قطوع القمة مرّ بسلام على لبنان , ولكن الذي لم يمرّ في الواقع هو مرارة المصالحة التاريخية مع اسرائيل

 

النهار :

لعل أفضل ما يمكن اختصاره من نتائج واقعية للمشاركة اللبنانية في القمة العربية التي انعقدت أمس في الاردن يتمثل في عودة لبنان الى هذا المنتدى للمرة الاولى منذ ثلاث سنوات عبر بوابة ملء الشغور الرئاسي. أما في البعد السياسي والديبلوماسي، فان النتيجة الأخرى بدت استكمالا للاولى بمعنى ان حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرافقه رئيس الوزراء سعد الحريري مكّن لبنان، بالاضافة الى عوامل عربية اخرى تتصل بمناخات القمة، من تمرير "قطوع " خشي كثيرون قبيل انعقاد القمة احتمال حصوله. ولكن النتيجة جاءت لتجنّب الحكم والداخل السياسي اللبناني "مشروع" مأزق جديد في علاقات لبنان مع الدول العربية وتحديدا الخليجية من خلال تحييد العامل الساخن المتعلق بموضوع التنديد بالتدخل الايراني في الدول العربية الذي، وان لحظه البيان الختامي للقمة، صيغ بادبيات وفرت على لبنان الاحراج نظراً الى خلوه من اي ذكر لـ"حزب الله".
وتعتقد أوساط ديبلوماسية وسياسية معنية ان تمرير "قطوع " القمة بالنسبة الى لبنان كان نتيجة تفهم عربي واسع لاوضاعه بما يعد استكمالا لتوفير المظلة التي سهّلت التسوية الرئاسية والحكومية التي بدأت بانتخاب الرئيس عون وتشكيل حكومة الرئيس الحريري، وهو أمر يمكن ان يعتبر بمثابة جرعة منشطة اضافية لهذه التسوية وقت يعاني لبنان ازمات داخلية كثيرة لا تزال تجرجر ذيولها وترسم علامات الارباك على خلفية المشاركة اللبنانية في القمة. لكن الاوساط تلفت من زاوية أخرى الى ان ثمة أولويات أكثر الحاحاً وأهمية جعلت موضوع لبنان وما يعنيه يمر بحد أدنى من الاهتمامات العربية عبر قمة لم تكن نتائجها "مبهرة " عموما وسط الاجواء المعروفة والصراعات التي تعتمل في المنطقة والكثير من الدول العربية. لذلك تؤكد هذه الاوساط ان القمة خلت من مفاجآت بالنسبة الى لبنان وهو امر قد يتيح للحكم والحكومة ان يعتبراه أفضل الممكن.
وسط هذه الاجواء تميزت الكلمة الاولى للرئيس عون في القمة العربية الاولى التي شارك فيها بمنحى "وجداني " كما وصفها بنفسه، في حين شكلت من وجهة نظر أوساط سياسية أخرى رسالة واضحة من الحكم عن رغبته في تجسيد دور مختلف للرئاسة اللبنانية عبر تركيز الكلمة في معظمها على الحلول السياسية لصراعات المنطقة وتقديم "النموذج الحواري" اللبناني وسيلة لهذه الحلول. وقد خاطب الرئيس عون الزعماء العرب "سأدع وجداني يخاطب وجدانكم لعلنا نستفيق من كابوس يقض مضاجعنا"، عارضاً للحروب والمجازر في المنطقة العربية. وتساءل: "من ربح الحرب ومن خسر الحرب ؟" وأجاب: "الجميع خاسرون... وجميعنا معنيون بما يحصل ولا يمكن ان نبقى في انتظار الحلول تأتينا من الخارج ". وفي دعوة الى التزام ميثاق الجامعة العربية ذكر بان هذا الميثاق "يقينا شر الحروب في ما بيننا ويحصن سيادتنا واستقلالنا"، اضف أن الميثاق "يفرض على كل دولة ان تحترم نظام الحكم القائم في الدول الاخرى وتعتبره حقا من حقوقها وتتعهد الا تقوم بأي عمل يرمي الى تغييره". اما عن واقع لبنان فاثار الرئيس عون مسألة النازحين لافتا الى ان " لبنان يستضيف اليوم من سوريين وفلسطينيين ما يوازي نصف عدد سكانه"، ودعا الى عودة آمنة للنازحين الى ديارهم.
اما التطور اللافت الذي برز على هامش القمة، فتمثل في مغادرة الرئيس الحريري العاصمة الاردنية مرافقا العاهل السعودي الملك سلمان بن العزيز على الطائرة الملكية الى الرياض، وهي المرة الاولى يزور الحريري الرياض منذ تسلمه مهمات رئاسة الحكومة.

 

