

ودخلت قطر والإمارات في خلافٍ حادٍ وصريحٍ لأكثر من أسبوعين حتى الآن. وفي المراسلات السابقة مع هافغتون بوست، زعم المصدر أنه يدعم الرئيس دونالد ترامب بسبب تصريحاته المتكررة عن أن إدارته ستصب تركيزها على تحقيق مصالح المواطنين الأميركيين قبل كل شيء".

وقال المصدر في رسالة أمس الأحد: "ستوضح مجموعة الرسائل المسربة لكم كيف لعبت الإمارات دورين أحدهما مؤيد والآخر معارض لترامب بناءً على الموقف وهو ما يُظهِر شخصيةً مزدوجة. ربما كانوا قادرين على التلاعب بإعلامنا في الماضي، ولكن صحافيينا سيكشفون الحقيقة عندما يدركون الضغوطات التي تمارسها الدول الخليجية والإفريقية بالولايات المتحدة من أجل مصالحهم وليس من أجل مصلحة الأميركيين".

واستخدم المصدر لفظَي "نحن" و"أنا" بصورة متبادلة في الرسائل. ولم يتمكَّن هافغتون بوست بعد من التأكد ما إذا كانت التسريبات تأتي من فردٍ أم مجموعة.

وبسؤاله في رسالة بريد إلكتروني يوم الجمعة الماضي الموافق 2 حزيران عما إذا كانوا مواطنين أميركيين، أجاب المصدر قائلاً: "أفضِّل ألا أجيب على هذا السؤال".

وفي يوم الإثنين، أكَّدَ السفير الأميركي في قطر، الذي ينتقد جهود العتيبة، على دعم واشنطن العلاقة بينهما، وقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون إن إدارة ترامب ربما تضطلع بدورِ الوسيطِ في النزاع.

 

 

(هافغتون بوست)