إنقسام الشعب اللبناني حول الضربة الاميركية في سوريا بين مؤيد ومعارض وهو يعيش في أسوأ حالاته

 

النهار :

في تصعيد حاد للدور العسكري الأميركي في سوريا، أطلقت سفينتان حربيتان أميركيتان 59 صاروخ "توماهوك" من شرق البحر المتوسط على قاعدة الشعيرات في محافظة حمص، التي انطلقت منها الطائرة التي شنّت الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب الثلثاء. ويشكل هذا التطور تخلياً عن السياسة التي كانت تتبعها واشنطن طوال ست سنوات من الأزمة السورية، ذلك انها المرة التي الأولى توجه ضربة عسكرية اميركية مباشرة الى القوات النظامية السورية التي تتلقى دعماً روسيا وايرانياً.

 

ووجّه الرئيس الاميركي دونالد ترامب خطاباً الى الأمة من منزله في فلوريدا بعد بدء الضربة، وصف فيه الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "الديكتاتور". وقال "باستخدام غاز الأعصاب القاتل، انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة". وأكد أن "من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الاسلحة الكيميائية القاتلة".
وتردّد صدى الضربة الأميركية في موسكو التي سارعت الى اعلان عن عزمها على تعزيز الدفاعات الجوية السورية، وقطعت الخط الساخن الذي كانت أقامته مع القوات الاميركية لتفادي الحوادث العرضية فوق الأراضي السورية، وقال رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف ان الهجوم الاميركي كاد يؤدي الى اشتباك مع القوات الروسية. وشهدت أجواء جلسة مجلس الامن التي انعقدت بطلب من موسكو، تشنجاً واضحاً بين مندوب روسيا ومندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا.
وعبّر حلفاء الولايات المتحدة حول العالم عن دعمهم للضربات الصاروخية الأميركية ووصفوها بأنها رد فعل يتناسب مع استخدام سوريا المشتبه فيه لأسلحة كيميائية. ورحّبت السعودية وقطر والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة بالضربات، فيما حضّت مصر الولايات المتحدة وروسيا على احتواء التوتر الناجم عن الأزمة السورية.
وأكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو دعم اسرائيل "الكامل" للضربات الاميركية، معتبراً أنها "رسالة قوية" يجب أن تسمعها ايران وكوريا الشمالية أيضاً. ووصفت تركيا الضربات بأنها "إيجابية لكنها غير كافية". أما طهران فنددت بالهجوم "المدمر والخطير".
وقال مسؤولون اميركيون إن القصف ألحق "أضراراً كبيرة" بالمطار و"دمّر طائرات" وبنية تحتية، ما من شأنه أن "يقلل قدرة الحكومة السورية على شن ضربات".
لكن "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له أفاد أن حجم الأضرار التي لحقت بقاعدة الشعيرات غير واضح تماماً، إلا أن الطائرات الحربية السورية "فعلت المستحيل" من أجل مواصلة استخدامه في طلعات جوية. وأوضح أن "طائرتين عسكريتين اقلعتا من داخل مطار الشعيرات الذي عاد الى الخدمة جزئياً وشنتا غارات على ريف تدمر". وقال إن ثمانية أشخاص قتلوا في الهجوم الأميركي.
وأصدرت الرئاسة السورية بياناً الضربات الاميركية تصرف "أرعن غير مسؤول"، فيما رحب بها "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وفصائل مقاتلة، ودعا المعارضون الى استمرارها ضد نظام الأسد.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها استدعت الملحق العسكري الاميركي في موسكو وسلّمته رسمياً مذكرة تنص على تعليق الاتفاق بعدما أبلغت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وقف قنوات التواصل في الحالات الطارئة حول سوريا.

 

من "ساعد" دمشق؟
وصرح مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الجيش الاميركي يشتبه في أن النظام السوري تلقى "مساعدة" في الهجوم الكيميائي من دون الذهاب الى اتهام روسيا.
وقال إن "الروس فشلوا على الأقل في السيطرة على نشاط" شريكهم السوري، مشيراً إلى وجود الروس في القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرات السورية التي شنت الهجوم.
وأضاف: "لا نستطيع معرفة الدور الذي قام به الروس. ولكن إذا كانت هناك أدلة أو اتهام تحظى بصدقية، فإننا سنستخلص النتائج قدر امكاناتنا".
وتقدر وزارة الدفاع الاميركية أن لدى الروس ما بين 12 و100 عسكري في قاعدة الشعيرات الجوية.
وقال مصدر عسكري سوري إن الجيش تبلّغ الضربات الأميركية قبل وقوعها واتخذ تدابير وقائية بنقل طائرات من المطار المستهدف.

مجلس الامن
وحاول المجتمع الديبلوماسي الدولي التقاط أنفاسه غداة الضربات الصاروخية الاميركية، مع تحذير المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي مجدداً من أن بلادها مستعدة لتنفيذ مزيد من الضربات كلما استخدمت القوات النظامية الأسلحة الكيميائية.
وورد التحذير الجديد لهايلي في سياق جلسة علنية لمجلس الأمن انعقدت بطلب من بوليفيا، حليفة روسيا، لمناقشة الأوضاع في سوريا بعد الضربة العسكرية الأميركية. وعرض المندوبون الدائمون وممثلو الدول الـ15 الأعضاء في المجلس مواقف بلادهم خلال الجلسة. واعتبر أكثرهم أن أبواب التصعيد العسكري الكبير ما كانت لتنفتح لو تمكن المجتمع الدولي من اتخاذ مواقف جماعية موحدة للجم الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من ست سنوات. وعلى رغم الإنقسامات العميقة، أظهرت الجلسة أن أخطار الأزمة في سوريا على الأمن والسلم الدوليين ارتقت الى مستويات قياسية.
واستهلت الجلسة بإحاطة من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للشؤون السياسية جيفري فيلتمان الذي حضّ مجلس الأمن على الوحدة لتوجيه "رسالة جماعية قوية مفادها عدم التسامح مع أي استخدام للأسلحة الكيميائية وأن ذلك ستكون له عواقب"، مطالباً بأن "تكون حماية المدنيين والمساءلة على رأس أجندة السلم والأمن".
وأعلن المندوبان الفرنسي والبريطاني تأييدهما للضربات.
بيد أن المندوب الصيني ليو جيي الذي تجنب التنديد أو التأييد للضربات الأميركية، دعا الى "مواصلة الجهود والتمسّك بالحل السياسي للأزمة".
وحمّل نائب المندوب الروسي فلاديمير سافرونكوف واشنطن تبعات "عدوانها المخالف للقانون الدولي"، واصفاً إياه بأنه "عمل غير قانوني وانتهاك صارخ للقانون الدولي واعتداء على دولة ذات سيادة". وقال إن "عواقب ذلك الأمر على السلم والاستقرار الإقليميين قد تكون خطيرة للغاية".

