تعيش الساحة اللبنانية في هذه الأيام حالة من الفوضى السياسية والدستورية، بحيث لم يعد المواطنون اللبنانيون يدركون الى أين تتجه الأوضاع في المرحلة المقبلة.
فبعد انتشار أجواء من التفاؤل بإقرار قانون انتخابات جديد على أساس النسبية وتوزيع الدوائر إلى 15 دائرة، عادت الأجواء إلى المنحى السلبي بسبب الخلاف حول نقل بعض مقاعد النواب المسيحيين من دوائر معينة إلى دوائر أخرى، وعدم مسارعة رئيسي الجمهورية والحكومة إلى فتح دورة استثنائية بعد نهاية الدورة الحالية للمجلس النيابي، كل ذلك دفع رئيس المجلس النيابي إلى تحديد موعد جديد للجلسة التشريعية المؤجلة إلى 5 حزيران، وهذا الموعد خارج الفترة العادية للمجلس وبعد انتهاء دورته الحالية، وقد استند بري إلى أسباب دستورية في هذا القرار، واعترض على نقل مقاعد النواب المسيحيين الذي يطالب به التيار الوطني الحر، كل ذلك أعاد الأوضاع السياسية الى المرحلة الصفر، ما يعني إمكانية الذهاب الى الفراغ أو العودة لقانون الستين، مع احتمال الاتفاق على قانون جديد في الوقت القاتل.
وبانتظار تبلور صورة الأوضاع الانتخابية، وبغض النظر حول أي قانون انتخابي سيتم اعتماده، (النسبية أو الستين)، وفي ظل الخوف من تأزم الأوضاع مجدداً، إلى أين تتجه التحالفات السياسية والانتخابية في المرحلة المقبلة؟ وكيف ستكون خريطة القوى السياسية، سواء باعتماد قانون النسبية أو العودة إلى قانون الستين؟
واقع التحالفات السياسية اليوم
بداية، ما هي طبيعة التحالفات السياسية اليوم في ظل المتغيرات التي شهدها لبنان منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري والتحالف المستجد بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية؟
المراقب للواقع السياسي اللبناني اليوم يخلص إلى أنه لا ثوابت في التحالفات السياسية والحزبية القائمة اليوم، فالقوى التي كانت منضمة إلى تحالف «قوى 14 آذار» لم تعد متحالفة في ما بينها، وكل فريق ينسج علاقات ثنائية مع فريق آخر إما من داخل «قوى 14 آذار» أو «تحالف قوى 8 آذار»، فتيار المستقبل يقيم علاقة قوية مع حزب الله ويتعاون معه في إدارة شؤون البلاد رغم الخلافات السياسية في العديد من الملفات الخارجية.
وأما القوات اللبنانية، التي عقدت تحالفاً جديداً مع التيار الوطني الحر، فإنها لم تحدد حتى الآن طبيعة تحالفاتها الجديدة، وتشوب العلاقة بينها وبين التيار الوطني الحر وكذلك تيار المستقبل أجواء غير إيجابية، ومن غير الواضح إذا كان التحالف بين التيار العوني والقوات سيستمر انتخابياً وسياسياً.
من جهته، حزب الكتائب اللبنانية أصبح يغرِّد وحيداً في مواقفه السياسية وتحالفاته الحزبية، ويطمح الحزب إلى أن يشكل إطاراً سياسياً جديداً بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وشخصيات مستقلة، وهو يتولى في كثير من الأحيان جبهة المعارضة للحكومة الحالية.
وأما الحزب التقدمي الاشتراكي فقد أعلن رئيسه وليد جنبلاط، أن العلاقة الثابتة اليوم هي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورغم تحسن علاقة التقدمي مع حزب الله، فإنه لا يزال بينهما نقاط خلاف، وأما العلاقة مع «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» فهي تمر حالياً بأجواء من القلق والسلبية بانتظار وضوح قانون الانتخابات المقبلة.
