هناك مناخ في إيران يعتبر أن المرحلة الماضية تحتاج إلى مراجعة وتعديل. وهي تعود إلى مخاوف من الوضع الإقليمي والدولي، وتخوف من الصراع السني- الشيعي. تستند هذه القراءة إلى آخر التطورات الإقليمية والدولية. في مقابلها، تسعى طهران إلى تحقيق خرق ما للتخفيف من حدّة التوتر. وفي هذا السياق، تبرز زيارة وفد من الحوزة الدينية في قم إلى لبنان لعقد لقاءات متعددة. هذه الزيارة غير علنية، وتؤكد مصادر متابعة لـ"المدن" أن الوفد التقى شخصيات سنّية مختلفة، بعضهم من المقربين من تيار المستقبل. ومن المفترض عقد لقاء مع الجماعة الإسلامية.

لدى أعضاء الوفد قراءة تتركز على إيجاد مشروع مشترك لمواجهة عدو مشترك بالنسبة إلى الجميع، وهو الإرهاب. يركز الإيرانيون في ما يطرحون على مبدأ الوحدة الإسلامية، ويعتبرون أن المرحلة السابقة لم تؤد إلى أي نتيجة إيجابية لتخفيف حدة التوتر والتصعيد. وبسبب هذه الأزمة، يتحرك الوفد الإيراني، والجولة لاستمزاج الآراء وتقديم بعض الطروحات.

من الواضح أن الإيراني، يسعى إلى فتح صفحة جديدة، مع كل الأفكار. ويركز الوفد على تقديم فكرة جديدة، تقوم على إعادة تعزيز ثقافة الإختلاف، الجديدة نسبياً. سابقاً، كانت إيران تعمل على برنامجين، الأول التقريب بين المذاهب، والثاني رفع شعار الوحدة الإسلامية. لكن البيئات الإسلامية السنية اعتبرت في السنوات الماضية أن استخدام طهران هذه الشعارات، هو لنشر التشيع في المنطقة، ولنشر الدور الإيراني في العالم العربي والإسلامي. واعتُبرت هذه الشعارات غير حقيقية وواقعية، بل مجرد جسر للعبور إلى الدول العربية للسيطرة على اجزاء أو جماعات منها.

تهدف الفكرة الجديدة، وفق أصحابها، إلى تعزيز ثقافة الإختلاف، وهذه عملية إلتفافية على كل التصورات السابقة عن المشروع الإيراني، لأنها ترتكز على طمأنة الجميع، بأن الوجهة الإيرانية لا تريد إلغاء أحد. وتتضمن الورقة البحثية، التي يجري استمزاج الآراء في شأنها، التمييز بين الإختلاف والخلاف. بمعنى أن الخلاف يؤدي إلى صراع مذهبي وسياسي، بينما الإختلاف دليل على التنوع الثقافي في المجتمع. بالإضافة إلى البحث عن التفسيرات المشتركة في النصوص الإسلامية، وخصوصاً في القرآن الكريم، بمعزل عن الإشارة إلى الأحاديث أو الآيات التي تؤدي إلى النزاع.

تنطلق الفكرة من إشاعة ثقافة جديدة، بين المفكرين في العالم الإسلامي، تؤدي إلى حلّ المشكلات وصناعة الآراء الأخرى بعيداً عن التوتر. وإيجاد آليات لكيفية التعامل مع الأطراف المختلفة فكرياً، وإعادة توضيح بيان المبادئ الدينية والفطرية المعارضة للتطرف والعنف، ووضع برنامج كامل، حول ثقافة الإختلاف، واستعراض الأساليب الدقيقة لنشر الثقافة الإسلامية التي تقبل بالإختلاف والتنوع.

يقود ذلك إلى استنتاج لا مجال إلا بربطه بالسياسة والتطورات. ثمة قراءة تفيد بأن إيران تستشعر مخاطر الوضع في المنطقة، وبأن طريقة معالجة الأزمات في المنطقة لم تصل إلى نتائج عملية. لذلك، تبحث عن أفق جديدة. هناك بيئات إيرانية جديدة، تطرح مدخلاً لبرنامج مستقبلي قد يجري تبنّيه في المرحلة المقبلة. وثمة من يتحدث عن أن وفد الحوزة الدينية، لا يمكن أن يقوم بهذا النشاط لو لم يكن هناك ضوء أخضر من السلطة ومن ولاية الفقيه.

لا تنفصل هذه التحركات الجديدة، عما يجري سياسياً، سواء أكان بسماح حزب الله لأهالي الطفيل إلى بلدتهم، أو بفتح باب المفاوضات لأجل إعادة أعداد من اللاجئين من عرسال إلى القلمون. ما يرتبط باستشعار إيران بوجود حلف جديد ينشأ ضدها. وهي تعمل على هذا النهج الجديد لأجل تحقيق إختراق بوجه هذا التحالف، ولبنان إحدى الساحات التي يمكن لإيران اللعب على مسرحها وتوجيه الرسائل المتعلّقة بهذا المضمون.

كذلك، بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يمكن فصل هذه الطروحات، عن المعركة الانتخابية الإيرانية التي تزداد حماوة، خصوصاً في ظل شدّ الحبال بين فريق الرئيس الإيراني حسن روحاني والمحافظين. وهذا الوفد محسوب على المحافظين. وهو ليس بعيداً عن القرار الرسمي في طهران. ومن الواضح أن حدّة الخطاب، واستشعار روحاني بأن المعركة قاسية، وهو لديه تخوف من أن لا يقدم الإصلاحيون على عملية الانتخاب بقوة، ولذلك يسعى إلى استنهاض شارعه، من نقاط الضعف التي تسجّل عليه، هو بعض الثغرات الإقتصادية، وعدم تحقيق ما تريده إيران من الإتفاق النووي، ولذلك يلجأ إلى رفع الصوت.