 

 

المستقبل :

على مدى يومين متتاليين سمع خلالهما اللبنانيون سيلاً من العناوين والشعارات والمداخلات التي تحاكي الذود عن مصالحهم والدفاع عن الصالح العام، نجحت «ثلاثية المساءلة» النيابية في إعادة ضخّ الدم في عروق الحياة الديموقراطية مع ما جسدته من مضاد حيوي للفراغ المؤسساتي الذي تناسل فساداً وهدراً وتآكلاً في بنية الدولة ومقدراتها طيلة المرحلة السابقة على ولادة العهد الجديد. وإذا كان مجرد شكل انعقاد المجلس النيابي لمساءلة الحكومة الوليدة عن إنجازاتها وإخفاقاتها على مدى الشهور الثلاثة الأولى من عمرها نجح بحد ذاته في المساعدة على تكريس صورة «استعادة الثقة» بدولة القانون والمؤسسات، فإنّ أداء الحكومة والصلابة التي برزت في وحدة موقفها ومتانة منطقها مكّناها شكلاً ومضموناً من اجتياز الاختبار بنجاح بيّن أمام الرأي العام سيّما في ظل ما أظهرته من حُسن تدبير وتحضير للمساءلة النيابية، بشكل بدت معه حريصة على ثقة المجلس وجديرة بها، متمكنة من الردّ بجواب علمي وعملي على كل سؤال منطقي أو حتى افتراضي، إن من خلال ما برز في ردود وإيضاحات الوزراء كل ضمن اختصاصه على أسئلة النواب أو عبر الرد الشامل والمفنّد الذي قدمه رئيس الحكومة سعد الحريري باسمها مجتمعة في ختام جلسة المساءلة مساء أمس. 

ففي نهاية يوم المساءلة الثاني، وما تخلّله من كلمات تعاقب عدد من النواب على تلاوتها تباعاً لتتمحور في مجملها حول ملفات الفساد والنفط والكهرباء وقانون الانتخاب، وبينما لم تخلُ مساءلة بعض النواب من الانزلاق نحو الارتكاز في أساس مطالعاتهم واتهاماتهم للحكومة على جملة مغالطات في الوقائع والوثائق، ردّ الحريري على المداخلات النيابية مساءً مؤكداً في المقابل جملة مسلّمات مبدئية لحكومته لا رجعة عنها ولا تلكؤ في تحقيقها:

] التأكيد على مسؤولية الحكومة في التوصل إلى قانون انتخاب جديد يجنّب البلد التمديد ومخاطر الفراغ، مع التشديد على أهمية تحقيق التوافق الوطني في إقرار هذا القانون بشكل يراعي الهواجس ويحصّن الوحدة الوطنية.

] تجديد العزم على إقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، وعدم فرض أي ضريبة على ذوي الدخل المحدود.

] رفض المزايدات الشعبوية على خطط الحكومة النهضوية من دون طرح حلول بديلة، ورفض ضرب صورة البلد وسمعته والجهد المبذول لإعادة الثقة به سواءً عبر محاولات البعض «شيطنة» القطاع المصرفي أو «التعميم من دون دليل أو تسمية» في توجيه الاتهامات بالفساد للجسمين القضائي والحكومي.

] التصميم على منح المواطن حقه في توفير الكهرباء بمعزل عن الانتقادات الجوفاء غير البنّاءة التي تمتهن وضع العصي في دواليب الخطة الإنقاذية وتعمل على تشويهها عبر إبراز وثائق ومعلومات مختلقة، من دون تحمّل أي مسؤولية في تقديم بدائل علمية وعملية لإنقاذ هذا القطاع الذي لا يزال يراوح في دائرة العتمة ويتكبد خسائر بمئات ملايين الدولارات سنوياً منذ العام 2005. علماً أن رئيس الحكومة جزم أمس أنّ الزيادة في التعرفة بموجب خطة الكهرباء لن تمسّ الشطور الأولى ولن يتأثر بها الفقراء إنما ستوفّر على كل مواطن عناء دفع فاتورتين واحدة للدولة وأخرى بثلاثة أضعاف للمولّدات.

] إعادة تأكيد التمسك بالشفافية في ملف النفط، مع التصويب بأنّ الحكومة باقية على اعتمادها مبدأ «المشاركة في الإنتاج» وليس في الأرباح في إدارة القطاع، كما جاء في بعض المغالطات التي وردت في سياق المساءلة النيابية.

] إبراز الإنجازات والاستعدادات «عملياً وليس نظرياً» لتطوير قطاع الاتصالات وخدمات الأنترنت، مع تحضير مشروع مرسوم تخفيض الرسوم بين 20% و50% بشكل سيتيح إدخال أموال إضافية إلى خزينة الدولة.

] أما في موضوع الموقوفين الإٍسلاميين المزمن، فكشف رئيس الحكومة أنّ «هناك قانون عفو يتم العمل عليه» سيتم التشاور بشأنه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمهيداً لإرساله إلى مجلس النواب لإقراره.

