الفوضى تعم البلد وتحرّك إنتخابي يعود إلى الوراء

 

المستقبل :

«نعمل على الموضوع 24 ساعة يومياً والأمور وصلت إلى نقطة أو نقطتين تحتاج إلى التوافق».. وحتى لا تضيع الجهود التي أكد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بذلها على مدار الساعة في سبيل تحقيق التوافق الانتخابي بين مختلف المكونات الوطنية، أعلن مساءً من عين التينة «بكل وضوح» موقفه الرافض لتمديد ولاية مجلس النواب الحالي، داعياً في ختام لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تكاتف وطني يحول دون ذهاب الجهود المبذولة سدى في الأمتار الأخيرة من السباق المحتدم بين التمديد والقانون العتيد. ولتحقيق التوافق المنشود، طالب رئيس الحكومة مختلف الأفرقاء بخفض سقوفها الانتخابية وتقديم «شوية تضحية» خدمةً للوطن والمواطن، وقال: «لا أريد التمديد ولا الفراغ، بل أريد الوصول إلى حل قبل 15 أيار مهما كلف الأمر». وإثر انتهاء لقاء عين التينة، أوضحت مصادر اللقاء لـ«المستقبل» أنّ أجواءه كانت إيجابية وسط تشديد مشترك على وجوب تجنب الفراغ في السلطة التشريعية، مشيرةً إلى أنّ بري كان متفهماً لموقف الحريري الرافض للتمديد، مع تأكيده الجدية في طرحه الداعي إلى إنشاء مجلس للشيوخ مقابل اعتماد النسبية الكاملة في انتخابات المجلس النيابي. رئيس الحكومة، وبعد لقائه بري على مدى أكثر من ساعة، أشار إلى كونه يحاول «تقريب وجهات النظر بين كل الأفرقاء لنصل إلى الحل»، منبّهاً في المقابل إلى أنه «إذا كانت الأحزاب السياسية تبحث عن كيفية كسبها (من القانون الجديد) فهذه خطيئة، لكن إذا كان البحث عن صحة التمثيل فنناقش هذا الأمر ونصل إليه»، وأردف موضحاً: في موضوع القوانين الانتخابية أنتم تعلمون جيداً أنا كنت ضد ماذا وإلى أين وصلت، وأتمنى على الآخرين أن يفعلوا القليل مما فعلته، وافقتُ على ما لم أكن سأوافق عليه ليس لأن لدي مصلحة سياسية فيه، بل لأنني أرى أن البلد بحاجة إلى حل سياسي ولأن المواطن اللبناني «طفح قلبه». ورداً على أسئلة الصحافيين، ذكّر الحريري بأنه وافق على معظم الطروحات الانتخابية التي كان يعارضها في السابق «لأننا نريد حلاً لهذا البلد، ففي نهاية المطاف لن يأتي أحد ويلغي سعد الحريري أو جمهور سعد الحريري أو جمهور رفيق الحريري، هذا الموضوع أثبتناه على مدى 12 سنة ومستمرون.. لذلك نحن قدّمنا ونتمنى على الآخرين أن يتقدموا».

وعن العوائق التي تحول دون انعقاد مجلس الوزراء، جزم الحريري بأنّ أحداً لا يستطيع منعه من عقد جلسة للمجلس متى أراد ذلك، مشدداً على كونه صاحب الصلاحية في دعوة مجلس الوزراء من عدمها، لكنه أوضح أن تريثه في توجيه هذه الدعوة إنما أتى في سبيل «الضغط على الجميع من أجل العمل على قانون الانتخاب»، مع إشارته في الوقت نفسه إلى أنّ المجلس سوف يلتئم الأسبوع المقبل.

وكان رئيس المجلس النيابي قد عبّر أمام نواب لقاء الأربعاء عن رفضه المبدئي للتمديد لكنه في الوقت عينه أكد أنه يريد «حماية المؤسسات الدستورية من السقوط والانهيار»، ومن هذا المنطلق شدد بري على أنّ «جلسة 15 أيار هي لتفادي الفراغ القاتل»، مبدياً أمله في التوصل إلى اتفاق على القانون الانتخابي مع تجديد رفضه اقتراح القانون التأهيلي في مقابل تأكيده أنه أعدّ «أكثر من صيغة للنقاش الانتخابي، منها الصيغة المستمدة من الدستور والتي ترمي إلى انتخاب مجلس نيابي على أساس النسبية وإنشاء مجلس للشيوخ».

يوم الشاحنات.. والمشاحنات

ميدانياً، وقع اللبنانيون أمس في مصيدة سائقي الشاحنات الذين أقفلوا بآلياتهم مداخل العاصمة وزجوا الناس في طابور مروري خانق، ليتحوّل المعتصمون بأفعالهم وارتكاباتهم المشينة على مرأى من الإعلام من أصحاب حقوق إلى قطّاع طرق وبعضهم إلى «بلطجية» تعرضوا إلى المواطنين بالضرب والتكسير والإهانات. وعلى الأثر، استدعى يوم الشاحنات والمشاحنات الطويل بأحداثه الدراماتيكية ، عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن المركزي، خلص إلى الطلب من القوى العسكرية والأمنية المباشرة ابتداء من صباح اليوم بـ«إتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لمنع إقفال الطرق الدولية وتأمين حرية تنقل المواطنين وسلامتهم». في حين تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أمس من إلقاء القبض على «س.ف.» المفتعل الأساس للإشكال الذي وقع على طريق المطار وتخلله إطلاق نار وتحطيم لسيارات المواطنين، بينما يتواصل العمل الأمني بغية توقيف باقي المتورطين في الإشكال.

