تتوقع أوبك تصاعدًا مستمرًا في أسعار النفط في العالم، إلا أن دراسة أميركية حديثة ومطولة تنبأت أن يتراجع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية إلى 25 دولارًا، بسبب صعود نجم السيارة الكهربائية، وانتشار الطاقة المتجددة.

صدر أخيرًا تقرير دراماتيكي أميركي عن مركز ريثنيك أكس للدراسات الفكرية يتنبأ بدخول العالم مرحلة جديدة من التقدم التكنولوجي السريع، خصوصًا في مجال السيارات ذاتية القيادة، ما سيؤدي إلى انهيار أسعار النفط إلى 25 دولارًا للبرميل، وسيحرم المنتجين النفطيين من السطوة السياسية والمالية المتوافرة لهم اليوم.

في خلال ثماني سنوات من الآن، بحسب التقرير، لن تجد سيارات أو حافلات أو شاحنات تعمل بالبنزين أو الديزل تُباع في أي مكان من العالم. فالسوق العالمية لوسائط النقل البرية ستتحول إلى الكهرباء، ما سيقود إلى انهيار أسعار النفط واضمحلال الصناعات النفطية كما نعرفها.

خوف؟ لا خوف!

هذه التنبؤات التي طرحتها جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا والبروفسور في الاقتصاد توني سيبا، الذي انتشر تقرير له بعنوان "إعادة التفكير في وسائط النقل خلال الفترة من 2020 – 2030"، سبّبت حالة من القلق والإرباك في الأوساط النفطية.

تقوم فرضية سيبا على أساس أن الناس سيقلعون عن قيادة السيارات التقليدية وينزحون إلى السيارات الكهربائية الذاتية. وبحسب تقديراته، ستكون هذه أرخص عشر مرات من السيارات التي تعمل بالبترول. لكن هناك من يرى أن هذه التوقعات لا تستند إلى حقائق مؤكدة بل افتراضات من محض الخيال والوهم.

تتمحور التنبؤات حول تبني الهند والصين للسيارات الكهربائية. فالصين تخطط لزيادة مبيعات السيارات الكهربائية والسيارات التي تستعمل خلايا الوقود 25 في المئة بحلول 2025، وتسعى الهند إلى تحقيق نسبة 100 في المئة في استعمال السيارات الكهربائية بحلول عام 2032.

وكما هو حال النظريات كلها، هناك من يجادل العكس. فعلى سبيل المثال، تشير دراسات اجرتها الشركات العملاقة "بريتيش بتروليوم" و"اكسون – موبيل" الأميركية إلى أن السيارات الكهربائية ستستحوذ على أقل من 10 في المئة من السوق العالمي بحلول عام 2035. لذا لا خوف على مستقبل النفط الخام لعقود عديدة قادمة.

هل من مستقبل؟

في سياق آخر، قامت شركة فورد الأميركية المصنعة للسيارات هذا الشهر بتنصيب جيمس هاكيت، رئيس قسم السيارات الذاتية، رئيسًا تنفيذيًا عامًا للشركة بأكملها. يضع البعض هذه الخطوة دليلًا على أن المستقبل للسيارات الكهربائية.

في المقابل رفع معهد بحوث تويوتا اليابانية المخصصات المالية من اجل الاستثمارات المتعلقة بالبحث والتطوير في مجال السيارات الذاتية، بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية وشركات أخرى.

كما تشير التقارير إلى أن الطلب على النفط الخام يمر في مرحلة ركود بسبب ضرائب الكربون التي تفرضها الحكومات لتشجيع الاقتصاد على استعمال النفط.

سيساهم النمو وازدياد شعبية السيارات الكهربائية في تقليل الطلب على النفط. والعنصر الأهم هو الاهتمام العالمي الزائد، حتى في دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط، بالطاقة البديلة الجديدة النظيفة والمستدامة.

في ظل هذه المعطيات التي ستحظى باهتمام عالمي متزايد بحلول 2030، يطرح المختصون سؤالين: هل من مستقبل للنفط؟ هل من مستقبل لأوبك؟

تقرير أوبك ينسف النظريات

ينسف تقرير أوبك 2016 هذه النظريات كلها، إذ يتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 7.3 مليارات نسمة إلى 9.07 مليارات بحلول عام 2040، وأن يرفع هذا حاجة الدول النامية إلى الطاقة والنفط. ومع ارتفاع النمو الاقتصادي العالمي إلى ما فوق 3 في المئة، سيتعزز الطلب على الطاقة.