الى "الاستحقاق"
ومع انتهاء القمة، يعود المأزق الانتخابي الى الواجهة وسط معطيات تزداد قتامة عن فرص التوصل الى قانون انتخاب جديد قبل منتصف نيسان كموعد اخير مفترض لتجنب ازمة دستورية وسياسية كبيرة في البلاد. وقالت مصادر سياسية بارزة لـ"النهار" أمس إن مهلة منتصف نيسان لا تعني ان امكانات التوصل الى قانون جديد ستكون متاحة بل ان مجمل المعطيات تؤكد استبعاد الاختراق في المدى المنظور. ومع انها أكدت ان لا فراغ محتملاً في مجلس النواب "لان لدى رئيس المجلس نبيه بري الفتوى المناسبة ولا شيء اسمه فراغ في السلطة التشريعية"، قالت هذه المصادر ان استبعاد التوصل الى قانون جديد مبني على معطيات تفيد بعدم وجود مصلحة لدى بعض الافرقاء في حصول الانتخابات حاليا. ولوح بري امس بامكان دعوته قريباً الى جلسة مناقشة عامة للحكومة في ملف قانون الانتخاب، وابدى استياءه من "استنكاف الحكومة حتى الان عن التصدي لموضوع قانون الانتخاب الذي هو من اولى مسؤولياتها ومهماتها"، كما جدد التحذير من ان "الوقت صار داهما ولا يجوز الاستمرار على هذا المنوال".
وفي المقابل، برزت مواقف جديدة لوزير الخارجية جبران باسيل من المأزق الانتخابي اعلنها عقب انتهاء مشاركته في الوفد المرافق للرئيس عون في قمة عمان. وقال في مقابلة تلفزيونية عبر برنامج "بموضوعية" من محطة "ام تي في": "لدينا ايام قليلة (للتوصل الى اتفاق) والا سنذهب الى الحكومة لاقرار قانون الانتخاب بالتصويت ". وكشف "اننا تبلغنا من حزب الله موافقته على الاقتراح الاخير (الذي طرحه "التيار الوطني الحر" متضمنا نظامي الاكثري والنسبي) مع مطالبة بتغييرين وملاحظة". وأكد ان "طرحنا الحقيقي هو "الارثوذكسي" لانه يمهد للانتقال من النسبية الطائفية الى النسبية الوطنية والعلمنة".وشدد على ان لا عودة عن الاتفاق مع "القوات اللبنانية" وانهما متفقان على التحالف الانتخابي المقبل.

 

 

المستقبل :

على قدر نخوة نشامى المملكة الهاشمية وحُسن تنظيمها وضيافتها، وبخلاف قمم سابقة غرقت في الخلافات والنزاعات، واجهت قمّة عمّان برعاية الملك عبدالله الثاني بموقف عربي موحّد «مثلّث الخطر» المتمثّل «بإسرائيل والإرهاب وتدخلات إيران» كما سمّاه الأمين العام للبرلمان العربي مشعل بن فهد السلمي، لتتحوّل إلى قمّة «لمّ الشمل والمصالحات» كما وصفها وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي لـ«المستقبل»، سيما وأنها شكّلت حاضنة لسلسلة لقاءات وتفاهمات أبرزها بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وكلّ من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وسط تشديد الصفدي على أن إنجازات القمّة تحتاج إلى متابعة للتأسيس عليها وتحقيق نجاحات متراكمة «لا يمكن التوصّل إليها بين ليلة وضحاها».

أمّا لبنان الذي حضر بوفده الموحّد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومعه رئيس الحكومة سعد الحريري، فنال نصيبه من حصيلة التفاهمات العربية مع إقرار القادة العرب بند التضامن مع لبنان من دون أي تحفُّظ. فيما حرص الرئيس عون على التوجُّه إليهم في أول مشاركة له في قمة عربية بعبارة «أصبحت واحداً منكم»، خلال إلقائه كلمة لبنان، والتي خاطب فيها «وجدان» العرب ليحثّ على وقف الاقتتال والحروب والمجازر والدمار في المنطقة، مبدياً استعداد لبنان للمساعدة في إعادة «مدّ الجسور».

وفي معرض تناوله «الأحداث المؤلمة في سوريا» أثار عون عبء النزوح الذي يثقل كاهل اللبنانيين، خصوصاً أنهم باتوا يستضيفون «من سوريين وفلسطينيين ما يوازي نصف عددهم»، مشدداً على 

أن «تخفيف بؤس النازحين وتجنيب لبنان التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية لن يكون إلاّ من خلال عودتهم الآمنة إلى ديارهم».

إعلان عمّان

وفي ختام القمة دعا القادة في «اعلان عمّان» الى وقف التدخلات الخارجية في شؤون دولهم.

وقال القادة في الاعلان: «نرفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية».

ودان «اعلان عمان» المحاولات «الرامية الى زعزعة الامن وبث النعرات الطائفية والمذهبية او تأجيج الصراعات وما يمثله ذلك من ممارسات تنتهك مبادئ حسن الجوار والقواعد الدولية ومبادئ القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة».

وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية قال الزعماء العرب إنهم على استعداد لتحقيق «مصالحة تاريخية» مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وجاء في البيان «نؤكد استمرارنا في العمل على إعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية - إسرائيلية جادة وفاعلة تنهي الانسداد السياسي وتسير وفق جدول زمني محدد لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».

وفي الشأن السوري، شدد القادة في البيان على ضرورة «تكثيف العمل على ايجاد حل سلمي ينهي الازمة السورية وبما يحقق طموحات الشعب السوري ويحفظ وحدة سوريا ويحمي سيادتها واستقلالها وينهي وجود الجماعات الارهابية فيها».

كلمات 

أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في كلمته في الجلسة الافتتاحية، أنه لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. وقال: «تستمر إسرائيل في توسيع الاستيطان، وفي العمل على تقويض فرص تحقيق السلام، فلا سلام ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، القضية المركزية في الشرق الأوسط، من خلال حل الدولتين».

وتابع قائلاً: «نحن على تماس يومي ومباشر مع معاناة الشعب الفلسطيني، وأهلنا في القدس بشكل خاص. كما أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مسؤولية تاريخية يتشرف الأردن بحملها نيابة عن الأمتين العربية والإسلامية.. سنواصل دورنا في التصدي لأي محاولة لتغيير الوضع القائم، وفي الوقوف بوجه محاولات التقسيم، الزماني أو المكاني، للمسجد الأقصى». 

وأعرب عن أمله «أن تقود المباحثات الأخيرة في جنيف وأستانة إلى انفراج يطلق عملية سياسية، تشمل جميع مكونات الشعب السوري، وتحافظ على وحدة الأراضي السورية، وسلامة مواطنيها، وعودة اللاجئين». 