 

الديار :

ما حصل صباح امس عند مداخل العاصمة، وعلى العديد من الطرقات الدولية ابعد من حدود زحمة سير خانقة. ما جرى شكّل استباحة لكرامة اللبنانيين وإهانة جماعية لهم في وضح النهار، بقدر ما شكّل في الوقت ذاته سقوطا جديدا للسلطة التي بدت أعجز من ان تفرض هيبتها على.. شاحنة!
هكذا، وببساطة شديدة، قرر بعض اصحاب الشاحنات المعترضين على اقفال المرامل والكسارات ان يعبروا عن احتجاجهم عبر قطع شرايين مرورية حيوية، وبالتالي معاقبة آلاف المواطنين الذين تحولوا الى سجناء، وصارت سياراتهم زنزانات حديدية.
اساء اصحاب الشاحنات الى قضيتهم واخفقوا في الدفاع عنها، عندما اختاروا ان يبعثوا برسالتهم الى المعنيين، عبر بريد «اللحم الحي» للمواطنين الذين قادهم الحظ العاثر الى الوقوع في الفخ الصباحي، بينما كان يُفترض بمن يعتبر انه صاحب قضية محقة ان يكسب الرأي العام الى جانبه، لا ان يعاديه. 
مرة أخرى، ينتقم الضحايا من الضحايا، في مشهد جديد من مشاهد جلد الذات ولحس المبرد. صحيح، ان الكثيرين يعتاشون من عمل الشاحنات، وان توقيف عملها او تقنينه بشكل اعتباطي يرتب تداعيات اجتماعية لا يجوز تجاهلها.. لكن الصحيح ايضا ان مشكلة العاملين في هذا القطاع ليست مع الناس الذين كانوا بصدد التوجه الى اعمالهم وبينهم من هم في وضع معيشي لا يقل صعوبة، وبالتالي فقد كان من الخطأ الاصطدام بهم والتعرض لهم.
والاسوأ من كل ذلك، ان الطرقات بقيت لساعات طويلة تحت سيطرة اصحاب الشاحنات، على مرأى ومسمع العناصر الامنية التي اكتفت في المرحلة الاولى بتأدية دور «الوسيط» او قوة الفصل بين المعتصمين والمواطنين، حتى حين كان بعض المنفعلين من المحتجين يلجأون الى استخدام العنف والتكسير، لمنع اختراق اي سيارة الحصار المضروب.
ان هذه الخفة في التعامل مع مصالح الناس، تعكس نمطا متوارثا من الاستهتار بمشاعرهم وكرامتهم، وكأن المواطن مجرد رقم في جدول حساب، يُستخدم تارة في «القسمة» وطورا في «الضرب». وليس معروفا كيف لطبقة سياسية حاكمة تعجز عن حماية حق المرور للمواطن على طريق دولية، ان تمنحه حق العبور الى الدولة العادلة والقوية، وكيف لطبقة من هذا النوع تدوس الشاحنات على هيبتها ان تنجح في وضع قانون انتخاب منصف وعصري.
ولئن كان مجلس الامن المركزي قد اتخذ في ما بعد قرارا بمنع قطع الطرقات، بالتزامن مع تمكن «فرع المعلومات» من توقيف احد المعتدين ممن ضبطتهم الصورة بالجرم المشهود.. إلا ان هذا الاستدراك المتأخر لم يحجب فضيحة الصباح ولم يستطع اخفاء الندوب التي خلَفتهاعلى جسم السلطة.
وبصراحة اكبر، لقد بات الرئيس ميشال عون معنيا قبل غيره بالتدخل لتصويب مسار الامور، لان «الهزات الارتدادية» للملفات النازفة بدأت تصيب قصر بعبدا، والناس الذين راهنوا على عهد الجنرال للانتقال الى وطن افضل راح يتسرب اليهم شيء من الاحباط وخيبة الامل، مع تلاحق الانتكاسات. 
ويسجل للرئيس عون انه سارع الى الاتصال بوزير الداخلية نهاد المشنوق وابلاغه بضرورة فتح الطرقات سريعا والا سيطلب الاستعانة بالجيش، وعلى هذا الاساس عقد مجلس الامن المركزي بالتفاهم بين الرئيسين عون والحريري.
وحسنا فعل الرئيس نبيه بري بالتبروء من التحرك العبثي الذي حصل، والتنديد به، خصوصا ان هناك من افترض ان «انتفاضة» اصحاب الشاحنات تحظى بتغطية حركة امل، وانها تنطوي في «بطانتها» على «رسالة مشفرة» من الحركة الى اطراف اخرى، فاتى موقف بري ليدفع الى استبعاد هذا السيناريو من دون الغاء فرضية وجود رابط بين التحرك الاحتجاجي لسائقي الشاحنات ومصالح بعض النافذين من اصحاب الكسارات والمقالع التي جرى توقيفها عن العمل لافتقارها الى الترخيص القانوني. 
 

