لا شكّ في أنّ التطورات السياسية تُرخي بظلالها على الساحة اللبنانية، خصوصاً أنّ اللبنانيين معروفون بأنهم شعبٌ «مسيَّس»، لكن تبقى هناك مطالب إنمائية كثيرة تفوق بأهميّتها المشكلات السياسية بأشواط.
 

لكل منطقة لبنانية أزماتها الإجتماعية والإنمائية التي لا تنتهي، ولو كان الشعب اللبناني يحاسب على أساس معيشي ومطلبي ولا يتحرَّك طائفياً وغرائزياً، لكان أسقط غالبية الطبقة السياسية الحاكمة.

ومن أبرز تلك الأزمات الإنمائية هي رداءة الطرق والمواصلات نتيجة الحفر وعدم الصيانة أو بسبب الزحمة الخانقة، وفي هذا الإطار تبرز مشكلة المواصلات بين منطقة دير الأحمر والمناطق التي تشكّل مداها الحيوي، وأبرزها منطقة بشري.

مشروع حلم

يشكّل مشروعُ النفق الذي يربط دير الأحمر ببشري، حلماً لأهالي الدير الذين ينقطعون عن محيطهم وأقاربهم في الشمال شتاءً نتيجة تساقط الثلوج وقطع طريق عيناتا- الأرز لأكثر من 6 أشهر.

وبالتالي الإنتقال الى بشري الذي يستغرق نحو ساعة صيفاً، يحتاج الى أكثر من 6 ساعات شتاءً، لأنه يتوجّب على إبن الدير أن يجتاز بعلبك وزحلة وضهر البيدر نزولاً الى بيروت، من ثم يتوجّه الى الشمال ليَعبرَ البترون والكورة وبلدات قضاء بشري، فيشكّل هذا «المشوار» دربَ جلجلة حقيقياً للأهالي.

لطالما كان أهالي دير الأحمر يُردِّدون «لو بشقّوا هالنفق لبشرّي، قدّيش كانوا بسهْلوا علينا»، فيما يتحسّر بعضهم الآخر على التقلبات السياسية التي شهدها لبنان خريف 1943، لأنّ الفرنسيين كانوا ينوون حفرَ النفق لوصل الشمال بالبقاع مثلما حفروا نفقاً للمياه في اليمونة، لكنّ الإستقلال وما رافقه من رحيل للفرنسيين جعل هذا المشروع حلماً مستحيلاً نتيجة ضعف الدولة وإهمالها مناطق الأطراف، من ثمّ إندلاع الحرب الأهلية عام 1975.

أما التغيير الأساسي في مسيرة هذا المطلب، فقد أتى بعدما ترأس المطران حنا رحمة أبرشية دير الأحمر- بعلبك للموارنة، فعاد هذا المشروعُ الى الأضواء، خصوصاً بعد المشكلات التي عاناها أهالي الدير نتيجة خطورة الطريق الى زحلة، بعد تفشّي عمل العصابات وغياب الأمان والإعتداءات التي تعرّضوا لها، وأبرزها جريمة بتدعي.

المشروع

بعدما حرّك رحمة فكرة النفق، بات لزاماً وضع دراسة تقريبية لكلفة المشروع. يمتد هذا النفق من عيناتا الى أوّل حاجز للجيش في الأرز من جهة بشري، ويبلغ طوله نحو 4.2 كيلومترات، وهو يختصر مسافةً طويلة من الطريق العادية.

فهذه النقطة تستغرق حالياً نحو ساعة لعبورها، لكنها بعد حفر النفق ستحتاج إلى نحو 5 دقائق فقط، وبالتالي سيستغرق إجمالي المسافة من الدير الى بشري نحو 20 دقيقة. وإذا كانت الطريق تُقطَع لأشهر نتيجة تراكم الثلوج، فإنها لن تُقفَل بعد شقّ النفق لأكثر من يومين في السنة.

وفي وقت، أعدّت الجامعة اللبنانية - كلية الهندسة، دراسةً أولية عن المشروع، وقدّرت كلفته بنحو 120 مليون دولار، يؤكّد المطران رحمة لـ«الجمهورية»، «أننا سنسعى بكل جهدنا لتأمين التمويل من الدولة أو من مصادر خاصة وصناديق تهتم بهذه المشاريع، وقد عرضت هذا الأمر على رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، وأبدى حماسةً لافتة، مؤكداً أنه سيمنحه كلّ الدعم السياسي المطلوب، وكذلك إعتبر وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس أنّ هذا المشروع حيويٌّ جداً، علماً أنّ هناك طريقاً ستُشَق لربط إهدن ببشري والأرز، لذلك، فكل المنطقة هي مع هذا المطلب على إختلاف طوائفها وإنتماءاتها السياسية».