العاهل السعودي

ودعا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى حل سياسي للأزمتين السورية واليمنية، وشدد على السعي لإيجاد حل للقضية الفلسطينية «على أساس قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية».

وأكد أن «من أخطر ما تواجهه أمتنا العربية التطرف والإرهاب، الأمر الذي يؤكد ضرورة تضافر الجهود لمحاربتهما بكافة الوسائل». وقال: «يجب ألا تشغلنا الأحداث الجسيمة التي تمر بها منطقتنا عن تأكيدنا للعالم على مركزية القضية الفلسطينية لأمتنا». 

وأضاف: «ما زال الشعب السوري الشقيق يتعرض للقتل والتشريد، مما يتطلب إيجاد حل سياسي ينهي هذه المأساة، ويحافظ على وحدة سوريا، ومؤسساتها وفقاً لإعلان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن رقم 2254». وشدد على «أهمية المحافظة على وحدة البلاد وتحقيق أمنها واستقرارها».

وأشار إلى «أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ونتائج الحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن رقم 2216». ودعا إلى «تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لمختلف المناطق اليمنية». واعتبر أن «التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية تمثل انتهاكاً واضحاً لقواعد القانون الدولي، وسيادة الدول، ومبادئ حسن الجوار».

الرئيس المصري

أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن القمة تُعقد وسط تحديات جسيمة تواجه المنطقة بأسرها، تستهدف وحدة وتماسك الدول العربية وسلامة أراضيها.

وقال ان هذه الأخطار وفي مقدمتها الإرهاب أضعفت الجسد العربي حتى بات يعاني من تمزقات عدة، وأصبح لزامًا علينا أن نتصدى للتحديات التي نواجهها برؤية واضحة. ورأى أن الحل السياسي للأزمة السورية، هو السبيل الوحيد القادر على تحقيق الطموحات المشروعة للشعب السوري، واستعادة وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية والقضاء على خطر الإرهاب والمنظمات المتطرفة، وتوفير الظروف المواتية لإعادة إعمارها وبنائها من جديد.

أمير قطر

وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «اننا مطالبون بالعمل الجاد المشترك للضغط على المجتمع الدولي، وفي مجلس الأمن لرفض إقامة نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين، والتعامل بحزم مع إسرائيل وإجبارها على التوقف عن بناء المستوطنات، وإنفاذ قرارات الشرعية الدولية، ووقف الانتهاكات المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة الذي يمنع سكانه من ممارسة حياتهم الطبيعية».

وأعرب عن ترحيب دولة قطر باتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، مؤكدًا أهمية العمل على جعله حقيقيًا، لا انتقائيًا يسمح بحصول عمليات تهجير.

الرئيس اليمني

أكد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ان إيران هي«الراعي الرسمي للإرهاب في المنطقة العربية بشقيه القاعدة، وحزب الله والحوثيين». وقال ان الحوثيين والرئيس السابق علي صالح«دمروا النسيج الاجتماعي في اليمن وقاموا بنهب ثرواته بمساندة من ايران». وشكر التحالف العربي بقيادة السعودية على تدخله العسكري في اليمن وإغاثة الشعب، وقال إن«أكثر من 80% من الأراضي اليمنية أصبحت تحت سيطرة الحكومة الشرعية». 

رئيس الوزراء العراقي

اعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن«الشعوب العربية تتطلع إلى هذه القمة، وعلينا جميعًا أن نتحمل المسؤولية لاتخاذ القرارات اللازمة لإنهاء معاناة شعوبنا التي تعيش في ظل النزاعات والحروب والنزوح والفقر والجوع»، مؤكدا«أن الإرهاب لا يستثني أي دولة ما يستدعي بذل كل الجهود من أجل الحفاظ على وحدة دولنا وشعوبنا من التفكك والضياع ومنع التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية».

الأمين العام للامم المتحدة

قال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للقمة:«إننا نلتقي اليوم في خضم نزاعات وحروب شكلت المزيد من الضغوط على المنطقة والعالم بسبب وجود الإرهاب الذي تشكله القاعدة وداعش الإرهابيتين». وأكد أن المسلمين هم أول ضحايا الإرهاب وأن حماية المضطهدين أمر متجذر في الإسلام وأن المسلمين هم مثال على التسامح.

وقال:«آن الأوان لوضع حد للصراع في سوريا والتوصل لوقف إطلاق النار في هذا البلد». وقال إن النزاعات التي تشهدها المنطقة العربية أبعدتنا عن التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، مبينًا في هذا الإطار أن أحلام الشعب الفلسطيني قد تقيدت جيلًا بعد جيل بفعل الاحتلال، وحيا باسم الأمم المتحدة مبادرة السلام العربية.

بوتين

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في برقية إلى القمة اعتزام بلاده تطوير التعاون مع جامعة الدول العربية لتأمين الحلول الديبلوماسية السريعة للأزمات الإقليمية. وقال:«روسيا تعتزم تطوير تعاون الشراكة مع جامعة الدول العربية، بهدف توفير أسرع الحلول السياسية الديبلوماسية للأزمات الإقليمية، وكذلك إعادة إعمار المناطق المتضررة بعد انتهاء الأزمات».

وأشار الرئيس الروسي إلى أن بلاده«سوف تستمر في إيلاء اهتمام خاص لتعزيز وقف الأعمال القتالية في سوريا، والكفاح ضد المنظمات الإرهابية العاملة هناك». أضاف:«ننطلق من أن أهم شروط الاستقرار طويل الأمد في المنطقة، يتوقف على حل القضية الفلسطينية التي طال أمدها». ورأى أن«مبادرة جامعة الدول العربية للسلام ما زالت ذات أهمية، كونها توفر خلفية جيدة لتقدم العملية التفاوضية الفلسطينية الإسرائيلية».