 طريق القانون


اما الطريق الى قانون الانتخاب، فلا تزال غير سالكة وغير أمنة، بفعل القنص السياسي المتواصل على المشاريع المطروحة والتي لم ينل اي منها بعد التوافق المطلوب.
وقد استدعى الاقتراب التدريجي من موعد جلسة التمديد في 15ايار تسارعا في وتيرة الاتصالات السياسية، التي كانت عين التينة محورها، حيث التقى الرئيس نبيه بري الرئيس سعد الحريري بحضور الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري، بعد لقاء بين خليل والوزير غازي العريضي.
وكان الحريري واضحا بعد اجتماعه مع بري في رفضه للتمديد والفراغ، مبديا انفتاحه على الطروحات الانتخابية المتداولة وداعيا الاطراف الاخرى الى تقديم تنازلات متبادلة للالتقاء حول مشروع مشترك.
ومن المؤكد ان موقف الحريري المعارض للتمديد سيخلط حسابات جلسة 15 ايار، وسينطوي على جرعة اضافية من الضغط في اتجاه محاولة ابتكار قانون انتخابي في ربع الساعة الاخير، قبل الخوض الاضطراري في الخيارات الصعبة.
في هذا الوقت، نقل زوار الرئيس عون تأكيده انه سيمشي بالقانون الذي تتوافق عليه القوى السياسية، وإن يكن شخصيا يفضل النسبية الكاملة وفق دوائر وسطى، باعتبارها تؤمن اوسع تمثيل ممكن.
والمح عون امام زواره بان لديه حلولا للحؤول دون وقوع الفراغ او التمديد، معتبرا ان موعد 15 ايار ليس بالضرورة الحد الزمني الفاصل، وان امكانية التفاهم على قانون تبقى قائمة حتى نهاية ولاية المجلس الحالي.
ويرفض عون مبدأ البحث في احتمال التمديد لولاية المجلس الحالي خارج الاطار التقني، على قاعدة ان مجرد القبول بمناقشة الخطة «ب» يعني السماح بسقوط الخطة «أ» وهي اجراء الانتخابات. ويعرب عون عن شعوره بان حلا سيولد، إما قبل منتصف ايار وإما بعده، لكن بالتاكيد قبل الوصول الى الفراغ في 20 حزيران المقبل.
ويستنتج من يلتقي رئيس الجمهورية انه حريص على محاكاة هموم الناس وتخصيص مساحة واسعة لاستقبال مجموعات منهم والاستماع الى مطالبهم.
 

 العقوبات الاميركية


وفيما ينشغل اللبنانيون بهمومهم الداخلية المتفرقة، يستمر الكونغرس في درس مسودة مشروع توسيع العقوبات الاميركية على حزب الله، وهو مشروع ستكون له مضاعفات وخيمة على اكثر من مستوى، إذا جرى اقراره بصيغته الحالية، بالنظر الى اتساعه وانفلاشه اللذين من شأنهما ان يسمحا لبنوده بان تغطي حيزا واسعا من الطائفة الشيعية.. وما بعدها. 
ويبدو واضحا ان هذه العقوبات، التي ستكون مؤلمة ومتمددة، ترمي الى إبعاد البيئة الحاضنة للحزب عنه، من خلال إشعارها بان الاستمرار في دعمه سيكون مكلفا لها.
ربما لا يقدّر البعض حتى الآن خطورة ما يحضر في كواليس الكونغرس، لكن العارفين بما يحاك في «المطبخ الاميركي» من «طبق مسموم»، بتحريض اسرائيلي، يدركون ان مفاعيله المباشرة وغير المباشرة لن تمر مرور الكرام، ولن تتمكن المعدة اللبنانية من هضمها بسهولة.
وحتى خصوم حزب الله الداخليين قد لا يكونون متحمسين كثيرا لهذه «الحمولة الزائدة» من العقوبات، لمعرفتهم بانها اخطر وادق من ان يتم استثمارها في اللعبة الداخلية. وهناك، في بعض الاوساط الدولية الواقعية، من يحاول ان ينصح واشنطن بالتروي وعدم الذهاب بعيدا في مجازفة العقوبات «الشاردة»، تجنبا للتداعيات المحتملة على اكثر من صعيد.
ويؤكد المتابعون لهذا الملف ان ايار هو شهر حاسم لجهة تحديد المحتوى النهائي للقانون، لافتين الانتباه الى ان امام الدولة اللبنانية فرصة زمنية محدودة لمحاولة لجم الاندفاعة الاميركية المتهورة، وبالتالي المطلوب من الآن وحتى نهاية ايار بذل اقصى الجهود الممكنة وتوظيف كل العلاقات وعناصر القوة للحؤول دون اصدار الكونغرس هذا القانون الفضفاض الذي من شأنه ان يضع كل مؤيد لحزب الله او لخط المقاومة تحت رحمة «المشرّع الاميركي».
ويوضح هؤلاء ان الرئيس عون هو من اشد المتحمسين لكبح جماح القانون المفترض، لافتين الانتباه الى انه يجري لهذا الغرض اتصالات في اتجاهات عدة.
ويشير المتابعون الى ان واشنطن يجب ان تأخذ بعين الاعتبار ان لدى لبنان العديد من الاوراق المؤثرة التي يمكن لمفاعيلها ان تهدد مصالح اقليمية ودولية، اذا تم تجاوز الخطوط الحمر في الصراع، ومن بين عوامل الضغط المضاد: ورقة الغاز والنفط، سلاح المقاومة، الجوار مع فلسطين المحتلة، حاجة الغرب لحماية الاستقرار الداخلي من أجل الابقاء على قرابة مليون ونصف مليون نازح سوري في «قاعة الانتظار» اللبنانية، بينما اي ضرب لهذا الستاتيكو المرهف سيدفع الكثيرين من النازحين التدفق نحو دول غربية. 
ويستغرب المواكبون لهذا الموضوع كيف ان الولايات المتحدة تستعد لاصدار قانون عقوبات جامح، بالتزامن مع مبادرتها الى وضع حجر اساس لبناء سفارة اميركية جديدة بكلفة مليار دولار تقريبا، إذ كيف يمكن اتخاذ قرار باستحداث سفارة خُصصت لها هذه الموازنة، في بيئة يُراد لها ان تكون غير مستقرة.
وفي سياق متصل، قالت مصادر دبلوماسية في بيروت، ان هناك قلقا من طبيعة العقوبات الجديدة المقترحة لانها فضفاضة، ولا تصيب حزب الله حصرا، بل تشمل البيئة الشيعية عموما، وقد تطال ايضا حلفاء له في البيئات الاخرى، لا سيما انها تمنح وزارة الخزانة الاميركية قدرا كبيرا من الاستنسابية في تحديد بنك الاهداف.
وتعرب المصادر عن قلقها من التداعيات التي يمكن ان تترتب على اجراء من هذا النوع، منبهة الى ان هذه العقوبات التي سترتب آثارا على الواقعين السياسي والاقتصادي في لبنان ربما تؤدي الى اهتزاز الاستقرار النسبي، ومحذرة من مخاطر محاولة العبث بهذا الاستقرار، في ظل وجود قرابة مليون ونصف مليون نازح سوري في لبنان.

