بلغ حد التدخل الأجنبي في منطقتنا العربية حدا متقدما بحيث يمكن ان نكلق عليه عودة الاستعمار خصوصا من روسيا والولايات المتحدة وبات الشارع العربي منقسما بين استعمارين ما دامت حال العرب بهذا السوء فأي الاستعمارين أفضل لنا ؟
 


أولاً: الاستعمار القديم...
يُطلق عادةً لفظ الاستعمار على القوى الرأسمالية الغربية التي كرّست نمط الإنتاج الرأسمالي، والذي ولّدته الثورة الصناعية في أوروبا، هذه الثورة التي انطلقت مزهوة بما أنجزته في ميادين العلوم والتقنيات والإنتاج، مُتظافرة مع إبداعات الفكر والفلسفة وعلوم المجتمع والإنسان، حتى أن هذا النموذج كان قد خلب ألباب الجميع بما فيهم المتنورين الشرقيّين أمثال الطهطاوي والشدياق والمراش والنجار وغيرهم، وذلك منذ أواسط القرن الماضي، وهذه الثورة الصناعية التي سعت وراء الأسواق في العالم "المتخلف" قامت بكل ما يلزم من عمليات نهبٍ وتدمير لهذا العالم الذي غزتهُ وحطّت رحالها فوق أرضه. وخابت آمال المتفائلين بخيرات الرأسمالية الوافدة في المستعمرات، ذلك أنّ ما عمّمتهُ الرأسمالية لم يكن عبارة عن علاقات رأسمالية أو شبه رأسمالية، وكل ما خلّفته بعد عمليات النهب والتّشويه انهيارات مرعبة في أنماط الحياة التقليدية، والقضاء على تقنيات كانت ما تزال على علاّتها مُتّبعة وفاعلة منذ أجيالٍ وقرون.

إقرأ أيضا : شتّان بين دعوة الصدر لاستقالة الأسد ومُضيّ حزب الله في دعمه


في  ظل هذه العملية الاستعمارية (والتي حلّت في بلادنا لأكثر من نصف قرن) تولّدت أنماط من العيش هجينة ومرتبكة ومتضعضعة .
ثانياً: الاستعمار الانكليزي والفرنسي...
بعد جلاء غبار الحرب الأولى ووضع بلاد المشرق العربي تحت سلطة الانتدابين البريطاني والفرنسي، دامت هذه العملية عدة عقود، وآذنت الحرب العالمية الثانية بانتهائها ،دخلت البلاد العربية مرحلة الاستقلال الوطني، وقيام عدة أشكال من أنظمة الحكم الاستبدادي، والتي للأسف لم تقم بما يلزم من برامج للتنمية البشرية والإنتاجية، لا بل أدخلت هذه البلاد في أزمات خانقة وصراعات أهلية تتناسل من بعضها، وسدّت آفاق التغيير الديمقراطي، وارست أسوأ أنواع القمع والتدمير للقوى الذاتية، وإذ هلّت آفاق الثورة ضد الاستبداد منذ حوالي سبع سنوات، بات التدخل الإقليمي والدولي سافراً في طول العالم العربي وعرضه، ونمت حركات أصولية تحمل في حناياها كل أسباب العنف والتدمير والتخلّف ، مما عزّز فرص التدخلات الإقليمية والدولية، ومع تفاقم الصراع على أرض سوريا، ودخول العامل الروسي دخولا عسكرياً أدهش الجميع، وإذ تعاملت الإدارة الأميركية السابقة معه باستخفاف وتهاون، هاهي الإدارة الحالية تدخل بقوتها العسكرية الجبارة، وتترك أمم العرب الممزّقة والمضطربة تحار في معرفة أيّهما أرفق بنا وأفضل لنا: الاستعمار الروسي أو الأميركي، ومع وجود الأتراك والفُرس (ناهيك عن الحضور الإسرائيلي الدائم) بتنا بحاجة إلى شرطي أممي كي يُنظّم سير الجيوش وفقاً لأفضلية مرورها نحو بلادنا السائبة، بلادنا التي تنزف من المحيط إلى الخليج، وشعوبها لا تملك سوى دفن من قضى والترحُّم عليه، والاسف على من ينتظر، علّه يقوى في يوم من الأيام على التبديل والتغيير.

إقرأ أيضا : الكلام الموزون .. في مذبحة خان شيخون