«الدمار الشامل»

بعيداً عن الأجواء الداخلية وفي سياق متصل بالمستجدات الإقليمية، برز أمس موقف واضح وحازم عبّر فيه رئيس الجمهورية عن إدانه لبنان الرسمي لاستخدام أي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، بحيث أكد عون لمدير إقليم الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية محمود فكري خلال استقباله في قصر بعبدا بحضور نائب رئيس الوزراء وزير الصحة غسان حاصباني، أنه «كلما حصلت تطورات عسكرية في سوريا، يشهد لبنان تدفق المزيد من النازحين السوريين إلى أراضيه، ما يزيد حجم الأعباء التي تقع على عاتق الدولة اللبنانية للاهتمام بهم وتأمين رعايتهم»، مشدداً في ضوء التطورات الأخيرة على أنّ «لبنان الذي وقّع على كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تحرّم استعمال أسلحة الدمار الشامل، يدين ويستنكر استعمال هذه الأسلحة من أي جهة أتى»، داعياً في المقابل «المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل والدول التي لم توقع هذه المعاهدات، ضرورة التقيّد بمضمونها ومفاعيلها وإخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

وكان الحريري قد شدد كذلك قبيل مشاركته في جلسة المساءلة النيابية على أنّ «استعمال السلاح الكيميائي ضد المدنيين أمر غير مقبول، والقرار الحازم بالضربة الأميركية في سوريا له علاقة بالأسلحة الكيميائية التي استعملها النظام السوري ضد شعب أعزل، فيما الشعب من أطفال وشيوخ ونساء لم يقوموا بشيء».

 

الديار :

الاعتداء الاميركي الصاروخي على الاراضي السورية والجيش العربي السوري لن يمر كما يتصور البعض وستكون له تداعيات كبيرة على مجمل الملفات في الشرق الاوسط والعالم الذي يعيش اجواء حرب باردة جديدة، خصوصاً ان القصف الاميركي الذي استهدف مطار الشعيرات في ريف حمص موجه ايضا الى روسيا في ظل وجود قوات روسية في المنطقة. وكانت القوات الروسية قد شاركت في تحرير المطار منذ اسابيع من المسلحين وسقط لها 3 قتلى اثر انفجار لغم في جيب عسكري روسي، كما ان جنوداً روس وخبراء في نزع الالغام موجودون في المنطقة بشكل اساسي. 
وحسب المعلومات المنطقة المستهدفة كانت هدفا لغارات اسرائيلية منذ اسابيع لمنع الجيش السوري من التقدم لفك الحصار عن دير الزور وصولاً الى مدينة القائم على الحدود السورية - العراقية وتلاقي الجيشين السوري والعراقي وصولا الى فتح طريق طهران - بغداد - دمشق - بيروت. وسيؤدي هذا الهدف الاستراتيجي في حال تحقيقه الى تحولات كبرى لا يمكن ان توافق عليها الادارة الاميركية وهذا ما ابلغته واشنطن للرئيس العراقي العبادي. حتى ان ترامب طلب عدم استهداف عناصر داعش الموجودين في اراض صحراوية بين سوريا والعراق. واكد انه لن يسمح بفتح الطريق وحدوث تبدل استراتيجي في الحرب لمصلحة روسيا وايران، وحلفائهما. وهذا ما يؤكد ان الهجوم الاميركي هدفه احداث توازنات في هذه المنطقة لمصلحة المسلحين والتي تحوي اراضيها اكبر مخزون للنفط في العالم وهذا ما يفتح شهية ادارة ترامب لابقاء المعارك في المنطقة. وكانت لافتة مبادرة عناصر داعش الى شن هجوم واسع لاستعادة بعض النقاط الحساسة في المنطقة بالتزامن مع القصف لكنها فشلت نتيجة جهوزية الجيش السوري.
واشارت معلومات الى ان الولايات المتحدة الاميركية ابلغت دولا عديدة بالغارة قبل وقوعها بـ12 ساعة، وهذه المعلومات وصلت الى دمشق التي اتخذ جيشها اجراءات وقائية في معظم مناطق انتشاره تجنبا للخسائر.
 الاعتداء الاميركي على سوريا اذا كانت تداعياته العسكرية محدودة لكنه يؤشر الى تعاط اميركي جديد مع الملف السوري مغاير للادارة السابقة، وهذا ما يجعل الملف السوري مفتوحاً على كافة الاحتمالات خصوصاً ان الرد الروسي جاء عنيفاً اذ وصف الرئيس الروسي الغارة بالعمل الارهابي، واوقف العمل باتفاقية التعاون بين البلدين لتجنب اي احتكاك جوي في سوريا. كما دانت الصين الهجوم فيما دانته ايران بأشد العبارات وأكدت عدم السكوت عما يجري بالتعاون مع روسيا. في المقابل حظي الاعتداء بترحيب عربي، وتحديداً من المملكة العربية السعودية. وكذلك من الدول الاوروبية وفي مقدمها بريطانيا وفرنسا. اما المانيا فدعت الى الاطاحة بالاسد ديموقراطياً وليس عسكرياً، اما المعارضة السورية طالبت بشمولية الغارات لان قصف مطار واحد لا يكفي مع ترحيبها بالهجوم.
لكن السؤال الاساسي : كيف سترد روسيا وايران وسوريا وحزب الله على العدوان، وهل سيكون الرد عبر ضرب المصالح الاميركية في المنطقة؟ وقد اخذت السفارات الاميركية اجراءات استثنائية في معظم دول العالم، ولكن الرد سيحصل لمنع واشنطن من تنفيذ اعتداءات جديدة؟ فهل تذهب الامور الى مواجهة شاملة. ام تشكل مقدمة لتفعيل الحوار من اجل الاسراع في الحل السياسي.
 