 

الديار :

تمكن الرئيس ميشال عون عبر خطابه «المتزن» امام القمة العربية في الاردن من القفز فوق خطوط التوتر العالي التي تمتد من المحيط الى الخليج، ونجح في ضخ قليل من «ملح الحياة» في البحر الميت. 
حاذر عون الانزلاق الى الرمال المتحركة التي تتخبط فيها المنطقة وتجنب الخوض في صراع المحاور المشتعلة، مستعينا بـ «ملائكة» الثوابت التي لا خلاف حولها على «شياطين» التفاصيل، وصادحا بصوت الوجدان في أودية العرب السحيقة، لعله يوقظ «الضمير الغائب».
وخلافا لما كان يتوقعه البعض، لم يسترسل «الجنرال» في التعبير عن عواطفه السياسية المعروفة، بل هو بدا في كلامه «أبويا»، يحاول تغليب صوت العقل على دوي المدافع، ويستخدم منطق «الحكمة» بدل قسوة «المحاكمة».
كان واضحا ان رئيس الجمهورية أراد ان يراعي قدر الامكان التوازنات اللبنانية المرهفة، والحساسيات العربية المفرطة، فأمسك بقلمه من الوسط وعبر من سطر الى آخر فوق حبل رفيع، لا يحتمل دعسة ناقصة او حمولة زائدة، إنما من دون ان يسجل على نفسه في الوقت ذاته انه تنازل عن خيار او قناعة، لارضاء هذا او ذاك.
 وهذا الحرص من عون على تفكيك الصواعق السياسية بدل تفجيرها، لم يأخذه الى «الحياد السلبي» الذي لا لون له ولا نكهة، بل هو أطلق ما يشبه المبادرة الهادفة الى لمّ الشمل المبعثر ومعالجة خلافات العرب بالحوار، في نوع من الحنين لإحدى وظائف لبنان السابقة وهي صناعة الجسور.
 تحدى عون الواقع الداخلي، كما تعقيدات المنطقة، وتطوع لتأدية دور الوسيط او الحَكَم بين المتصارعين، مستفيدا من خبرة لبنان في الحروب العبثية ليعمم العبرة على العرب المنقسمين، ومنطلقا من التخصص في مجال «طاولة الحوار» ليدعوهم الى الجلوس حولها واستعمال طاقتها الايجابية في تبريد الساحات الساخنة.
 صحيح، ان حاجة اللبنانيين الى اكثر من سنتين لانتخاب رئيس الجمهورية، واخفاقهم حتى الآن في التوافق على قانون للانتخابات النيابية، يشكلان نقطة ضعف في «السيرة الذاتية»، لكن ذلك لا يقلل من شأن النصيحة التي وجهها عون الى نظرائه، وهو الذي خاض العديد من الحروب واختبر كلفتها التي تظل أقسى بكثير من فاتورة التسويات مهما كانت صعبة.  
لقد قدم عون نفسه أمس باعتباره جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة كما يصوره خصومه، ليريح بذلك الداخل والخارج على حد سواء.
وليس صعبا الاستنتاج ان خطاب رئيس الجمهورية امام القمة العربية أخذ بعين الاعتبار مقتضيات التفاهم او التناغم مع الرئيس سعد الحريري الذي كان قد تمنى على عون تجنب المواقف التي من شأنها ان تنتج حساسيات، سواء محلية ام خليجية.
ويبدو ان الجنرال مهتم بتحصين العلاقة مع رئيس الحكومة وملاقاته في منتصف الطريق، خصوصا ان الحريري أعطى حتى الآن العديد من الاشارات حول رغبته في التعاون مع رئيس الجمهورية وعدم الاصطدام به.
وعليه، فان الرجلين التقيا على ضرورة السعي الى انجاح تجربة التعايش بينهما، مع ما يتطلبه ذلك من مرونة متبادلة في المساحات التي تحتمل تدوير الزوايا، وبالتالي فان عون لم يكن في صدد احراج الحريري امام ممثلي دول الخليج، لاسيما الملك السعودي الذي اصطحب معه رئيس «تيار المستقبل» في طريق العودة الى السعودية.
وبقدر ما شكلت «همزة الوصل» محور خطاب عون في مقاربته للانقسامات العربية، ظهر «الجنرال» صريحا ومباشرا في تعامله مع ملف النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الى لبنان، محذرا من ان هؤلاء أصبحوا يعادلون نصف عدد سكانه بكل ما يعنيه ذلك من أعباء ضخمة على دولة صغيرة المساحة وقليلة الموارد، الامر الذي يستوجب تأمين عودتهم الى ديارهم، ويُرتب حتى ذلك الحين مسؤوليات وواجبات على الانظمة العربية التي كان بعضها شريكا في انتاج هذه الازمة الانسانية.
 

