من سوء طالع الحاجة خديجة الدٌويرية أنّها لا تحيا في زمن معاوية، بل في زمن السيدة الفاضلة غادة أبو كروم
 

إشتهر الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان باستقبال النساء العجائز اللاتي اشتهرن بولائهم للإمام علي بن أبي طالب، ووقفن ضدّه في حرب صفين، ومن لم تدخل عليه بطوعها أرسل وراءها وأكرم وفادتها، وأصرّ على نكء الجراح القديمة معهنّ، وفي نهاية المشاحنات والمساجلات كان يعمد إلى قضاء حوائجهن وإجابة طلباتهن.
فقد وفدت عليه سودة بنت عمارة بن الأشتر، فلما دخلت وسلّمت عليه: قال لها: أنت القائلة لأخيك:
شمّر كفعل أبيك يابن عمارةٍ
يوم الطعان وملتقى الأقران 
وانصر عليّاً والحسين ورهطه
واقصد لهندٍ وابنها بهوان .

إقرأ أيضا : نبيه بري والحاجة خديجة
قالت: يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبُتر الذنب، فدع عنك تذكار ما قد نُسي وأرجو إعفائي ممّا استعفيتُه، قال: قد فعلتُ، فقولي حاجتك، فسألته أن يعزل ابن أرطأة، الذي قدم بلادي وقتل رجالي ، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عزٌ ومنعة، فقال معاوية : إياي تهدّدين بقومك؟ فذكّرته أنّها سبق لها واشتكت والياً للإمام علي فعزله وكتب له: إذا أتاك كتابي فاحتفظ بما في يديك حتى يأتي من يقبضه منك، والسلام. فقال معاوية : اكتبوا لها بالانصاف لها والعدل عليها، فقالت: ألي خاصّةً أم لقومي عامة؟ قال: وما أنت وغيرك؟ قالت، هي والله إذاً الفحشاء واللؤم، إن لم يكن عدلاً شاملاً، وإلاّ يسعني ما يسع قومي.قال: هيهات! لمّظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، وغرّكم قوله:
فلو كنتُ بوّاباً على باب جنّةٍ
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام.
اكتبوا لها بحاجتها.

إقرأ أيضا : خديجة اسعد ارهابية وتهمتها .. الفقر في بلد لا قانون فيه يحمي المسنين
ووفدت عليه الزرقاء ابنة عدي بن غالب بن قيس الهمدانية، وكان قد كتب لعامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من محارمها، ويوسع لها في النفقة ،فلما دخلت قال معاوية: مرحبا وأهلا، قدمت خير مقدم، كيف حالك؟ قالت بخير، أدام الله لك النعمة، قال: أتدرين فيم بعثتُ إليك، قالت: أنّى لي بعلم ما لم أعلم؟ قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر، والواقفة بين الصّفين في صفين تحُضين على القتال وتوقدين الحرب، فما حملك على ذلك؟ اتحفظين كلامك، قالت: لا والله لا أحفظه ، ولقد أُنسيتُه. قال: ولكني أحفظه،ثم أسمعها فقرات تحضّ على قتال معاوية وأهل الشام، وقال لها: والله يا زرقاء لقد شركت عليّاً في كلّ دمٍ سفكه. قالت: أحسن الله بشارتك ، وأدام سلامتك، فمثلُك بشّر بخير، وسرّ جليسه. قال: أو يسُرُّك ذلك؟ قالت: نعم والله، لقد سُررتُ بالخبر، فأنّى لي بتصديق الفعل، فضحك معاوية وقال: والله ،لوفاؤكم له بعد موته، أعجبُ من حُبّكُم له في حياته، اذكري حاجتك، قالت: يا أمير المؤمنين، آليتُ على نفسي ألاّ أسأل أميراً أعنتُ عليه أبداً، ومثلك أعطى عن غير مسألة، وجاد عن غير طلبة. قال: صدقت! وأمر لها وللذين جاءوا معها بجوائز وكُساً.

إقرأ أيضا : الشعب اللبناني ينتصر للموقوفة خديجة أسعد في مخفر الدوير
وهذا كان حاله مع أم سنان بنت خيثمة ابن خرشة المذحجية، وكذلك مع عكرشة بنت الأطرش بن رواحة، أمّا دارمية الحجونية ، فبعد مشاحنة حامية معها،وأجابته عندما سألها : هل رأيت علياً ؟ قالت: إي والله، قال وكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتُنهُ المُلكُ الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: هل سمعت كلامه؟ قالت، نعم والله كان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطّست، قال: صدقت، هل لك من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتك؟ قال،نعم، قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فيها راعيها وفحلها، قال: تصنعين بها ماذا؟

إقرأ أيضا : قضية خديجة أسعد وانتصار القضاء اللبناني
قالت: أغذو بألبانها الصّغار، وأستحي بها الكبار، وأكتسبُ بها المكارم ، وأُصلحُ بها بين العشائر، قال: فإن أعطيتُك ذلك، فهل أحلُّ عندك محلّ علي بن أبي طالب؟ 
قالت: ماءٌ ولا كصدّاء ، ومرعى ولا كالسعدان ، وفتىً ولا كمالك، فقال معاوية: أو دونهُ، فأنشأ يقول:
إذا لم أعُد بالحلم منّي عليكم 
فمن ذا الذي بعدي يُؤمّلُ للحلم 
خُذيها هنيئاً واذكري فعل ماجدٍ
جزاك على حرب العداوة بالسّلم.
ثمّ قال: أما والله لو كان عليٌ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً، قالت: لا والله، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
من سوء طالع الحاجة خديجة الدٌويرية أنّها لا تحيا في زمن معاوية، بل في زمن السيدة الفاضلة غادة أبو كروم، لو أدركت زمن معاوية لتولّى كساء الخيمة، مع مائة ناقة حمراء معها راعيها وفحلها.