 العملية العسكرية


وقد أطلقت الولايات المتحدة عشرات من صواريخ كروز على قاعدة جوية سورية قالت إن هجوما مميتا بأسلحة كيماوية انطلق منها هذا الأسبوع وذلك في تصعيد للدور العسكري الأميركي في سوريا سرعان ما فجر توترا مع روسيا.
وبعد ساعات من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أمر بالهجوم، قال متحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الضربة أضرت بشدة بالعلاقات بين واشنطن وموسكو.
وقال مسؤولون أميركيون إن سفينتين حربيتين أميركيتين أطلقتا 59 صاروخ كروز من شرق البحر المتوسط على القاعدة الجوية التي تسيطر عليها قوات الرئيس بشار الأسد ردا على هجوم بالغاز السام في منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة.
ونسبت وكالات أنباء إلى ديمتري بيسكوف المتحدث باسم بوتين قوله إن الرئيس الروسي، وهو حليف وثيق للأسد، يعتبر أن التحرك الأميركي «عدوان على دولة ذات سيادة» بناء على «ذريعة مختلقة» ومحاولة لصرف انتباه العالم عن القتلى المدنيين في العراق.
وهذا أعنف تحرك أميركي مباشر حتى الآن في الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ست سنوات في خطوة تضع ترامب في مواجهة أكبر أزمة تتعلق بالسياسة الخارجية منذ تنصيبه في 20 كانون الثاني ما زاد خطر حدوث مواجهة مع روسيا وإيران أهم داعمين عسكريين للأسد.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم أخطروا القوات الروسية بأمر الضربات الصاروخية قبل حدوثها وإنهم حرصوا على تفادي إصابة جنود روس في القاعدة. وأضافوا أنه لم تقع ضربات على أجزاء من القاعدة كان جنود روس موجودين فيها. لكنهم قالوا إن الإدارة الأميركية لم تسع لنيل موافقة موسكو.
وقال ترامب وهو يعلن الهجوم من منتجع مار الاجو في فلوريدا حيث كان يجتمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ «المحاولات السابقة على مدى أعوام لتغيير سلوك الأسد فشلت كلها فشلا ذريعا».
وأمر ترامب بالهجوم بعد يوم من إلقائه المسؤولية على الأسد في الهجوم الكيماوي الذي وقع هذا الأسبوع وأدى الى مقتل 70 شخصا على الأقل بينهم كثير من الأطفال في بلدة خان شيخون. ونفت الحكومة السورية مسؤوليتها عن الهجوم.
وانطلقت الصواريخ، وهي من طراز توماهوك، من السفينتين الحربيتين بورتر وروس حوالى الساعة 0040 بتوقيت غرينتش أمس وأصابت عدة أهداف بينها مدرج الطائرات ومحطات للتزود بالوقود في قاعدة الشعيرات الجوية التي تقول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إنها استخدمت لتخزين أسلحة كيماوية.
وأبلغ مسؤول دفاعي أميركي رويترز بأن الهجوم هجوم «مُفرد» مما يعني أنه من المتوقع أن يكون ضربة واحدة وأنه لا توجد خطط حاليا للتصعيد.
وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إن الضربة لا تعني تغير السياسة الأميركية الأشمل بشأن سوريا.
وأضاف قائلا للصحفيين «هذا يدل بوضوح على أن الرئيس مستعد لاتخاذ تحرك حاسم عندما يتطلب الأمر... لن أحاول بأي شكل أن أفسر ذلك بأنه تغير في سياستنا أو موقفنا في ما يتعلق بأنشطتنا العسكرية في سوريا حاليا. لم يحدث تغيير في هذا الوضع».
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية كابتن جيف ديفيز «المؤشرات الأولية هي أن هذه الضربة ألحقت أضرارا بالغة أو دمرت طائرات سورية والبنية التحتية الداعمة وكذلك معدات في قاعدة الشعيرات مما يقلص قدرة الحكومة السورية على استخدام أسلحة كيماوية».
وذكر التلفزيون الرسمي السوري أن «العدوان الأميركي» استهدف القاعدة «بعدد من الصواريخ» ونقل عن مصدر عسكري قوله إن الضربات أحدثت خسائر.
وسعى ترامب لتصوير الهجوم، الذي كان يحدث بينما كان يوشك على الانتهاء من العشاء مع الرئيس الصيني، على أنه محاولة لردع سوريا عن استخدام أسلحة كيماوية في المستقبل.
وقال في وقت لاحق «شن الدكتاتور السوري بشار الأسد هجوما مروعا بالأسلحة الكيماوية على مدنيين أبرياء... واليوم أمرت بضربة عسكرية موجهة للقاعدة الجوية السورية التي انطلق منها الهجوم الكيماوي».
وأضاف قائلا «من مصلحة الأمن القومي الأميركي منع ودرء انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية الفتاكة».
 

 الجيش السوري


أعلنت القيادة العامة للجيش السوري عن سقوط 12 شهيدا واكدت ان الرد على العدوان «هو المزيد من التصميم على مواصلة واجبه الوطني في الدفاع عن الشعب السوري وسحق الإرهاب أينما وجد وإعادة الأمن والأمان إلى أراضي الجمهورية العربية السورية كافة».
وأضافت القيادة العامة للجيش إن «هذا العدوان الأميركي المدان يؤكد استمرار الاستراتيجية الأميركية الخاطئة ويقوض عملية مكافحة الإرهاب التي يقوم بها الجيش العربي السوري ويجعل الولايات المتحدة الأميركية شريكاً لـ «داعش» و«النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التي دأبت منذ اليوم الأول للحرب الظالمة على سوريا على مهاجمة نقاط الجيش والقواعد العسكرية السورية».
وذكرت السفارة الروسية في دمشق أنها لم تتلق حتى الآن أي معلومات عن ضحايا روس جراء الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات.
 