 سليمان


ولكن... الى اي حد عطل خطاب عون مفعول رسالة «الرؤساء الخمسة» السابقين الى القمة، وهل يشعر الموقعون عليها بأنهم أخطأوا؟


يقول الرئيس ميشال سليمان لـ «الديار» ان الضجة التي أثيرت حول الرسالة لا تعدو كونها زوبعة في فنجان، لافتا الانتباه الى ان جوهرها مستوحى أصلا من مضمون نقاشات طاولة الحوار التي كان يترأسها، خصوصا لجهة اعلان بعبدا الذي وافق عليه العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري.
 ويستغرب سليمان الترويج ان الرسالة تستهدف «حزب الله»، مشيرا الى انها لم تأت على سيرة الحزب، بل اتخذت موقفا مبدئيا من مسألة السلاح غير الشرعي، ومتسائلا: أليس السلاح الفلسطيني هو غير شرعي ايضا؟
وينفي سليمان وجود نية بالتشويش على رئيس الجمهورية، مؤكدا ان «هدفنا كان ضم صوتنا الى صوته امام القمة، والدفع في اتجاه حث العرب على المزيد من التضامن مع لبنان ضد اسرائيل والارهاب، ودعما للقرار 1701 وإعلان بعبدا، الى جانب مساندتنا في ملف النازحين السوريين».
ويشدد سليمان على ان الرسالة صبت في خانة تحصين موقف لبنان وموقعه وحماية مصالحه وثوابته، وصولا الى محاولة احتواء مفاعيل الاستياء العربي من بعض المواقف الرسمية التي صدرت مؤخرا.
ويضيف: المفارقة، ان معظم الذين ينتقدوننا سبق لهم ان وجهوا بدورهم رسائل الى محافل دولية وعربية، مع فارق اساسي بين الماضي والحاضر وهو ان رسالتنا تتناغم مع المصلحة الوطنية، وليس العكس كما حصل عندما ذهب غيرنا الى واشنطن.
وعن تعليقه على وصف البعض الرسالة الخماسية بانها خطيئة وطنية، يقول سليمان: من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر..
وعما إذا كانت الرياض قد حرّضت على توجيه الرسالة، يؤكد سليمان ان «السعودية ما معها خبر»، والامر أبسط بكثير مما يتخيله البعض، «ومن يتهمنا بالارتهان للخارج ننصحه بان يراجع حساباته، واللبنانيون يعرفون من المرتهن حقا ومن ليس كذلك».
 

 

 السنيورة


اما الرئيس فؤاد السنيورة فابلغ «الديار» ان الاتهامات التي وُجهت الى موقعي الرسالة هي معيبة، وتعكس عجز أصحابها، قائلا: نحن لسنا في دولة توتاليتارية ومن حقنا ان نبدي رأينا في مسائل تتصل بمصير وطننا، علما انها ليست المرة الاولى التي يحصل فيها امر من هذا النوع، ولا بأس في لفت الانتباه الى ان العماد عون ذهب الى واشنطن من أجل الدفع في اتجاه استصدار القرار 1559.
ويشدد السنيورة على ان الرسالة لم تتضمن تسمية لـ «حزب الله» او ايران، «وأردنا منها تحديد البوصلة، وتقوية موقف الدولة لا إضعافه»، معتبرا ان من يجب ان يحكم عليها ضمير الناس.
وردا على سؤال عما إذا كانت الرسالة موحى بها من الخارج، يجيب السنيورة: افضل رد هو المثل الشعبي القائل «عابوا على التفاح، فقالوا له يا أحمر الخدين». ويتابع: لم نستشر أحدا في شأن الرسالة ولم يعرف بها مسبقا أحد.
ويؤكد السنيورة انه وقّع الرسالة بصفته الشخصية كرئيس سابق للحكومة، «وبالتالي فان موقفي لا يلزم تيار المستقبل او كتلته النيابية».
وبالنسبة الى رأيه في خطاب عون في القمة العربية، لاحظ السنيورة انه بقي ضمن العموميات ولم يدخل في التفاصيل، «وربما تكون هذه وسيلة لتفادي الاحراج والخروج من المأزق، كمن يقف على سطح ناطحة سحاب ويروي ما يشاهده».

 

اللواء :

أنهت «قمة تلطيف الاجواء» العربية التي انعقدت يومي 28 و29 هذا الشهر، على ضفاف البحر الميت في الأردن، أعمالها بحزمة من القرارات تضمنها البيان الختامي حول لبنان، حيث رحبت القمة بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، وبتأكيد حق اللبنانيين في تحرير واسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة اي اعتداء بالوسائل المشروعة، وضرورة التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً ارهابياً، ودعم مطالبة لبنان بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 ووضع حدّ نهائي لتهديدات إسرائيلي وانتهاكاتها الدائمة، والاشادة بدور الجيش اللبناني وقوى الامن بصون الاستقرار والسلم الاهلي، وادانت الأعمال الارهابية التي استهدفت المناطق اللبنانية، ورفض اية محاولة للفتنة ومحاربة التطرف والتعصب، ودعم المؤسسات اللبنانية والمضي بالالتزام بأحكام الدستور لجهة رفض التوطين وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم.

وشدّد البيان على الحضور العربي والدولي في لبنان.

ووصف مصدر وزاري لبناني القرار العربي حول لبنان بأنه تجديد لالتزام العرب بدعم هذا البلد ومؤسساته الدستورية والأمنية، وهذا الدعم من شأنه أن يعزز الاستقرار اللبناني ويشكل غطاء عربياً لمواجهة التحديات الوطنية ومخاطر الاعتداءات الإسرائيلية والتصدي للبؤر والجماعات الإرهابية.

وعربياً واقليمياً، طالب الملوك والرؤساء والامراء العرب في ختام القمة بوقف التدخلات الخارجية في شؤون دولهم، في إشارة إلى إيران، من دون تسميتها، كما دعا القادة العرب الى اطلاق مفاوضات سلام فلسطينية – إسرائيلية، مجددين تمسهكم بحل الدولتين.

وأدان «اعلان عمان» الذي تلاه أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيظ المحاولات الرامية إلى زعزعة الأمن وبث النعرات الطائفية والمذهبية وتأجيج الصراعات، وما يمثله ذلك من ممارسات تنتهك مبادئ حسن الجوار والقواعد الدولية ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وجدّد القادة العرب التمسك بمبادرة السلام العربية التي أقرّت في قمّة بيروت عام 2002، معتبرين ان شرط السلام مع إسرائيل هو الانسحاب من كامل الاراضي العربية المحتلة حتى حدود عام 1967 وقيام دولة فلسطينية من خلال مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية تنهي الانسداد السياسي وتسير وفق جدول زمني محدد لانهاء الصراع على أساس حل الدولتين..