 

 

الجمهورية :

شاحنات الكسارات شحنت الأجواء الداخلية، وحوّلت الشوارع، وخصوصاً عند مداخل العاصمة والطرقات الجبلية والرئيسية، الى معتقل واسع حبس المواطنين في سياراتهم لساعات، وتعرض بعضهم لاعتداءات وممارسات استفزازية من بعض المشاغبين من دون حسيب او رقيب، في مشهد ينثر عشرات علامات الاستفهام في الاجواء الداخلية، ويضعها برسم المعنيين. لعلهم يقدِّمون أجوبة تكشف خلفيات زحف الشاحنات الى الشوارع وهل تحركت بشكل عفوي ام انّ يداً خفية كبست زرّاً سريّاً في احدى الغرف السياسية المغلقة. ولهدف أبعد من قرار بوقف العمل بالكسارات لمدة شهر؟ وامّا الشاحنات الانتخابية، فتبدو بدورها معطلة وسط الشارع السياسي، وعند محطة الفشل في بلورة الصورة التي سيرسو عليها الاستحقاق النيابي. وفي هذه الاجواء يأتي اللقاء المسائي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي بدا واضحاً أنه غادر محور التمديد للمجلس، بما يُلقي على الفرقاء ضرورة الوصول الى قانون قبل جلسة التمديد في 15 ايار المقبل.

حتى ما قبل زيارة الحريري ليل أمس الى عين التينة ولقائه بري في حضور الوزير علي حسن خليل ومدير مكتبه نادر الحريري، كان الحدث الانتخابي قد فقد جاذبيّته وصار خبراً روتينياً وأقلّ من عادي، لا بل ثانوي، والحراك السياسي حول هذا الملف كان يراوح عند نقاط الاختلاف ذاتها على الصيغ المطروحة التي تتضارب بعضها ببعض، ولا جديد فيها سوى محاولة احياء صيغ قديمة فشلت في جذب الاطراف كلهم اليها. او عمليات تجميل تخضع لها بعض الصيغ تحت عناوين مختلفة.

على أنّ هذا اللقاء كسر جو الرتابة، الّا انه لم يعكس وجود تقدم نوعي على الخط الانتخابي، علماً انّ هذا اللقاء سبقه نهاراً لقاء بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل وكان البحث في الموضوع الانتخابي من زاوية المشروع التأهيلي الذي يتقاطع حوله موقف الحريري مع باسيل.

وبعد اللقاء مع بري قال الحريري: «أنا احاول تقريب وجهات النظر لنصل الى 15 ايار بحلّ. لا أحد يريد الفراغ أو التمديد، أنا لا اريده ولا الرئيس ميشال عون يريده ولا الرئيس بري... ولا أظن انّ الرئيس عون يريد أن يكون هناك فراغ في عهده أو أن يكون هناك تمديد، واذا حصل تمديد فهو تقني من أجل القانون الجديد، وبري لديه نظرة للقوانين وكذلك النائب وليد جنبلاط ويجب أن نتساعد من أجل هذا الموضوع».

واشار الحريري الى انه وافق على القانون التأهيلي «لأنني أريد حلاً. لقد وافقنا على معظم القوانين لأنني أرى أنه بنهاية المطاف يجب الموافقة على قانون».

وكرر الحريري: «أنا لا أريد تمديداً ولا فراغاً بل أريد الوصول الى حل مهما كلّف الامر، هناك حلول موضوعة على الطاولة وإن شاء الله سنصل اليها،
المطلوب مني تحقيق بعض المواقف، وأنا لن أمشي بالتمديد. وبموضوع القوانين الانتخابية أتمنى على الآخرين أن يفعلوا القليل من الذي فعلته، أنا وافقت على ما لم أكن سأوافق عليه لأنّ المواطن «طَفح قلبه» من كل هذه الامور، ويريد أن نحارب الفساد ونقرّ الموازنة».

وردا على سؤال أشار الحريري الى انّ مجلس الوزراء سينعقد الاسبوع المقبل وقال: «أنا لا أدعو الى جلسة لأنني أضغط على الجميع من أجل العمل على قانون الانتخاب، وأركّز العمل على ذلك».

مسار النقاش

الى ذلك، عرضت مصادر عاملة على الخط الانتخابي مجريات النقاشات الاخيرة حول هذا الملف. وقالت لـ«الجمهورية» في اللقاء الرباعي الاخير بين «امل» و«حزب الله» والتيار الوطني الحر والمستقبل بحث الملف الانتخابي وأعلن الحريري خلاله تأييده المشروع التأهيلي، وهو أمر فاجأ المجتمعين. كون هذه الموافقة جاءت بعد ايام قليلة على اعتراضه على هذا الامر.

واشارت المصادر الى ارتياح ممثل التيار الوطني الحر الى هذا الموقف، فيما لاحظ بعض المشاركين انّ موافقة الحريري جاءت بعد رفض الرئيس بري للتأهيلي، مع الاشارة الى انّ «حزب الله» كان أبلغ تأييده الصيغة التأهيلية منذ نحو شهر. كما تزامنت موافقة الحريري حسب ما لاحظوا، بعد اللقاء العاصف بين الحريري ووفد الحزب التقدمي الاشتراكي قبل ايام، والذي قالت المصادر انّ الوفد كان حاداً جداً في موقفه حيال ما يطرح من صيغ وبينها التأهيلي وصولاً الى حد التلويح بأنّ مثل هذا الامر يوصِل الى حرب أهلية.