كما يفترض التقرير ارتفاع أسعار النفط إلى 65 دولارًا للبرميل بحلول عام 2021، والى 155 دولارًا بحلول عام 2040، وهذا يقوّض افتراضيات جامعة سانفورد وسيبا.

يبقى التقرير إيجابيًا بالنسبة إلى نمو الطلب على النفط، إذ يتوقع ارتفاعه إلى 99.2 مليون برميل يوميًا في عام 2021، أي بزيادة مليون برميل عما كان متوقعًا في العام الماضي بفعل استمرار انخفاض أسعار النفط، وسيستمر الارتفاع إلى 109.4 ملايين برميل يوميًا في عام 2040. تنسف هذه الأرقام نظريات مراكز الدراسات التي تتنبأ بانهيار الأسعار إلى 25 دولارًا للبرميل، وتراجع الطلب الصيني والهندي على النفط.

المطلوب التأقلم

في النظام النفطي الجديد، ظهر ثلاثة لاعبين محوريين كبار: السعودية وروسيا والولايات المتحدة، ينتجون ما يزيد على 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي.

أميركا وحدها تنتج الآن 9.3 ملايين برميل يوميًا. وبحسب مصادر أميركية، وإذا تمت إضافة سوائل الغاز والمكثفات النفطية، فإن الإنتاج الأميركي يصل إلى 11 مليون برميل يوميًا.

في تسعينيات القرن الماضي، انتجت أميركا 6 ملايين برميل يوميًا، وكانت تستورد حاجتها من السعودية والدول الخليجية لتلبية الطلب الداخلي اليومي البالغ 19 مليون برميل يوميًا. ومع إدارة دونالد ترمب، يتوقع الخبراء أن يرتفع الإنتاج الأميركي لأن ترمب لا يأبه للأمور البيئية، وسيعطي الضوء الأخضر لتشجيع المزيد من الإنتاج المحلي، ما يزيد نفوذ الصناعة النفطية الأميركية وشركات إنتاج الزيت الصخري.

من المهم القول إن شركات انتاج الزيت الصخري استطاعت خلال العامين الماضيين من تطوير تقنيات لتخفيض تكلفة الانتاج إلى اقل من 40 دولارًا للبرميل. لذلك، يسهل الاستنتاج أن الإنتاج الأميركي الإضافي يساهم في تعميق أزمة التخمة في الأسواق. على الرغم من نجاح اتفاق مؤتمر فيينا في نهاية العام الماضي لخفض الانتاج، وتمديد "أوبك" مفاعيل الاتفاق 9 أشهر أخرى، فإن التخمة في السوق لن تختفي بسرعة بسبب ارتفاع الإنتاج العراقي والإيراني.

أي مستقبل لأوبك؟

على الرغم من التنبؤات منذ أواخر سبعينيات من القرن الماضي بأن "اوبك" انتهت، فإنها لا تزال قائمة وتؤدي دورًا ايجابيًا بغض النظر عن النزاعات والخلافات بين اعضائها. تعترف روسيا وأميركا بأن اوبك هي المؤسسة الوحيدة القادرة على اتخاذ قرارات وإجراءات سريعة لإعادة التوازن إلى السوق.

من جهة أخرى، هناك من يعتقد أن عالم الطاقة يمر بمرحلة من تغييرات كبيرة تقنيًا وبنيويًا، مع ظهور ابتكارات جديدة لها تأثيرات ديناميكية في مجال الطاقة. أهم تطور هو الاستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة النظيفة المستدامة والمتجددة. ثمة سؤال يراود كثيرين: هل ستتحول أوبك في المستقبل البعيد إلى منظمة تمثل مصالح الدول المصدرة للطاقة المتجددة؟ هناك من يرى دورًا لأوبك في تقديم مساعدات ومقترحات للدول الاعضاء بتنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد الكلي على النفط. وواضح أن النفط سيبقى عنصرًا اساس في مزيج الطاقة المستعملة لعشرات السنوات المقبلة.

(إيلاف)