وتحتفظ حركة أمل وحزب الله بالعلاقة الاستراتيجية والثابتة، رغم أن لكل منهما مروحة مختلفة من التحالفات والعلاقات السياسية مع بقية القوى الحزبية. ومع أن العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر لا تزال ثابتة في القضايا الاستراتيجية وبشأن المقاومة، فإنّ هناك تباينات عديدة بينهما في شأن قانون الانتخابات وكيفية مقاربة الوضع الداخلي.
وتغيب القوى الإسلامية على اختلاف تنوعاتها عن دائرة التحالفات السياسية والحزبية، وهي تحاول إعادة بلورة مواقفها الجديدة، ولا سيما بعد إطلاق «الجماعة الإسلامية» لوثيقتها السياسية وعودة «هيئة العلماء للمسلمين» للتحرك.
وأما الوزير السابق أشرف ريفي فهو يسعى إلى احتلال موقع جديد في الواقع السياسي والحزبي انطلاقاً من طرابلس، ووصولاً إلى مناطق جديدة، وهو يعمل لعقد تحالفات مناطقية. وبالنسبة إلى القوى الوطنية واليسارية فهي تتحرك بشكل منفرد ولكل حزب برنامجه ومواقفه ولا تجمعها جبهة واحدة حتى الآن.
الخريطة المقبلة للتحالفات
لكن كيف ستكون الخريطة المقبلة للتحالفات الحزبية والسياسية في حال إقرار قانون جديد للانتخابات على أساس النسبية أو العودة إلى قانون الستين؟
إن أي تحديد لخريطة التحالفات السياسية والحزبية المقبلة سيرتكز أساساً على طبيعة قانون الانتخابات التي ستجري على أساسه الانتخابات المقبلة، فإذا اعتُمد «قانون النسبية وفقاً للدوائر الـ15، فإن ذلك  سيؤدي إلى فرز جديد في الواقع السياسي والحزبي وطبيعة التحالفات السياسية، وقد نشهد ولادة قوى وتجمعات سياسية جديدة، إن على المستوى المناطقي أو على الصعيد الوطني، لأن اعتماد النسبية، ولو على أساس دوائر صغيرة أو متوسطة قد يعطي لبعض القوى الحزبية (كالقوى الإسلامية أو الأحزاب اليسارية أو مؤسسات المجتمع المدني) دوراً مؤثراً في خريطة التحالفات، كذلك سيمنع القوى والتيارات الكبيرة من احتكار المشهد السياسي بشكل كامل، وقد يدفع هذا القانون بعض القوى المتضررة من التحالفات القائمة اليوم إلى تجميع قدراتها وتشكيل لوائح جديدة.
وأما في حال العودة إلى «قانون الستين»، فحسب بعض الاحصائيات والدراسات التي أجريت، فإن القوى الحالية ستحافظ على قوتها الشعبية والنيابية بحدود معينة مع تغييرات وصراعات محدودة في بعض الدوائر (طرابلس، عكار، زحلة، البترون، البقاع الغربي، بيروت الأولى)، وستؤثر التحالفات السياسية والحزبية في نتائج الانتخابات.
وبانتظار تبلور صورة القانون الانتخابي المقبل، ووضوح صورة الوضع السياسي اللبناني في ظل استمرار التأزم بين القوى السياسية والحزبية، فإن ما يمكن تأكيده اليوم، أن خريطة الواقع السياسي اللبناني ستشهد متغيرات جديدة مهما حاولت القوى الحالية الإبقاء على الواقع اليوم، وأن ثقة الناس بالقوى الحالية لم تعد كما كانت سابقاً، ولعل ما جرى في الانتخابات البلدية الأخيرة من إشارات مهمة لتغيير الواقع السياسي والشعبي، قد يبرز بقوة أكثر في الانتخابات النيابية المقبلة بغض النظر عن أي قانون انتخابات سيعتمد.}