واللافت للانتباه في هذا السياق، هو ما قاله الحريري أمس الاول امام عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض حيث أشار الحريري الى انسداد في الافق الانتخابي وانّ الامور مقفلة و»مش ماشية»، واصلاً الى خلاصة: انّ الحل لِما نحن فيه هو بالنسبية.

وذكّرت المصادر بأنّ احتمالات إعلان بري لمشروعه الذي أنجزه والقائم على اجراء الانتخابات على اساس النسبية في المحافظات الست هي قوية الآن اكثر من اي وقت مضى، علماً انّ موقف التيار الوطني الحر في هذه الصيغة جاء رفضاً لها من قبل باسيل. وقد لوحظ أمس إصرار بري على هذه الصيغة.

وبحسب المصادر فإنّ خروج الحريري من معسكر التمديد والانضمام الى معسكر عدم المشاركة بالتمديد يلقي «صعوبات» على الجلسة المقررة في 15 ايار ويجعل انعقادها في وضع حرج جداً.

وتوقعت المصادر ان يتمّ الوصول الى شيء ما ربما قبل 14 ايار، لكن ليس معلوما ًما اذا كان إقرار التأهيلي او النسبية او العودة الى الستين لأنّ الصورة حتى الآن يشوبها غموض شديد. وهناك مَن يلعب لعبة حافة الهاوية، خصوصاً تلك القوى التي تحوّل موقفها بين يوم وآخر.

وكشفت المصادر عن فكرة وصفتها بالخطيرة يتمّ تداولها في اوساط مؤيّدي التأهيلي تقوم على دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد في جلسة انتخابية يتم في خلالها التصويت بأكثرية الثلثين على المشروع التأهيلي رغم اعتراض بري والاشتراكي، علماً انّ خطورة هذه الفكرة هي اللجوء الى التصويت في موضوع حساس يتطلب توافقاً شاملاً حوله وليس توافقاً بأكثرية معينة ما قد يفتح الايام التالية على شتى الاحتمالات.

مرجع سياسي لـ«الجمهورية»

وفي موازاة الانسداد السياسي برز تحذير مرجع سياسي لـ«الجمهورية» من انّ استمرار الانسداد الانتخابي قد يدفع لبنان نحو التحول الى «الدولة الفاشلة»، خصوصاً انّ كل الوقائع الراهنة تشي بانسداد الافق والاستحقاق النيابي ليس متوافراً حتى الآن، الّا انّ الرهان يبقى على يقظة وطنية تمنع السقوط في الدولة الفارغة من المؤسسات والفاقدة لكل هيكليتها القانونية والدستورية.

وقال المرجع: لبنان بحاجة الى صدمة إيجابية تخرجه من الواقع التعطيلي المتفشّي فيه على كل المستويات ويهدّد بالمزيد من التعطيل والجمود. وهذه الصدمة لا شك انها مسؤولية مشتركة من كل القوى السياسية، فلا تنفع المكابرة ولا المزايدة ولا الاستعراضات على حساب الاولويات، إذ لا يمكن ان يتعافى البلد ابداً في ظل هذا الجو.

وحذّر المرجع من «أنّ الضرورات المحلية تتراكم على كل المستويات، وليس خافياً على الجميع، والسياسيين بالدرجة الاولى، انّ الهمّ الأمني ضاغط اكثر من ايّ وقت مضى، وعلى نحو يوجِب الارتقاء الى مستوى المسؤولية ونزع فتيله، والسبيل الامثل الى ذلك هو الترفّع عن كل الحسابات الشخصية وبالتالي الاصطفاف، ليس خلف المصالح الخاصة والكيديات، حول الوطن وحول كل ما يوحّد بين كل مكوّناته. وهذا يفرض أن يوضع كل شيء على الطاولة ومحاولة ابتداع الخيار الانتخابي الأنسب.

المستقبل لـ«الجمهورية»

وقالت مصادر المستقبل لـ«الجمهورية»: «انّ المشاورات الانتخابية تحقق نتائج، وجددت ثقتها وتأكيدها بأنّ الانتخابات النيابية «ستجري وفق قانون انتخابي جديد، وليس على أساس قانون الستين او حتى مع بعض التحسينات عليه».

وإذ جدّدت المصادر التأكيد على انّ «قانون الانتخاب هو الموضوع الاهم»، لفتت الانتباه الى أن «لا شيء يمنع مجلس الوزراء من الانعقاد والبحث في هذا القانون، اضافة الى البحث في شؤون الدولة والمواطنين». ولفتت الى «انّ التحضيرات لعقد جلسة هي متواصلة».

وعن عدم اجتماع اللجنة الوزارية اكتفت المصادر بالقول: «واضح انّ الكلام الآن لا يزال في مستوى القوى السياسية وليس على مستوى اللجنة».
واضافت المصادر انّ «رئيس الجمهورية يحذّر من الفراغ ونحن كذلك نحذّر منه والرئيس الحريري هو في موقع المسؤولية ولا يتعاطى مع المسائل بإحباط بل بمسؤولية وهو يعمل لمعالجة الامور».

«الكتائب»

وأكد مصدر كتائبي مسؤول انه «لو لم تكن الحكومة نفسها مستقيلة من مسؤولياتها لكنّا دعونا الى استقالتها. ولكن كيف ندعو حكومة مستقيلة من واجباتها الى الاستقالة»؟

وقال المصدر لـ«الجمهورية»: «حتى انّ البطريرك الراعي الذي لا يمكن لأحد أن يزايد على رغبته في الحفاظ على مصالح المسيحيين خصوصاً
واللبنانيين عموماً طفح الكيل عنده من السياسات المتّبعة ما اضطرّه للخروج عن صمته والحديث عن فشل الطبقة السياسية الحاكمة وعن ازدواجية في المواقف بين ما هو معلن وما هو مُضمَر.