وشدّد البيان الختامي للقمة على عدم نقل سفارات دول العالم إلى القدس، أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، في أشارة إلى ما تردّد عن عزم إدارة الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية الى القدس، وفي إشارة الى استعداد العرب للعمل مع هذه الإدارة للوصول إلى السلام العادل والشامل، على حد ما صرّح وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي في المؤتمر الصحفي المشترك مع أبو الغيط في تلاوة البيان الختامي.

وفي ما خص سوريا، طالب القادة العرب «تكثيف العمل على ايجاد حل سلمي ينهي الأزمة السورية وبما يحقق طموحات الشعب السوري ويحفظ وحدة سوريا ويحمي سيادتها واستقلالها وينهي وجود الجماعات الإرهابية فيها».

وكلف مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري «بحث آلية محددة لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين السوريين وبما يمكنها من تحمل الأعباء المترتبة على استضافتهم».

واعرب القادة العرب عن «مساندة جهود التحالف العربي دعم الشرعية في اليمن وإنهاء الأزمة اليمنية».

وفي ما يخص ليبيا، شدد القادة العرب على «ضرورة تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا من خلال مصالحة وطنية». وأكّد القادة «دعمهم المطلق للعراق في جهوده القضاء على العصابات الإرهابية وجهود اعادة الامن والأمان وتحقيق المصالحة الوطنية»، في وقت تخوض القوات الحكومية العراقية قتالاً ضارياً لإنهاء تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في آخر معاقله في مدينة المواصل. كما اكد القادة على «سيادة دولة الامارات على جزرها الثلاث»، ودعوا ايران الى «الاستجابة لمبادرة دولة الامارات إيجاد حل سلمي لهذه القضية من خلال المفاوضات المباشرة او اللجوء لمحكمة العدل الدولية».

لقاءات الملك سلمان

وشكلت لقاءات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مع عدد من المسؤولين والقادة العرب على هامش القمة، مناسبة لتحضير التوافق العربي على المقررات، فضلاً عن تنقية العلاقات العربية – العربية، لا سيما اللقاء بين الملك سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وكذلك لقاء العاهل السعودي مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

وكشف المتحدث باسم الرئاسة المصرية علاء يوسف ان الملك سلمان والرئيس السيسي تناولا مختلف جوانب العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها».

وأكد الزعيمان حرصهما على دعم التنسيق المشترك في ظل وحدة المصير والتحديات التي تواجه البلدين، كما أكدا أهمية دفع وتطوير العلاقات الثنائية في كل المجالات، بما يعكس متانة وقوة العلاقات الراسخة والقوية بين البلدين والتي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.

وأضاف الناطق الرسمي إن اللقاء شهد كذلك التباحث بشأن الموضوعات المطروحة على القمة العربية، حيث أعرب الزعيمان عن تطلعهما لخروج القمة بقرارات عملية ومؤثرة ترقى لمستوى التحديات التي تواجه الأمة العربية، مشيراً في هذا الصدد إلى حرصهما على التنسيق المشترك ومع كل الدول العربية لمتابعة وتنفيذ ما سيتم التوافق عليه من قرارات وآليات للتعامل مع التحديات والأزمات التي تمر بها الدول العربية والمنطقة.

وعلمت «اللواء» ان الملك سلمان وجه دعوة للرئيس السيسي لزيارة المملكة والذي رحب بها داعياً العاهل السعودي لزيارة مصر.

كما التقى العاهل السعودي بالرئيس ميشال عون قبل مغادرة الأردن، وجرى عرض سريع لتطور العلاقات بين البلدين واعمال القمة.

على ان الحدث الذي اختطف الأضواء تمثل بالالتفاتة الملكية السعودية تجاه الرئيس سعد الحريري، حيث اصطحبه معه الملك سلمان إلى الرياض على متن الطائرة الملكية، بعد ان كان الرئيس الحريري رافق خادم الحرمين الشريفين في الطوافة من البحر الميت إلى عمان.

وفي وقت متأخر، ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) ان الملك سلمان عاد إلى الرياض بعد ترؤس وفد بلاده إلى القمة في دورتها الـ28 يرافقه الرئيس الحريري.

ماذا بعد القمة

معلومات «اللواء» اشارت إلى ان توجهات القمة وقراراتها سيحملها الرئيس السيسي إلى واشنطن، ثم رئيس القمة الملك عبد الله الثاني، لمناقشتها مع المسؤولين في إدارة ترامب، لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وخارطة الطريق العربية لاستئناف المفاوضات، او ما يتعلق بملف الإرهاب والاثارة المضخمة «للاسلاموفيبيا» في بعض المجتمعات الغربية.

ووصفت مصادر دبلوماسية عربية (ربيع شاهين) المناقشات والقرارات والبيان الختامي بأنها محاولة عربية جادة لاحياء آليات العمل العربي المشترك، وتنشيط دور الجامعة باعتبارها «بيت العرب» لتنسيق العمل المشترك إزاء القضايا المتفق عليها، بما في ذلك مواجهة الإرهاب على الرغم من التباين حول التعامل مع هذا الملف، في إشارة إلى موقف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة من ضرورة عدم وصف كافة التنظيمات بالارهاب (في إشارة إلى جماعة الاخوان المسلمين).