 الرئاسة السورية : تصرف أرعن


وصفت الرئاسة السورية ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية، بأنّه  عدوان جائر وسافر.
وفي بيان لها،أكدت الرئاسة السورية أن ما جرى هو تصرّف أرعن غير مسؤول، ولا ينمّ إلا عن قصر نظر، وضيق أفق، وعمى سياسي وعسكري عن الواقع، وانجرار ساذج وراء حملة وهمية دعائية كاذبة محمومة غذّت عنجهية هذا النظام للقيام بهذه العربدة السياسية والعسكرية الرعناء.
وأضافت أن إن إقدام الولايات المتحدة الأميركية على هذا الفعل الشائن عبر استهداف مطار لدولة ذات سيادة، يوضح بالدليل القاطع -مرة أخرى- ما كانت تقوله سورية وما زالت، من أن تعاقب الإدارات لهذا النظام لا يغيّر من السياسات العميقة لكيانه المتمثّلة باستهداف الدول، وإخضاع الشعوب، ومحاولة الهيمنة على العالم.
وختم البيان: إن كان النظام الأميركي يعتقد أنه بهذا الاعتداء قد تمكّن من دعم عملائه من العصابات والمنظّمات الإرهابية على الأرض، فإن الجمهورية العربية السورية تؤكد، وبصريح العبارات، أن هذا العدوان زاد من تصميم سورية على ضرب هؤلاء العملاء الإرهابيين، وعلى استمرار سحقهم، ورفع وتيرة العمل على ذلك أينما وجدوا على مساحة الأراضي السورية.
 

 الطائرات الحربية ومرافق القاعدة دمرت بالكامل


قال أحد العاملين في قاعدة الشعيرات الجوية في حمص، أمس، إن صواريخ توماهوك الأميركية ألحقت خسائر جسيمة بقاعدة الشعيرات بحمص وبجميع محتوياتها.
ونقلت وكالة أنباء نوفستي عن مصدر في القاعدة الجوية أن «جميع الطائرات في القاعدة خرجت من الخدمة ويمكن القول إنها دمرت بالكامل».
إلى ذلك، نقلت وكالة أنباء سبوتنيك عن قائد ميداني تابع للجيش السوري أن مسلحي تنظيم «داعش» شنوا هجوما على إحدى نقاط الجيش السوري المكلفة حماية طريق حمص - الفرقلس في تدمر بالتزامن مع الضربة الأميركية على مطار الشعيرات بريف حمص، مضيفا أن قوات الجيش استعادت السيطرة على نقطة التفتيش بعد وقت قصير من السيطرة عليها.
 

 الدفاع الروسية: 23 صاروخا أميركيا أصابت الشعيرات


وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن 23 صاروخا فقط من أصل 59 أطلقها الجيش الأميركي، أصابت قاعدة الشعيرات السورية في ريف حمص، مضيفة أنه يجري حاليا البحث عن 36 صاروخا آخر.
وأوضح اللواء إيغور كوناشينكوف، الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، أن الضربة الأميركية نُفذت بين الساعة 3.42 و3.56، انطلاقا من مدمرتين أميركيتين متواجدتين في مياه المتوسط قرب سواحل جزيرة كريت.
وسجلت وسائل المراقبة الإلكترونية الروسية سقوط 23 صاروخا من طراز «توماهوك» على قاعدة الشعيرات السورية، فيما تبقى أماكن سقوط الصواريخ الأخرى مجهولة حتى الآن.
وتابع كوناشينكوف أن الضربة أسفرت عن تدمير مستودع معدات وجناح دراسي ومطعم و6 مقاتلات «ميغ-23» كانت داخل حظائر إصلاح وكذلك محطة رادار.
ونقل عن قيادة القاعدة السورية أن الضربة أسفرت عن مقتل 4 عسكريين سوريين، فيما مازال عسكريان آخران في عداد المفقودين. بالإضافة إلى ذلك، أصيب 6 عسكريين آخرين بحروق أثناء مشاركتهم في إخماد الحرائق التي نشبت جراء سقوط الصواريخ الأميركية.
وشدد قائلا: «بذلك، تعد الفعالية القتالية للضربة الأميركية المكثفة على القاعدة الجوية السورية متدنية للغاية».
وأضاف: «في الوقت الراهن تجري السلطات السورية عمليات بحث لتحديد أماكن سقوط الصواريخ الـ36 المتبقية وتحديد الخسائر المحتملة في صفوف المدنيين».
ووصفت وزارة الدفاع الروسية الضربة الأميركية بأنها خرق فظ لمذكرة التفاهم الروسية الأميركية الموقعة في 2015 لضمان سلامة التحليقات في سماء سوريا والحيلولة دون وقوع حوادث غير مرغوب فيها.
وأكد كوناشينكوف قرار وزارة الدفاع الروسية تعليق التعاون مع البنتاغون في إطار مذكرة التفاهم المذكورة.
وشدد الناطق باسم الوزارة على أن الاتهامات التي وجهتها واشنطن إلى دمشق بخرق معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، لا أساس لها.
وتابع قائلا: «لقد أكدنا أن القوات الحكومية السورية لم تستخدم سلاحا كيميائيا. وننتظر من الولايات المتحدة إيضاحات حول وجود أدلة وصفتها بالدامغة على استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون من قبل الجيش السوري».
واعتبر أنه من الواضح أن واشنطن كانت تستعد لتوجيه ضربتها إلى القاعدة السورية مسبقا وبدأت التحضيرات قبل تنفيذ العملية بفترة طويلة. وأوضح أن توجيه مثل هذه الضربة تتطلب إجراء حزمة واسعة من عمليات الاستطلاع والتخطيط وتوزيع المهمات ووضع الصواريخ في حالة الاستعداد لاطلاقها».
وأضاف أنه من المخطط القيام قريبا بسلسلة من الإجراءات لتعزيز فعالية منظومات الدفاع الجوي للجيش السوري لضمان حماية المنشآت الحيوية للبنية التحتية في سوريا.
كما أكد كوناشينكوف أن منظومات الدفاع الجوي الروسية المنشورة في سوريا تضمن حماية المنشآت التابعة للأسطول الحربي الروسي في طرطوس وللقوات الجوية الفضائية الروسية في قاعدة حميميم الجوية. وأعاد إلى الأذهان أن منظومات «إس-400» و«بانتسير» تحمي حميميم، فيما تتولى هذه المهمة في طرطوس مجموعة دفاع جوي تضم منظومات «إس-300» و«بانتسير». وأكد أن أطقم الدفاع الجوية الروسية تتناوب على أداء مهمتها على مدار الساعة.
وقد عادت فرقاطة «الأميرال غريغوروفيتش» المزودة بصواريخ «كاليبر» المجنحة إلى مياه البحر المتوسط لتنضم إلى مجموعة السفن الحربية الروسية هناك، حسبما أفاد مصدر مطلع لـ«إنترفاكس».
 