فإذا كانت مرجعية وطنية بحجم بكركي المعروفة بابتعادها عن الاصطفافات باتت تجاهر بهذه القناعات، فكيف يمكن لحزب الكتائب أن يثق بأداء سلطة تتخلى عن الآليّات الدستورية وتستقيل من مسؤولياتها الوطنية وتمتنع عن عقد اجتماع لمجلس الوزراء وحتى عن دعوة اللجنة الوزارية المصغّرة التي شكّلوها بأنفسهم للبحث في قانون الانتخاب؟.

واعتبر المصدر ان «لا جدية عند ايّ من الاطراف الذين يقولون إنهم يعملون لقانون انتخاب جديد ولانتخابات نيابية، وان لا مجال للثقة بهم طالما بقي الملف خارج طاولة مجلس الوزراء وقاعات مجلس النواب».

واضاف: «غياب الثقة لم يعد محصوراً بالكتائب ولكنّ شريحة واسعة من الرأي العام اللبناني باتت مقتنعة بأنّ ما يجري هو مجرد مناورات ومسرحيات لتمرير الوقت وفرض أمر واقع على شكل تمديد، او الإبقاء على قانون الستين».

شاحنات الكسارات

وعَلق اللبنانيون صباح امس لساعات في سياراتهم بعدما لجأ اصحاب الشاحنات الى قطع الطرقات في عدد من المناطق احتجاجاً على قرار وزارة الداخلية وقف أعمال المرامل والكسارات.

ويثير هذا التحرك الذي تزامن مع تحركات مماثلة شهدها لبنان هذا الاسبوع، سؤالاً عن سرّ هذه الاستفاقة المفاجئة لمجموعة قضايا مطلبية دفعة واحدة وخلفياتها واهدافها، في وقت يعيش البلد اكثر لحظاته إرباكاً واختلافاً حول ملف انتخابي تتزايد عُقده يوماً بعد يوم.

حيث طَفت الى السطح في الايام الأخيرة: قضية المياومين، إحتجاجات مستخدمي برنامج الرصد السكاني، إعتصامات وتظاهرات مستخدمي الضمان الاجتماعي بالتنسيق مع الاتحاد العمالي العام، إعتراضات مزارعي التفاح النازلين الى الشارع اليوم...

ولم تستبعد مصادر سياسية مراقبة ان يكون تعاطي السلطات الرسمية مع إقدام سائقي الشاحنات على قطع الطرقات إشارة سياسية على علاقة باستيعاب ايّ تحركات مستقبلية كردة فِعل على التمديد او الابقاء على قانون الستين.

ولفتت الى انّ الرئيس عون الذي أبدى دعمه لقرارات مجلس الامن المركزي بفتح الطرقات ومنع إقفالها مستقبلاً ولو اقتضت الامور طلب مؤازرة الجيش سيجد حرجاً في دعوة مناصريه لقطع الطرقات لمنع انعقاد جلسة التمديد للمجلس النيابي.

واشارت الى انّ قرار وزير العدل الطلب من النيابة العامة التمييزية ملاحقة مطوّقي وزارتي الطاقة والشؤون الاجتماعية ومانعي الوزيرين من الدخول والخروج من وزارتيهما لا بدّ ان ينسحب على من يحاول منع النواب من الوصول الى المجلس للمشاركة في جلسة التمديد.

واكدت المصادر انّ ردات الفعل الشعبية المشمئزة والرافضة لقطع الطرقات شكّلت رسالة الى الثنائي المسيحي الذي سيكون في مواجهة الرأي العام في حال تقرّر التظاهر وقطع الطرقات.

وكان اصحاب الشاحنات قد أغلقوا العديد من الطرقات الرئيسية وكأنها خطة مدروسة لتطويق لبنان منذ ساعات الصباح الاولى. واندلعت اعمال شغب حيث تمّ تحطيم بعض السيارات على طريق المطار، حاول أصحابها الاعتراض على قرار إقفال الطرقات، وما لبثت شعبة المعلومات ان أعلنت عن إلقائها القبض على مفتعل الإشكال الذي وقع صباحاً في محلّة الكوستا برافا.

أمّا الطرقات التي قطعت أمس فكانت طريق عام ترشيش - زحلة، اوتوستراد الزهراني، ضهر البيدر، اوتوستراد الصفرا واوتوستراد الاوزاعي.
وفي اعقاب مناشدات المواطنين عقد اجتماع طارىء لمجلس الأمن المركزي في وزارة الداخلية، تقرّر على أثره الطلب إلى القوى العسكرية والأمنية المباشرة من صباح اليوم اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لمنع إقفال الطرقات الدولية وتأمين حرية تَنقّل المواطنين وسلامتهم ومنع إقفال أي طريق دولية مهما كانت الأسباب.

ومع تفاعل هذا الملف، أعلنت أكثر من جهة عدم علاقتها بهذا التحرك، فأكد المكتب العمالي في حركة «أمل» إدانته أسلوب قطع الطرق الذي ينتهجه بعض أصحاب الشاحنات، ودعاهم الى اللجوء الى أساليب المطالبة المشروعة التي لا تسبّب ضرراً للمواطنين

 

 

الاخبار :

طالما أن القوى السياسية لم تتفق على قانون جديد للانتخابات، فإن كل الطرق تؤدي إلى «الستين»، ومن بينها طريق الرئيس سعد الحريري الذي مرّ أمس بعين التينة، ليبلغ الرئيس نبيه بري موقفه الرافض للتمديد. أعلن الحريري «تكويعته» الجديدة بعدما كان أول المطالبين بتأجيل الانتخابات لعام واحد.