ويعود اليوم الرئيس عون والوفد الوزاري المرافق إلى بيروت، بعد ان ترأس وفد لبنان إلى مؤتمر القمة، وألقى كلمة دعا فيها إلى إنهاء الخلافات العربية – العربية، محذراً من ان نذهب جميعاً عمولة حل ليس ببعيد يفرض على العرب مجتمعين، داعياً إلى وقف الحرب بين الأخوة التي لا رابح فيها، معرباً عن استعداد لبنان للمساعدة على إعادة مد الجسور واحياء الحوار بين العرب، معتبراً ان تجنيب لبنان تداعيات النزوح السوري وتزايد اعدادهم يكون من خلال اعادتهم الامنة إلى ديارهم، واصفاً لبنان بأنه «بلد هجرة وليس بلد توطين».

وأفادت موفدة «اللواء» إلى القمة ان خطاب الرئيس عون لاقى استحساناً في أروقة المؤتمر وترحيباً بمضامينه.

تجدر الإشارة إلى ان الرئيس عون تعثر وسقط ارضاً عندما كان متوجهاً لالتقاط الصورة التذكارية للملوك والرؤساء العرب، لكنه سرعان ما نهض بمساعدة المرافقين واكمل سيره وكأن شيئاً لم يكن، حيث قدم له الملك عبد الله الثاني التهاني بالسلامة.

ومع عودة الرئيسين عون من عمان والحريري من الرياض تستأنف العجلة الحكومية دورتها، لا سيما لجهة التعيينات الإدارية والتفاهم على صيغة لقانون انتخاب جديد ووضع رؤية اقتصادية قادرة على جلب الاستثمارات مع تطبيع العلاقات اللبنانية – العربية وإعادة احتضان العرب لهذا البلد.

 

 

الجمهورية :

نُحِّيت الملفّات الداخلية بكلّ تعقيداتها جانباً، وأُعطيت إجازة موقتة حتى مطلع نيسان، الذي يبدو أنه شهر الحسم والاختيار بين الاستمرار في إنتاج السلبيات، وبين الذهاب الى الإيجابيات وفي مقدمها توليد قانون الانتخاب الموعود. فيما انشَدّت الحواس اللبنانية كلها نحو القمة العربية في الاردن، أملاً في أن تزرع الأمل في سماء العرب في إمكانية تقريب المسافات وإعادة مدّ الجسور في ما بينهم.

وبَدا جَليّاً انّ القمة جالت على الهموم والشجون العربية، بنبرة هادئة وموضوعية بلا تشنّجات، وكان للبنان ما أراد من القمة، التي خَصّته في بيانها الختامي بحَيّز مهم للإعراب عن «وقوفها الى جانبه والتضامن الكامل معه وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له، ولحكومته ولكافة مؤسساته الدستورية، بما يحفظ وحدته الوطنية وأمنه واستقراره».

وأكدت القمة على «سيادة لبنان على كامل أراضيه، وحق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أيّ اعتداء بالوسائل المشروعة والتأكيد على أهمية وضرورة التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي، التي هي حق أقَرّته المواثيق الدولية ومبادىء القانون الدولي وعدم اعتبار العمل المقاوم عملاً إرهابياً».

وإذ دانت الاعمال الارهابية والتحركات المسلحة والتفجيرات الارهابية التي استهدفت عدداً من المناطق اللبنانية، أشادت بـ«الدور الوطني الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الامنية اللبنانية في صَون الاستقرار والسلم الاهلي»، وشدّدت على ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية التعددية الفريدة القائمة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى دعم المؤسسات الدستورية اللبنانية في المضي بالالتزام بأحكام الدستور لجهة رفض التوطين والتمسّك بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم.

المشهد في القمة

في قلب المشهد العربي الذي عكسته القمة العربية خلال اجتماعها في الاردن، أمس، أبرَزت خطابات القادة العرب المخاطر التي تتهدّد الأمّة، وأوّلها الارهاب الذي يتهدّد كل المجتمعات العربية، كذلك الاوجاع التي تعصف من خاصرته السورية كما من اليمن والعراق.

وامّا الشقيق الأصغر لبنان فبَدا في موقعه معبراً عن نفسه كنقطة جَمع بين العرب، وموجّهاً البوصلة الى المكامن الحقيقية لتلك المخاطر وسبل درئها ومواجهتها.

وإنْ تَعثّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على باب القمة، فإنه لم يتعثّر في رسم صورة الوضع العربي المتعثّر. فقد قدّم كلمة غير تقليدية، وجدانية في الشكل، إنما كانت سياسية بامتياز في المضمون.

تفادى الوقوع في الخلافات اللبنانية من جهة، وفي الصراعات العربية والاقليمية من جهة أخرى، ونجح في قلب التقليد السابق؛ حيث كان العرب يتوجهون بنداءات نحو لبنان، فإذا برئيس لبنان هذه المرة هو من يوجّه النداء للعرب لوَقف خلافاتهم.

جاءت كلمة عون عمومية، حَلّق فيها فوق القضايا الاساسية من دون ان يهبط في ايّ منخفض جوي او فجوة أرضية. لكنّ ذلك لم يمنعه من محاولة إسقاط التجربة الحوارية اللبنانية على العرب، وإطلاق مبادرة رَمى من خلالها الى فتح حوار في ما بينهم لحلّ مشكلاتهم بعيداً من العنف.

وكان اللافت في كلمة رئيس الجمهورية أنها توجّهت الى الانظمة والشعوب العربية، فدعا الى وقف الحروب لأنها اصبحت عبثية، والى عدم تدخل ايّ دولة في شؤون دولة عربية اخرى بحيث تختار كل دولة نظامها.

