تركيا وحماس حليفان يتركان الدوحة لعزلتها، ومكالمة من الشيخ تميم لروحاني تجهض الوساطة الكويتية
 

قالت مصادر قطرية مطلعة أن القيادة القطرية وجدت نفسها لوحدها في مواجهة غضب سعودي إماراتي كبير على إثر تسريبات نسبت إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تقف على موقف الضد من كل الترتيبات الإقليمية الجديدة والتي تستهدف الإرهاب وتركز على تحجيم التمدد الإيراني والذي صار يهدد كل الخليج.

وزاد من الغضب الخليجي من قطر إجراء الشيخ تميم مكالمة هاتفية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في نفس الوقت الذي كال فيه الزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي الاتهامات للسعودية واصفا حكامها بأنهم على موعد مع “السقوط الحتمي”.

ودفع صمت الحلفاء التقليديين للدوحة بأمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الظهور بجانب ابنه الأمير الحالي في حفل استقبال للمهنئين بشهر رمضان، في مظهر تضامني يحاول أن يبدد ما يتردد عن وجود خلاف داخل بيت الحكم.

وحافظ الموقف الرسمي التركي، حليف قطر الرئيسي، على هدوء يثير الريبة إزاء المعركة الإعلامية المتصاعدة التي جعلت القيادة القطرية تحت ضغط غير مسبوق.

وانقادت حركة حماس المدعومة من قطر وتتخذ من الدوحة مقرا سياسيا لها، إلى صمت مماثل حيال التسريبات التي نسبت إلى أمير قطر بشأن علاقة بلاده بإيران ومحيطه العربي.

ولم تسفر وساطة كويتية لاحتواء الأزمة عن نتائج ملموسة بعد يومين من استقبال أمير قطر لوزير خارجية الكويت الشيخ صباح الخالد الصباح في الدوحة.

ويعزو مراقبون سياسيون الصمت السياسي التركي حيال معضلة الدوحة التي تعاني عزلة غير مسبوقة منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم، بأن أنقرة لا ترغب في إثارة السعودية، التي تنتهج سياسة “الصمت الإيجابي” إزاء التجاذبات التي قد تقضي على ما تبقى من مصداقية لقطر في الشارع العربي.

وسبق أن حث أمير قطر الشيخ تميم في اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنقرة بالوقوف مع بلاده في سبل التعامل مع تغير المزاج الأميركي والإقليمي من الدوحة.

ولا يبدو من مصلحة الرئيس التركي الدخول في مواجهة مع السعودية والإمارات، إذ أصبح الخليج بمثابة مخرج وحيد لتركيا، بعدما عززت الولايات المتحدة خيار الأكراد على الحدود السورية والعراقية مع تركيا، ووصلت العلاقات التركية مع أوروبا إلى أدنى مستوياتها.

كما التزمت حركة حماس في قطاع غزة الصمت حيال موقفها من أزمة قطر. وتحاول الحركة، التي لطالما حظيت بسخاء الدعم القطري، جني ثمار وثيقة إصلاحية أطلقتها الشهر الماضي في الدوحة قالت فيها إن الحركة “تقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967″.

وتهدف الحركة إلى إعادة التموضع والحصول على شهادة حسن سلوك سياسي دولي والاعتراف بها كـ”حركة مقاومة معتدلة”.

وبدت حماس في مأزق اتخاذ موقف مدافع عن كلام أمير قطر الذي أكد على تحقيق السلام العادل بين حماس التي اعتبرها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وإسرائيل، بحكم تواصل قطر المستمر مع الطرفين.

ولا تريد حماس استعادة عداء مصر، الطرف الأساسي في المعركة مع قطر، بعد لقاءات متكررة وصفها مسؤولون من الجانبين بـ”المثمرة”.

وقالت مصادر مطلعة في القاهرة إن تنظيم الإخوان المسلمين أصدر تعميما داخليا لحشد القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية التابعة له للدفاع عن قطر.

وأكدت المصادر أن قيادات التنظيم أمرت بأن تقتصر المواجهة على الساحة الإعلامية فقط خشية من رد فعل السعودية تجاه التنظيم، خصوصا في اليمن.

ولم تجد قطر في أزمتها السياسية الإعلامية مع دول الخليج إلا صحيفة هندية مغمورة تصدر باللغة الإنكليزية تحمل اسم “ديلي نيوز أناليسيز″ لتدافع عنها وأبرزت “موقفها” المناصر لموقف الدوحة في مواجهة الرياض وأبوظبي.

وتشعر الكويت بحرج دورها في الوساطة بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، فبعد أربع وعشرين ساعة من استقبال الشيخ تميم لوزير خارجية الكويت، تم الاتصال الهاتفي بين أمير قطر والرئيس الإيراني متزامنا مع الهجوم اللفظي على السعودية من قبل خامنئي.

واعتبرت مصادر سياسية سعودية أن مكالمة أمير قطر مع روحاني في اليوم الذي توجه فيه إيران أشد الانتقادات للسعودية هو خروج واضح عن الصف.

وقالت في تصريح لـ”العرب” إن “من يقبل بالوساطة الكويتية، يضع ملف إيران جانبا الآن ولا يواصل التصعيد، خصوصا وأن قطر تدرك حساسية الموضوع الإيراني لدى السعودية”.

وحركت السعودية الملف الديني في الأزمة المتصاعدة مع قطر مع إعلان أسرة آل الشيخ السعودية عدم صحة انتساب أجداد أمير قطر إلى جدهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لكي تقطع الطريق على “السروريين” الإخوان من مدعي الانتماء إلى التيار السلفي.

وعرض أمير الكويت أثناء محادثة هاتفية مع الشيخ تميم الخميس الماضي التوسط باستضافة محادثات لضمان عدم تصعيد الخلاف.

ويرى مراقبون أن مثل هذا العرض لم يعد مجديا مع استمرار قطر بالهروب إلى الأمام. وعدم ظهور أي إشارات تراجع من الدوحة عما بدر منها.

وذكّر مراقبون خليجيون بوعد أمير قطر أمام العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثناء الوساطة السابقة لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عام 2014، بعدم مس الثوابت الخليجية في علاقاتها وأمنها الإقليمي.

وقال المراقبون إن مواقف قطر الجديدة من إيران وجماعة الإخوان المسلمين، تكشف أن العهد الذي قطعه الأمير الشيخ تميم على نفسه أمام العاهل السعودي الراحل وأمير الكويت قد طواه النسيان في الذاكرة القطرية، الأمر الذي يسقط الوساطة الكويتية ميتة قبل أن تولد.

واستغرب مسؤولون خليجيون مواصلة الدوحة اعتماد سياسات لا تمتّ إلى البيئة الخليجية وتقاليدها، لا سيما أن العواصم الخليجية سبق لها وأن أبدت رفضا لهذه السياسات وصلت إلى حد القطيعة وسحب السفراء من الدوحة في عام 2014، وأن الأمور عادت إلى طبيعتها بعد تعهّد قطر وأميرها أمام العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بالكفّ عن انتهاج سلوكيات تتعارض مع مصالح دول الخليج.