وحاول تصوير نفسه ممسكاً بالعصا من وسطها: ضد التمديد، ولن يسير في أي قانون غير متوافق عليه. يريد القول إنه أعطى رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر رفض التمديد، وطمأن الرئيس بري إلى أنه لن يسير بقانون لا يوافق عليه الأخير. لكن هذه «التكويعة» لا تقدّم ولا تؤخر، إذا ما قيست بميزان استقرار البلاد. صحيح أن موقف الحريري، إذا تطوّر إلى رفض المشاركة في جلسة 15 أيار، سيمنع حصول التمديد (إذا شاركت كتلته وصوّتت ضد التمديد، يمر قانون التمديد بأكثرية الحاضرين). لكن ذلك لا يمنع حصول الأزمة الكبرى، الآتية حتماً، إذا لم يحصل الاتفاق على قانون جديد. فبديل التمديد ليس سوى الفراغ. والفراغ يعني العودة إلى «الستين»، ولو بعد حين.


 

 

والأمر هنا لم يعد متصلاً بعودة «إكراهية»، بل تبدو عودة طوعية بعد موقف رئيس الجمهورية أول من أمس، الذي أسقط «لاء الستين» من لاءاته الثلاث: لا للتمديد، لا فراغ، لا للستين.
الحريري بعد لقائه بري قال: «لا أريد التمديد ولا الفراغ، بل أريد أن أصل إلى حل مهما كلف ذلك». وأضاف: «وافقت على ما كنت لا أوافق عليه أبداً، ليس لأن لدي مصلحة سياسية به، بل لأنني أرى أننا بحاجة إلى حل سياسي». وعما إذا كان سيحضر جلسة 15 أيار، أجاب: «هل وصلنا إلى 15 أيار؟ أي شيء يمكن أن يعطي إشارة سلبية لن أتكلم به. لدي قناعة بأننا قادرون على أن نصل، شرط أن يتنازل كل منا للآخر». وأضاف: «قد تكون هناك قوانين يوجد فيها طائفية مثل قانون التأهيل، وقد أكون وافقت عليه لأنني أريد حلاً. وهناك أيضاً قانون مجلس الشيوخ، وكذلك القانون النسبي على أساس 10 دوائر أو ست أو خمس أو دائرة واحدة أو غيرها. وافقنا على معظم القوانين لأنني أرى أنه في نهاية المطاف علينا أن نوافق على قانون انتخاب». وعن أسباب عدم انعقاد مجلس الوزراء، قال: «لا أحد يستطيع منعي من ذلك. باستطاعتي أن أعقد جلسة غداً أو بعد غد. لكنني أقوم بالضغط على الجميع من أجل العمل على قانون انتخاب».
وسألت «الأخبار» وزير الداخلية نهاد المشنوق عن رأيه بموقف الحريري، فامتنع عن التعليق.
من جهة أخرى، علمت «الأخبار» أن الرئيس ميشال عون وضع قيادة التيار الوطني الحر في صورة موقفه أول من أمس قبل إصداره، «لأنّه يستشعر خطر فرض التمديد وعدم وجود رغبة في الاتفاق على قانون». لكنّ التيار لم يكن يتوقع أن يتخذ عون موقفه بهذه السرعة، «وفي هذه الظروف، ونحن نقاتل من أجل فرض قانون جديد، وكانت هناك إمكانية جديّة لذلك. ولا يزال لدينا الوقت». وبعد سلسلة اتصالات بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، أمس وأول من أمس، تقرّر رفع السقف وإعادة توجيه البوصلة نحو المطالبة بالإسراع في إقرار قانون جديد، لكون «الستين تمديداً مُموهاً».
ويعي التيار أنّ كلّ القوى تتجنب فتح سجالٍ معه، «عبر الإيحاء بأنّها موافقة على مشاريع القوانين التي قدّمناها، مع وجود ملاحظات لديها حول الصيغ. هذا الأمر دفع في كلّ مرة إلى اعتبار أنّ الاتفاق بات قريباً، وأنّ كل الملاحظات قابلة للأخذ في الاعتبار. قد يكون ذلك نتيجة سوء تقدير، أو لأنّ كلّ طرف كان يفاوض وفق أمنياته». وترى مصادر التيار أنها لم تصل بعد إلى درجة نعي الطرح التأهيلي، «ولكن أصبحت هناك قناعة أكثر بأنّ الآخرين لن يقبلوا به. لذلك، فتح رئيس التيار الوزير جبران باسيل الباب أول من أمس بالقول إنّ التيار لا يتمسك بأي طرح».
بدوره، قال مصدر قواتي رسمي لـ«الأخبار» «إن القوات ترفض رفضاً قاطعاً العودة إلى الستين، وهي تعرف من خلال الاتصالات مع رئيس الجمهورية والوزير باسيل أن هذا القانون غير مطروح لا من قريب أو بعيد». وأضاف أن «الهدف من تجدد الكلام عن الستين ضرب اللحظة الحالية والاندفاعة بعدما بدأ المسار الجدي يأخذ طريقه لإقرار قانون جديد قبل ١٥ أيار». وتقول مصادر القوات إن «إبلاغ الرئيس الحريري المعنيين بأنه لن يُشارك في جلسة التمديد يعني أنّ جلسة التمديد سقطت». وترفض المصادر اتهام القوات بمعارضة التأهيلي «فنحن قدمنا ملاحظاتنا الرافضة تأهيل ثلاثة مرشحين من المرحلة الأولى، وإسقاط العشرة في المئة للتأهيل، وأن يكون الصوت التفضيلي في القضاء وليس الدائرة، ولا تكون النسبية على عشر دوائر. معظم هذه الملاحظات جرى العمل بها». أما موقف البطريرك الراعي «فقد حُمّل أكثر مما يحمل. تواصلنا معه وأبلغناه أنّ الخيار هو مواصلة الضغط من أجل إقرار قانون جديد وليس إعطاء فرصة للبعض للسير بالستين، وسيّدنا موافق معنا».
في المقابل، أكد الوزير جان أوغاسابيان في حديث إلى إذاعة صوت لبنان ــ الأشرفية، أن «هناك بحثاً جدياً في قانون الستين». وقال النائب عمار حوري إنه «وفق الدستور يجب إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ. وإذا تم الاتفاق على قانون جديد، فإنه يُعدّل قانون الستين. أما رفض إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ من دون الاتفاق على قانون جديد، فيضر بالبلد». وشدد على أن «الفراغ خط أحمر، لأنه قد يأخذنا إلى أمرين: إما تطبيق قانون الستين أو الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي، حينها سيعضّ الكثيرون أصابعهم ندامة».
من جهته، جدّد الرئيس بري، القول: «إننا لا نريد التمديد، لكننا نريد أيضاً أن نحمي البلد والمؤسسات الدستورية من السقوط والانهيار، وسعينا وما زلنا نسعى لإقرار قانون جديد». ونقل النواب بعد لقاء الأربعاء عن بري أنه «ليس مع اقتراح التأهيل الذي طُرح أخيراً، وأنه أعدّ أكثر من صيغة للنقاش، منها الصيغة المستمدة من الدستور التي ترمي إلى انتخاب مجلس نيابي على أساس النسبية وإنشاء مجلس للشيوخ». وأوضح «أنّ جلسة 15 أيار هي لتفادي الفراغ القاتل، آملاً أن تتوصل الاتصالات والجهود المبذولة إلى الاتفاق على قانون».
في سياق آخر، برز أمس موقف لوزير الدفاع يعقوب الصراف، إذ قال: «أنا لست وديعة أحد، وأنا ملتزم خطّ حزب الله». وفي مقابلة على قناة «أم تي في»، قال الصرّاف: «الجميل في علاقة الرئيس عون وحزب الله وجود ثقة كاملة وثابتة». وقال: «القانون الذي لا ينتخب الرئيس سليم الحص نائباً قانون خاطئ حكماً»، مشيراً إلى أنّ «الستين تمديد مقنّع. والتمديد ليس صحّياً للنظام أو للديمقراطية». ورأى أنّ «القانون النسبي المطلق هو الباب الذهبي إلى الديمقراطية». وعن تسليح الجيش، رأى وزير الدفاع أنّه «يجب أن نكرّس موازنة كاملة لتجهيز الجيش، كما يجب البدء بتنفيذ الخطة الخمسية لدعمه». وأضاف: «الغطاء العسكري موجود إذا دعم الجيش بكل التجهيزات اللازمة».