كما توجّه الى جامعة الدول العربية، فدعاها الى الخروج من نومها العميق لتتمكن من تأدية الدور الذي من أجله أُنشِئت، وهو لَمّ الشمل العربي ذلك انّ الموقف ـ الطرف الذي اتخذته الجامعة منذ بدء الثورات في عدد من الدول العربية عَطّل دورها كوسيط او كمرجعية جامعة، ما جعل مرجعيات دولية وإقليمية غيرها تقوم بالدور.

ولعلّ اللافت للانتباه في كلمة الرئيس عون هو انّ دعوته الى لَم الشمل العربي تنطوي على دعوة بطريقة غير مباشرة الى إعادة سوريا وكل جهة عربية مُقصَاة، الى الجامعة لكي تتمكن من القيام بدورها. وامّا الأساس في ما تقدّم، فهو انّ هذه «المواقف العربية» لرئيس الجمهورية تفترض تجاوباً عربياً معها لئلّا تبقى صوتاً صارخاً في الصحراء.

امّا على الصعيد اللبناني فتجَنّب رئيس الجمهورية إثارة ايّ عناوين ساخنة او محل إشكال، فلم يقارب في كلمته «حزب الله» ودوره في سوريا لئلّا تتحول كلمته الجامعة في الاردن، مصدر خلاف في لبنان مثلما حصل لدى زيارته مصر.

غير انّ الرئيس عون طرح صراحة مرة أخرى معاناة النازحين السوريين بسبب نزوحهم ومعاناة لبنان بسبب وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين بهذه الأعداد الهائلة (نحو نصف سكان لبنان)، فدعا الدول العربية من خلال قادَتها الى السير بمشروع إعادة النازحين السوريين الى مناطق آمنة في سوريا.

ولذلك لاحظت مصادر سياسية أنها المرة الاولى التي لا يطلب فيها لبنان مساعدات مالية وكأنه يقول للعرب لا نريد مالاً لتوطين النازحين إنما نريد مشروعاً لإعادتهم الى بلادهم حفاظاً على وحدة سوريا وسلامة للبنان.

وفي النهاية أتت كلمة عون مخيّبة لآمال الذين كانوا يراهنون أنه سيتكلم كرئيس لفريق لبناني، لا كرئيس لكلّ لبنان.

وأمّا في الجانب المتصل بـ«الرسالة الخماسية» التي بعث بها رؤساء الجمهورية والحكومة السابقون الى قمة عمان، فيبدو انها لم تفتح. فيما توقّف متابعون لأعمال القمة من الجانب اللبناني أمام مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي اصطحب معه الى الرياض رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد مضيّ وقت طويل لم يقم به الأخير بزيارة رسمية الى المملكة. واذا كانت ثمّة من قرأ في الرسالة الخماسية محاولة إحراج للحريري، فإنّ مبادرة الملك سلمان فيها من المغازي والمعاني الكثير الكثير.

تجدر الاشارة الى انّ عون كان قد التقى، على هامش اعمال القمة، العاهل السعودي قبل مغادرته الاردن، وكان عرض سريع للعلاقات الثنائية اللبنانية- السعودية والتطورات التي تشهدها المنطقة.

وقد كان لكلمة رئيس الجمهورية في القمة صدى إيجابياً في الداخل اللبناني، ووصفها مرجع سياسي كبير لـ«الجمهورية» بأنها كلمة بحجم المرحلة.

فنيش لـ«الجمهورية»

وبَدا «حزب الله» أكثر المرتاحين والمرحّبين بكلمة عون، ونظر اليها بتقدير كبير، وقد عبّر عن ذلك الوزير محمد فنيش بقوله لـ«الجمهورية»: «لقد بَدا رئيس الجمهورية في القمة أكثر حرصاً على لَمّ الشمل العربي واهتمام العرب بقضاياهم الاساسية، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهم البعض، ووقف الاحتراب».

وأشار الى انّ خطاب عون يحوي ضمناً اشارة الى مسؤولية بعض الدول العربية عن الحروب القائمة في العالم العربي، إذ لا يكفي فقط أن نلقي المسؤولية على قوى خارجية وتُحرَّف الحقائق.

وقال: أكّد في خطابه دور لبنان الجامع والمدافع والحريص على قضايا العرب وجمع كلمتهم، ليس كالبعض الذي يريد ان يجعل من خلافاتنا الداخلية سبباً للتدخلات العربية بالخلافات العربية وبداخل لبنان، بما يجعل لبنان ساحة. إذ أمام هذا الحرص نرى في المقابل بعض من كان في موقع السلطة سابقاً يسعى، عبر إيحاءات لا اعرف من أين، لجَعل لبنان ساحة مُتلقّية للخلافات العربية.

أضاف: لقد بَدا رئيس الجمهورية في خطابه امام القمة، في موقع المسؤول، وموقع رجل الدولة وفي موقع لائق به ولائق بلبنان وبنظرته الى دوره على مستوى المنطقة وعلى مستوى القمة العربية.

فهذا الموقف الذي عبّر عنه يعكس الواقع اللبناني القائم على التفاهم السياسي الذي يبدو أنه مُزعج للبعض، لأنّ هذا البعض مُتضرّر من هذا التوافق، الذي يَترسّخ أكثر فأكثر، وتتأتى عنه الكثير من النتائج الايجابية على صعيد بعض الاستحقاقات، ويبدو انّ هذا البعض المُتضرّر يريد التشويش والعرقلة.

وختم: هذا موقف لا يعكس فقط موقف رئيس الجمهورية، بل يعكس ايضاً حتى موقف رئيس الحكومة المُشارك في القمة، وكذلك كل الفرقاء الممثّلين في الحكومة.

«14 آذار»

من جهته، قال مصدر قيادي في ١٤ آذار لـ«الجمهورية» إنّ خطاب رئيس