لم تكن مستغرَبة سرقة فرحِ الأطفال في مصر، يوم الشعانين، وتحويله مرحلةً أولى من درب الآلام. فـ»داعش» عدوّة للفرح بما هو مظهر سلام مع النفس ومع الآخرين، أي بما هو مظهر حضاري. ألم تقُم «داعش»، في عيد الفطر الأخير، باستهداف أعزّ ما يعزّه المسلمون، المسجد النبوي وقبر الرسول في المدينة المنوّرة؟ أوَليست هي نفسُها التي تقود الشاحنات لدهسِ الأطفال الأبرياء الذاهبين إلى مدارسهم في ألمانيا وفرنسا والسويد، وسواها من أوروبا «المسيحية»؟
 

أوّل المصابين بدمار «داعش» هم أهل السنّة من العرب، ثمّ يليهم الشيعة والمسيحيون والأزيديون والأكراد. ومنذ 5 سنوات، تصبّ «داعش» حقدها على كلّ الناس، لكنّها لا تجد علّةً في إسرائيل مثلاً. الأقباط مثلاً بالنسبة إليها متآمرون على الإسلام... وأمّا إسرائيل فهي تحافظ على المقدّسات الإسلامية في فلسطين.

ولذلك، لم تكلّف «داعش» نفسَها أيّ انتحاري يتوجَّه صوب المسجد الأقصى وقبّة الصخرة في القدس. ولا مأخذ لديها على بنيامين نتنياهو الذي أمرَ بتوسيع غير مسبوق لرقعة المستوطنات.

المشكلة أنّ العرب أنفسَهم، وأنّ مسلمي العرب الذين يسمّون أنفسَهم «معتدلين»، لا يفعلون شيئاً لفضحِ «داعش»، ولا يواجهونها في عمقِ فكرها المظلم، دفاعاً عن سماحة الإسلام. ولعلّ الأخطر هو اكتفاء هؤلاء بالقول إنّ «داعش» تتآمر على الإسلام وتشوّه صورته، من دون الدخول في عمق فكر «داعش» وكشفِ كيف تقوم «داعش» بتزوير حقيقة النص في الإسلام.

إذا كانت هناك عقول استخبارية تُحرِّك «داعش»، تحت الغطاء المزوّر من المشروعية الإسلامية، فلماذا يسكتُ المعنيون في الإسلام عن الحقّ ويهربون من مسؤوليتهم الفقهية في فضحِها، ومتى يأتي اليوم الذي يقولون فيه: إنّها ليست إسلامية ولا فكرها إسلامي!

وإذا لم تكن «داعش» تمتُّ إلى الإسلام بصِلة إلّا الشعارات التي ترفعها مطيّةً لأعمالها، وإذا كانت مجرّد وكالة استخبارية مساهمة، أو بندقية برسمِ الإيجار، تمَّ خلقُها لضربِ المسلمين والعرب، فلماذا لا يستجيب العديد من المراجع المحترمة لدعوات التحديث، كمِثل الدعوات التي وجّهها الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إلى الأزهر لتحديث الخطاب الإسلامي، إلّا بنسبٍ متواضعة وبطيئة، فيما دينامية «داعش» بسرعة البارود؟

دعا السيسي، في خطاب تعمَّد إلقاءَه في جامعة الأزهر، إلى ثورةٍ إصلاحية في الإسلام، فـ»لا يمكن أن يكون هذا الفكر الديني المقدّس، المتضمّن نصوصاً وأفكاراً تمّ تقديسُها منذ مئات السنين». وقال إنّ هذا ما يؤدي عملياً إلى تنقية الدين الحنيف من المفاهيم التي أُلصِقت به، ومنها العنف. لكنّ الردّ جاء من شيخ الأزهر أحمد الطيِّب: كلّ دعوة إلى الثورة والإصلاح الديني خبيثة وخطرة.

على هذا المنوال، تبدو «داعش» قادرةً على استكمال نهجها التدميري للحضارة العربية والإسلامية، مستفيدةً من تَراخي العديد من المرجعيات الإسلامية الكبرى. وكثيرون باتوا يعتقدون أنّ «الاعتدال الإسلامي» يَقبل لنفسه أن يكون ضحية «داعش» وأن لا يتصدّى لها إلّا لفظياً وبالشكل.

لا يعرف أحدٌ ما هو الثأر الذي تسعى إليه «داعش» من أقباط مصر المتمسّكين بوطنيتهم والقضايا القومية، ولا سيّما فلسطين، أكثر بكثير من معظم مسلمي العرب المتشَدّقين زيفاً بالوطنية والقومية ومواجهة إسرائيل.

ولا يَعرف أحد لماذا تصبّ «داعش» حِقدها على أوروبا المسيحية، الكاثوليكية خصوصاً، وهي المعروفة بكونها الأقربَ إلى قضايا العرب العادلة، والفاتيكان على رأسها. وفيما الرعايا المسلمون من عرب وغير عرب، الهاربون من مجتمعات الفقر والظلم والجهل، يَحظون فيها بكلّ حقوق الإنسان والمواطن.

يقال إنّ أسُسَ «داعش» العقيدية ليست هشّة لأنّها تقوم على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، أي على ركائز الدين الحقيقية. فإذا كان تفسيرها للنصوص مشبوهاً، لماذا لا تقوم المراجع الدينية بواجب التصويب، فيما هي تقيم الدنيا وتُقعدها احتجاجاً على رسمٍ كاريكاتوري مسيء في الغرب؟

يجب أن يكون هناك جواب عن هذا السؤال، لئلّا يستمرّ ما يُسوّقه بعض أعداء الإسلام، ومفادُه أنّ هؤلاء الفقهاء عاجزون عن نقضِ تفسيرات «داعش» لأنّها صحيحة. وبالتأكيد، هذه مقولة كاذبة، لكنّ فقهاء الإسلام يساهمون في تكريسها بسكوتهم. وعليهم ألّا يطبّقوا على أنفسهم أنّ «الساكت عن الحقّ شيطان أخرس».