لفت البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى أنّ "الربّ يسوع سأل سمعانَ بطرس ثلاثًا: "أتحبُّني؟"، وكان جوابه المثلّث: "نعم يا ربّ، أنت تعلمُ أنّني أحبّك". فسلّمه رعاية خرافه أي نفوس البشر الذين افتداهم بموته؛ وبقيامته سكب في قلوبهم محبّته بالروح القدس".
وأشار الراعي، في عظته، إلى أنّ "هذا السؤال موجّه إلى كلّ صاحب مسؤوليّة في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة، لأنّ أساس كلّ مسؤولية هو محبّة الله، ولأنّ غاية المسؤوليّة إيصال محبّة الله بالعلاقة الطّيبة والأفعال الحسنة والتدابير البنّاءة إلى كلّ الذين تشملهم هذه المسؤوليّة. وهو سؤال موجَّه إلى كلّ واحد وواحدة منّا، لأنّ محبّتنا الشخصيّة للمسيح هي مصدر محبّتنا للكنيسة ورسالتها ولكلّ إنسان"، كاشفاً "أنّنا نحتفل بهذه الليتورجيّا الإلهيّة، الّتي تجمعنا فيها مناسبة يوم الصلاة العالمي الرابع والخمسون من أجل الدعوات الكهنوتيّة والرهبانيّة؛ ومناسبة الإحتفال بعيد العائلة مع لجنة راعويّة العائلة في أبرشيّة جبيل".
ونوّه إلى أنّ "أتحبُّني أكثر من هؤلاء؟ هذا السؤال الموجَّه، عبر سمعان بطرس، إلى كلّ شخص، يعني في لفظته الأصليّة اليونانيّة الخروج من محبّة الذات المنغلقة، وهبة القلبوالعقل والإمكانيّات لمحبّة المسيح، ولمحبّة كلّ إنسان. إنّها المحبّة لا بالكلام بل بالعمل والحق. نحبّ المسيح بشخصه، ونحبّه عبر الاتّحاد به، ونحبّه بحفظ كلامه ووصايه. والسؤال يعني محبّة المسيح محبّةً تفضيليّة لكي نتمكّن من محبّة كلّ إنسان. فلا بدّ من طرح السؤال في مساء كلّ يوم: هل أنمو في محبّة المسيح؟ كيف أحببتُه اليوم؟".
وأوضح أنّ "بطرس إستعمل بجوابه عن حبّه ليسوع، لفظة أخرى هي الفيلانتروبية الّتي تدلّ على العاطفة الّتي في القلب، والّتي يعرفها يسوع، وهي تغطّي ضعفه ومحدوديّته البشريّة. الله يميّز بين ضعفنا وبين مكنونات قلبنا، فيقول: "يا بنيّ أعطني قلبك"، منوّهاً إلى أنّ "بطرس لا يتّكل في جوابه على ضعفه المعروف والظاهر للجميع، وقد بلغ ذروته بإنكاره ليسوع ثلاث مرّات، بل على ما في قلبه، والّذي يعرفه يسوع: "انت تعلمُ كلّ شيء، وأنت تعلم أنّي أحبّك". يقول القدّيس افرام السرياني: "أنا سعيد يا ربّ، لأنّك أنت وحدك سوف تدينني في اليوم الأخير، ولا أحد سواك، لأنّك أنت وحدك تعلم ما في قلبي تجاهك".
وركّز الراعي على أنّ "لفظة "إرعَ" باليونانية تعني "أطعمهم". فالمسؤولية لا تقتصر على الإدارة وإصدار الأوامر والمراسيم، بل تشمل أيضًا وخاصّة إطعام الجائع ومداواة المريض وتعزية الحزين وتقوية الضعيف. الحملان هم المؤمنون، إخوة يسوع الصغار. إنّهم يعرفون الله، ولكنّهم يحتاجون إلى مَن يهتمّ بشؤونهم. دور الكنيسة الأوّل الإهتمام بأبنائها وبناتها في مختلف حاجاتهم. والكنيسة تشمل هنا الإكليروس والعلمانيّين. ومعاً يحملون الهمّ الراعوي في الرعيّة والأبرشيّة، على أرض الوطن وفي بلدان الإنتشار"، مشيراً إلى أنّ "النعاج تمثّل غير المؤمنين. إنّه البعد الرسولي والرسالي في الكنيسة أي إعلان إنجيل المسيح لجميع الشعوب والثقافات. إنّه إنجيل محبّة المسيح الفادي الّتي تهدم الأسوار الفاصلة بين الناس. والخراف هم المؤمنون وغير المؤمنين.المحبةالراعوية لا تفرّق، ولا تميّز في الإطعام والخدمة والعناية. كلّنا مخلوقون على صورة الله، وإخوة في الإنسانيّة، وأبناء لله بالابن الوحيد يسوع المسيح. هذه هي ثقافتنا المسيحيّة التي يحتاج إليها عالم اليوم أكثر من أي وقت مضى".
وأكّد أنّ "العائلة الّتي نحتفل بعيدها مع أبرشيّة جبيل، انطلقت من عهد الحبّ الّذي قطعه الزوجان بينهما ومع الله. وكان السؤال إيّاه عن الحبّ المتبادل، وعن محبّة الزوجَين لله الذي يدعوهما لعيش الحبّ في الحياة الزوجيّة والعائليّة، وفي نقل الحياة البشرية وتربيتها"، موضحاً أنّ "الحبّ ليس مجرّد شعور بل هو، حسب اللّفظة العبريّة، فعلُ الخير. من يحبّ يختبر سعادة العطاء ونبل وعظمة هبة الذات كاملة، من دون قياس ومجّانًا. ويجد سعادته في الخدمة. الحبّ يصنع الخير للآخرين ويعزّز سعادتهم. بالصبر والخدمة يتقوّى الحبّ في الحياة الزوجيّة والعائليّة وينمو".