 المعارضة السورية: ضرب مطار واحد لا يكفي

   
بدورها قالت فصائل سورية معارضة إن الضربة الأميركية على عدد من الأهداف في مطار الشعيرات بريف حمص الشمالي لا تكفي، معربة عن أملها في استمرار مثل هذه الضربات للحد من قدرات النظام العسكرية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن القيادي في فصيل جيش الإسلام وعضو وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف محمد علوش قوله في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر «ضرب مطار واحد لا يكفي، فهناك 26 مطارا تستهدف المدنيين».
وفي تصريحات أخرى دعا علوش إلى أن «تكون الضربات مشتركة من جميع أنحاء دول العالم في كل المطارات» التي يتم استهداف السوريين منها.
 

 ردود الفعل الدولية


في الوقت التي أدان فيه عدد من الدول الضربة الجوية الأميركية التي استهدفت مطارا عسكريا في سوريا، عبرت دول أخرى عن ترحيبها بهذه الضربة ودعمها لها.
اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الهجوم الأميركي على أهداف في سوريا يضر بالعلاقات الروسية-الأميركية، والمعركة المشتركة ضد الإرهاب.
وأعلن دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الكرملين، أن الرئيس الروسي يعتبر الضربات الأميركية على سوريا محاولة لتشتيت الأنظار عن سقوط ضحايا في العراق، وهي ستضر بالعلاقات مع روسيا، وستعرقل بشكل كبير إنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب.
كذلك أدانت وزارة الخارجية الإيرانية، القصف الأميركي. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في تصريح صحفي: «إن إيران تدين الهجمة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات من قبل البوارج العسكرية الأميركية». واكد ان ايران وروسيا لن تقفا صامتتين امام ما جرى.
وتابع: «نعتقد أن هذه الهجمة تمت في وقت يقف فيه المنفذون والمستفيدون من ضرب خان شيخون وراء الستارة، ما سيؤدي إلى تقوية الإرهاب وتعقيد الأمور في سوريا أكثر».
من جانب آخر، رحبت كل من بريطانيا، وفرنسا، واليابان، وتركيا، والسعودية، وإسرائيل، بالضربة الصاروخية الأميركية التي استهدفت قاعدة جوية للجيش السوري.
إلى ذلك اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، اعتبرا أن الرئيس السوري بشار الأسد وحده المسؤول عن الضربة الأميركية التي استهدفت قاعدة جوية.
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، في قوت سابق أن الولايات المتحدة أبلغت فرنسا مسبقا بالضربة الصاروخية على مواقع عسكرية سورية.
ومن ناحيته، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالضربة العسكرية الأميركية، وقال نتياهو إن ترامب بعث «بالأقوال وبالأفعال رسالة قوية وواضحة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيماوية ونشرها لا يطاقان»، آملا في «أن تتردد أصداء هذه الرسالة الحازمة إزاء الأفعال الفظيعة التي يرتكبها نظام الأسد ليس فقط في دمشق بل في طهران وبيونغ يانغ وأماكن أخرى أيضا».
وأما عربياً، فأعلنت السعودية، تأييدها الكامل للضربات العسكرية الأميركية على أهداف في سوريا.
ووصف مسؤول في وزارة الخارجية السعودية قرار ترامب بالـ «شجاع»، موضحا أن القصف جاء «ردا على جرائم هذا النظام تجاه شعبه في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن إيقافه عند حده».
كما رحبت وزارة الخارجية البحرينية بالعملية التي نفذتها الولايات المتحدة، مؤكدة أن هذه الخطوة كانت ضرورية لحقن دماء الشعب السوري ومنع انتشار أو استخدام أي أسلحة محظورة ضد المدنيين الأبرياء.
 

 لوبان تنتقد


واثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقادا نادراً من مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.
كما اعتبرت وزارة الخارجية السويدية ان القصف الأميركي يثير تساؤلا حول مدى انسجام مثل هذه التصرفات مع القانون الدولي. فيما دعت المستشارة الأميركية ميركل الى تركيز الجهود السياسية للاطاحة بالاسد ديموقراطياً.
 