فوائد إقتصادية

في حال إنجاز هذا المشروع، فإنّ فوائد إقتصادية وإجتماعية كثيرة ستنتج عنه، إذ سيؤمّن ربطَ محافظتَي البقاع والشمال، كما سيربط من جهة أخرى، البقاع بالساحل الشمالي حيث هناك مرفأ طرابلس، وستفتح أسواقُ الكورة والبترون وبشري وطرابلس أمام الزراعات البقاعية، وسيستطيع مزارعو البقاع التصدير عبر مرفأ طرابلس بكلفة أقل بكثير ممّا هي الآن، حيث يضطَرون الى نقل بضاعتهم الى مرفأ بيروت.

ويساهم هذا النفق في حضّ أهالي المناطق الشمالية والبقاعية على التمسّك بأرضهم وإيجاد فرص عمل قريبة تمكنهم من البقاء في قراهم، كما يُخفّف الضغط السكاني في المدن بعد تأمين تنمية متوازنة في المناطق كافة.

كذلك سيُخفّف ضغط السير عن طريق ضهر البيدر للوصل بين لبنان وسوريا، ويؤمّن منفَذاً سياحياً قريباً لسكان البقاع والشمال حيث يقع معْلمان من أهمّ معالم لبنان السياحية وهما غابة الأرز وقلعة بعلبك، وسيشجّع التجمعات الصناعية المتنوّعة.

أما النقطة الأهم والتي قد تدفع الى تسريع المشروع، فهي إعادة إعمار سوريا، إذ إنّ حفر هذا النفق سيربط مرفأ طرابلس والشمال حيث شركات الترابة الضخمة، بالبقاع وسوريا، وبالتالي سيسهّل عملية نقل المواد الأوَّلية الى سوريا، وهذا ما تسعى اليه الشركات التي قد تتّخذ من طرابلس والشمال منصّة للمشاركة في إعادة الإعمار.

وهناك نقطة مهمة جداً، وهي إمكانية إستخراج مياه من النفق، ما يساهم في ريّ المنطقة بأكملها.

اللجنة الفنية

أمام هذا الواقع، يبدي معظم أهالي بعلبك إصرارهم وحماستهم لهذا المشروع، خصوصاً أنّ البقاع يعاني كسادَ المواسم وكلفة النقل العالية للمنتوجات، ويُعتبر محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر والبلديات والفاعليات من أبرز المطالبين بانطلاقته.

وقد إجتمعت منذ نحو أسبوعين اللجنة الفنّية لتنسيق الخدمات الضرورية في المحافظات التي يرأسها نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني، وطرح هذا المشروع على الطاولة وأبدى حاصباني تجاوباً خصوصاً أنه يحظى بإجماع أهالي المنطقة.

وفي السياق، يقول حاصباني لـ«الجمهورية» إنّ هذا «المشروع مهم جداً وحيويّ، وأنا إستمعت الى مطالب الفاعليات، وهذا النفق يحتاج الى مجلس الإنماء والإعمار لينظّم دراسةً واضحة ودقيقة عنه تحضيراً لرفعه الى مجلس الوزراء».

ويؤكد حاصباني أنّ المشروع يتميّز «بفوائد إقتصادية كبيرة جداً، وسنرفع مطالب كل محافظة على حدة الى مجلس الوزراء، وبالتالي سيُدرَج هذا المشروع على جدول الأعمال عندما يحين وقته، وستكون أمام المجلس فرصة لمناقشته بعد وضع دراسة مجلس الإنماء والإعمار تحضيراً للموافقة عليه والبحث عن مصادر لتمويله».

ويشير حاصباني الى أنّ «ثمّة موضوعات تُطرح في المحافظات تُحَلّ بلا مجلس وزراء، والبعض الآخر يحتاج الى المجلس، ومن ضمنه مشروع النفق، لذلك سندعمه نظراً لأهميته، وسنجوجل كلّ المشاريع»، مشدِّداً على أنّ «هدفنا هو الإنماء، وإبعاد هذه الموضوعات من السياسة وأن نقوم بمهمتنا على أكمل وجه».

إذاً، في إنتظار أن يصل هذا المشروع الى مجلس الوزراء، يصرّ أهالي الدير وبشري على تنفيذه، ويأملون أن يحظى بدعم المحيط لأنه مشروعٌ يتخطّى الإطارَ المناطقي، ليصل الى تسهيل وحلّ مشكلة محافظتين تُعتبران الأكثر نسياناً، فيما الجهد السياسي مطلوب أيضاً لكي يحظى بالدعم الكامل على طاولة مجلس الوزراء.