 

 

البلد :

هل بلغت ظاهرة قطع الطرق حدود انكشاف قوى سياسية وحزبية تغذيها لتوجيه رسائل سياسية معينة الى من يعنيهم االمر في الملف االنتخابي الساخن، وهل ان بروز معطيات جديدة ّ م االنعطافة المفاجئة نحو الشارع لتحريكه على المحور نفسه حت في وجه العهد وأربابه؟ السؤال بدأ يطرح على نطاق واسع في ظل تزامن موجة قطع الطرق مع اخفاق كل المساعي المبذولة على خط البحث عن قانون االنتخاب ووصوله الى ذروة التأزم كما اظهرت معطيات الساعات االخيرة، على وقع تآكل المهلة الفاصلة عن 15 ايار. واذا كان البريد السياسي الساخن يعكس حدة الكباش االنتخابي، فإن قرار الحسم الرئاسي بمنع استخدام الشارع صندوق بريد يبدو حاسما، وف�ق ما تبين من ايعاز رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى وزير الداخلية نهاد المشنوق اتخاذ ما يلزم من اجراءات لفتح الطرق مهما كلف االمر، ومسارعة المشنوق الى دعوة اصحاب الشاحنات الى »فتح الطرق في كل لبنان خالل ساعة، وإال سأضطر إلى استعمال القوة«، وبعدها انعقاد مجلس االمن المركزي الذي قال وزير الداخلية اثره »اننا بحثنا في مسألة حماية السلم االهلي ومنع اقفال الطرقات وضرورة بحث مسألة المقالع والكسارات في مجلس الوزراء«. اما رئيس مجلس النواب نبيه بري فأبدى استياءه مما جرى ً وضد الناس«، وطلب من »حركة امل« ً مستنكرا واعتبره »عمال ّر عن هذا الموقف، فأشار المكتب العمالي إصدار بيانات تعب للحركة الى عدم ممارسة أسلوب قاطعي الطرق لتحصيل الحقوق واللجوء إلى أساليب المطالبة المشروعة التي ال تسبب ضررا للمواطنين. وكان مسلسل قطع الطرقات الحيوية التي يسلكها المواطنون يوميا، من قبل اصحاب الشاحنات، استؤنف صباح امس في مختلف مراكز الشرايين الحيوية المؤدية الى العاصمة شماال وجنوبا وبقاعا احتجاجا على قرار وزير الداخلية وقف العمل ّب زحمة خانقة، ما لبثت بالمرامل والكسارات غير الشرعية ما سب ان تطورت، في بعض األحيان، إلى إشكاالت مع المواطنين. اما على الضفة االنتخابية وعلى رغم التخبط الحاصل، فأبدت مصادر موالية تفاؤال »انتخابيا« بتحقيق اتفاق في ربع الساعة االخير يفرج عن القانون المنتظر، على غرار االتفاق الذي سمح باجراء االنتخابات الرئاسية، مستشهدة في هذا السياق بالموقف الذي أطلقه وزير الثقافة غطاس خوري امس خالل تمثيله رئيس الحكومة سعد الحريري في افتتاح منتدى Bifex 2017 حيث اكد ان »الرئيس الحريري منكب على إنجاز قانون لالنتخاب قبل 15 أيار وسننجز هذه التسوية«. وجدد الرئيس نبيه بري قوله انه ليس مع إقتراح التأهيل، ّ اكثر من صيغة للنقاش منها الصيغة المستمدة من وإنه اعد الدستور والتي ترمي الى إنتخاب مجلس نيابي على اساس النسبية وإنشاء مجلس للشيوخ .