 جدال روسي غربي بمجلس الأمن  

   
على صعيد آخر، ساد الجدل والتوتر جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لبحث الأوضاع في سوريا بعد الضربة الأميركية، فبينما دعمت بريطانيا وفرنسا تلك الضربة هاجمها مندوبو سوريا وروسيا وبوليفيا بشدة واعتبروها انتهاكا للقانون الدولي.
وفي بداية الجلسة، شدد جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للشؤون السياسية على أنه من المهم أن يبعث المجلس برسالة موحدة مفادها أنه لا حماية للأطراف التي تنتهك حقوق الإنسان، وطالب جميع الأطراف بتجديد الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
وقالت المندوبة الأميركية نيكي هايلي إن النظام السوري استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه عدة مرات، ويبدو أنه كان يعتقد أنه سيفلت من العقاب لأن روسيا ستقف وراءه كالعادة وهو مخطئ. وأضافت هايلي أن أعمال الأسد وجرائمه ضد الإنسانية لن تمر دون عقاب، مشيرة إلى أن وزر الجريمة لا يتحملها النظام السوري فقط بل كذلك النظام الإيراني الذي يدعمه والحكومة الروسية التي تستخدم الفيتو كل مرة يتجاوز فيها الأسد للتغطية على الجرائم.
وأشارت إلى أن روسيا ربما كانت تسمح عن علم باستمرار وجود السلاح الكيميائي في سوريا وربما كان الأسد يتلاعب بها ويضللها، مضيفة أن الولايات المتحدة لن تسكت بعد الآن عن تجاوزات النظام السوري وتجاوزاته، وقالت «أقدمنا على خطوة مدروسة ومستعدون لعمل المزيد».
وأبدى المندوب البريطاني دعم بلاده للضربة الأميركية قائلا إنها رد فعل متناسب على الجريمة المرتكبة في خان شيخون ورسالة ردع للنظام السوري، مضيفا أن روسيا ربما تعلمت الآن أن ضمان مجرمي الحرب عقوبته المهانة أمام العالم.
من جانبه دعم المندوب الفرنسي الهجوم الاميركي وانتقد روسيا بشكل حاد قائلا إنها لم تلتزم بتعهداتها ولم تستطع منع الأسد من استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين، والمسؤولية ملقاة الآن على عاتق مجلس الأمن الدولي لأخذ زمام المبادرة.
في المقابل، قال المندوب السوري إن الولايات المتحدة ارتكبت عدوانا همجيا سافرا ضد قاعدة جوية لـ الجيش السوري ما أدى الى مقتل عدد من الأشخاص ما يشكل مخالفة خطرة لميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف أن الجيش السوري لا يمتلك أي أسلحة كيميائية ولم يستخدمها قطعياً، وأن من استخدم هذه الأسلحة وقام بتخزينها في عدد من المناطق السورية هو المجموعات «الإرهابية» المسلحة بالتعاون مع عدد من الدول.
كما هاجم مندوب بوليفيا بشدة الهجمة الأميركية قائلا إن الولايات المتحدة شنت هجومها الأحادي بينما كان مجلس الأمن يبحث طرق التحقيق في الهجوم البشع بالأسلحة الكيميائية على خان شيخون.
كما شن المندوب الروسي هجوما عنيفا على الولايات المتحدة التي قال إنها انتهكت القانون الدولي بمهاجمة سوريا، مضيفا أن مشروع القرار الأميركي - البريطاني - الفرنسي حول هجوم خان شيخون مغلوط ومخالف للحقيقة.
وقال أيضا إن الولايات المتحدة شنت عملا عدوانيا على بلد ذي سيادة وهو هجوم يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وللاتفاقات الموقعة مع روسيا بشأن سوريا «وهو هجوم يشجع الحركات الإرهابية».
وهاجم المندوب الروسي نظيره البريطاني قائلا «أحذرك لا تحاول أن تورطنا في نزاع مع العالم العربي، لأن جميع الدول العربية تتذكر نفاق المملكة المتحدة وتاريخها الاستعماري وربما لذلك أنتم قلقون».
أما السفير المصري فقال إن الخلافات والتنافس بهذا المجلس يساهم في إزهاق المزيد من الأرواح وليس هناك جهد دولي جاد حقيقي لفائدة الشعب السوري، ودعا إلى تنحية الخلافات والتجاذبات والعمل على حل جذري للأزمة السورية.
كما دعا المندوب الصيني إلى اتخاذ تدابير عاجلة والعودة إلى المفاوضات لمساعدة الشعب السوري للخروج من هذه الأزمة والعودة إلى الحياة الطبيعية وإعادة بناء بلادهم، مشددا على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد.

 

 

الجمهورية :

إستيقَظ العالم على دويّ الصواريخ الأميركية على القاعدة الجوّية السوريّة. روسيا وإيران وحلفاء دمشق ندّدوا، في حين سارَع حلفاء أميركا والمعارضة السوريّة إلى الترحيب. واشنطن بقيادة الرئيس دونالد ترامب الذي رسم خطوط حمر جديدة، أعلنَت عبر وزارة الدفاع الأميركية أنّ هذه العملية محدودة ومحصورة بالمكان المستهدف، ووضعَتها في خانة الردّ على الهجوم الكيميائي في خان شيخون، ثمَّ ما لبثت أن عادت وتوعَّدت عبر السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بتنفيذ عمل عسكري إضافي في سوريا. وخلاصة المشهد أنّ علامات استفهام تكوَّنت في الأجواء وتحجب رؤية الحجم الحقيقي لهذه الغارة الصاروخية وأبعادها والأهداف التي يُراد تحقيقها من خلالها، وكذلك عن الرسالة التي أراد الأميركيون أن يوجّهوها من خلالها وفي هذا التوقيت بالذات ولِمن؟

الغارة وبلا أدنى شكّ، كبيرة جداً سياسياً وعسكرياً، وسقوطها على منطقة مشتعلة أصلاً وتتحرّك على إيقاع تطوّرات دراماتيكية وتصعيد يتفاقم، أحاطها بكمٍّ هائل من الأسئلة:

- لماذا الآن؟
- هل للغارة الصاروخية أبعاد أميركية داخلية أراد من خلالها الرئيس الأميركي أن يؤكّد لخصومه بالبريد الصاروخي المضمون أنه ليس متردّداً أو عاجزاً كسَلفه باراك اوباما، بل هو صاحب قرار ويملك الجرأة وإرادة الفعل؟
- هل هي كما قدّمتها إدارة ترامب محصورة في المكان المستهدف ومحدودة كردّ ثأريّ على الهجوم الكيميائي وسقوط الضحايا المدنيين في خان شيخون، أم أنّها تندرج في سياق «بنك أهداف» أوسع؟
- هل تنطوي على إعلان أميركي صريح بنقلِ الأزمة السورية ومعها المنطقة بأسرها إلى مرحلة جديدة، وبقواعد لعبة جديدة؟
- هل لغارةٍ من هذا النوع أن تؤثّر على نظام بشّار الأسد، وماذا لو ثبتَ العكس؟
- هل إنّ غارة كهذه قادرة فعلاً على إحداث تغيير حقيقي بموازين الصراع الدائر في سوريا؟
- هل أرادت واشنطن أن ترسم بهذه الغارة خطوطاً حمراً أميركية ممنوعاً تجاوزُها من المحور الداعم لنظام الأسد؟
- هل يمكن لهذه الغارة أن تكبح فعلاً، التقدّم الميداني الذي يحقّقه النظام بدعم من الروس والإيرانيين وحزب الله وحلفائهم؟
- هل أرادت واشنطن أن تقول للروس إنّ إيران لا يمكن أن تبقى متحكّمة بالساحة السورية وبالشراكة القائمة بينها وبين روسيا؟ وهل تنطوي
الغارة على محاولة حثِّ الروس على اتّخاذ موقف حاسم من وجود إيران وحزب الله على الأرض السورية.

الغارة الصاروخية

في تفاصيل الحدث، أطلقَ الجيش الأميركي فجر أمس، 59 صاروخاً عابراً من طراز «توماهوك»، استهدفت مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص. واستهدفت بشكل أساسي «حظائر الطيران»، ومخازنَ الوقود والذخائر وقواعد دفاع جوّي، ورادارات.

وقال مسؤول أميركي: «إنّ المطار مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيماوية السوري ومتّصل مباشرةً بالأحداث «الرهيبة» التي حصلت صباح الثلثاء
في خان شيخون في محافظة إدلب». وقال مسؤولون أميركيون إنّ القصف ألحقَ «أضراراً كبيرة» بالمطار، و«دمَّر طائرات» وبنيةً تحتية فيه، ما مِن شأنه أن «يقلّل من قدرة الحكومة السوريّة على شنّ ضربات».

وفيما قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إنّ «المطار دمِّر بشكل شِبه كامل»، أعلنَ التلفزيون الروسي أنّ الضربة أدّت إلى تدمير تِسع طائرات تابعة لسلاح الجوّ السوري».

ترامب

ووجَّه ترامب خطاباً إلى الأمّة من منزله في فلوريدا، قال فيه: «الثلثاء، شنَّ الدكتاتور السوري بشّار الأسد هجوماً مرَوّعاً بأسلحة كيماوية على مدنيّين أبرياء». وتابع: «الليلة (أمس) أمرتُ بتنفيذ ضربة عسكرية محدّدة الهدف في سوريا على المطار الذي شنَّ منه الهجوم الكيماوي. من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتّحدة منعُ وردعُ انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية القاتلة».

إلى ذلك، أعلنَت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنّ الضربة العسكرية تنحصر بالردّ على «الهجوم الكيماوي» في خان شيخون. وقال متحدّث باسم البنتاغون الكابتن جيف ديفيس لصحافيين: «إنّ الهدف هو ردعُ النظام عن القيام بذلك (الهجوم الكيماوي) مجدّداً، ونأمل في أن ينجح في ذلك»، ملمِّحاً إلى أنّ العملية العسكرية ليست جزءاً من عملية أكبر.

وقال: «إنّها ردٌّ يتناسب مع هجوم خان شيخون، وسيعود للنظام أن يقرّر ما إذا ستكون هناك ضربات أخرى، لأنّ ذلك سيتقرّر بناءً على تصرّفاته».

وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إنّ الضربة دليل على استعداد الرئيس الأميركي للتحرّك عندما تقوم دولٌ «بتجاوزِ الخط»، معتبراً أنّ موسكو فشلَت في تحمّلِ مسؤولياتها في سوريا.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنَت أنّ الولايات المتحدة أبلغَت روسيا مسبَقاً بالضربة. إلّا أنّ موسكو ردّت بعنفٍ على الضربة الأميركية، وطلبَت عَقد اجتماع عاجِل لمجموعة العمل الدولية حول سوريا في جنيف. وأعلنَت تعليقَ الاتفاق مع واشنطن، الرامي إلى منعِ وقوع حوادث جوّية بين طائرات البلدين في الأجواء السورية.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا إنّ بلادها طلبَت عَقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي للنظر في الوضع، مُندّدةً بـ«نهج متهوّر» تتبنّاه واشنطن حيال النزاع في سوريا.

وأشارت زاخاروفا إلى أنّ بلادها تنتظر تفسيرات من وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته الأولى لموسكو في 11 و12 نيسان.

واعتبَر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ الضربة الأميركية «عدوان على دولة ذات سيادة»، مُحذّراً من أنّها تلحِق «ضرراً هائلاً» بالعلاقات بين واشنطن وموسكو.

بدوره، رأى رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف أنّ الضربة وضَعت واشنطن على شفا الاشتباك مع الجيش الروسي.

بدورها، اعتبرَت الرئاسة السورية، في بيان نَقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا»: أنّ ما قامت به أميركا ما هو إلّا تصرُّف أرعن غير مسؤول، ولا ينمّ إلّا عن قصرِ نظرٍ وضِيق أفق وعمى سياسيّ وعسكري عن الواقع».

وأعلنَ الجيش السوري في بيان أنّ الولايات المتحدة أقدَمت على ارتكاب عدوان سافِر استهدفَ إحدى قواعدنا الجوّية فى المنطقة الوسطى بعددٍ مِن الصواريخ، ما أدّى إلى «ارتقاء ستّة شهداء وسقوط عددٍ من الجرحى وإحداثِ أضرار مادّية كبيرة». من دون أن يحدّد ما إذا كان القتلى من المدنيين أو العسكريين.

وقال المتحدّث العسكري: «هذا العدوان الأميركي المدان» يُقوّض «عملية مكافحة الإرهاب التي يقوم بها الجيش العربي السوري»، و»يَجعل الولايات المتحدة شريكاً لداعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية».

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان من جهته عن مقتل سبعة عسكريين في الضربة الأميركية، في آخِر حصيلة.

في المقابل، رحَّب الائتلاف السوري المعارض وفصائل مقاتلة بالضربة الأميركية، ودعا المعارضون إلى استمرار الضربات ضدّ نظام الأسد. فيما صَدرت مواقف تؤيّد الغارة الأميركية عن الدول الأوروبية والسعودية.

إلى ذلك، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا أنّ مجموعة العمل الدولية حول سوريا ستجتمع بطلبٍ من روسيا بَعد الضربة الأميركية. وقال مكتب دي ميستورا في بيان: «إنّ الاجتماع سيترَأسه المبعوث الخاص»، موضحاً أنّ «روسيا الرئيسَ المشارك للمجموعة، طلبت عَقد الاجتماع، ووافقَت عليه الولايات المتحدة الرئيسُ المشارك» أيضاً.

وفي وقتٍ رَفض دي ميستورا حتى الساعة التعليقَ على الضربة الأميركية في سوريا، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى «ضبط النفس لتجنّبِ أيّ عملٍ مِن شأنه أن يُعمّق معاناة ا