الى ما أثير من القضايا السياسية والعسكرية والإرهاب في «قمة البحر الميت»، هناك مَن يراقب التطورات المتسارِعة في المنطقة والعالم ليتوقع ما هو محتمل في قابل الأيام. فالخيارات العسكرية تتقدم على ما عداها، وأخطرها المواجهة التصاعدية بين الرياض وطهران عدا عن الخلافات الداخلية بين العرب.
 

فهل تكون قمة إستثنائية؟ أم رقماً إضافياً في سلسلة القمم؟بمعزل عما يمكن أن تنتهي اليه اعمال القمة العربية في دورتها الثامنة والعشرين، بين الديبلوماسيين مَن يعتقد أنّ شيئاً لن يتغير في المنطقة. فالذين التقوا على شاطئ البحر الميت افتقدوا كل أشكال المبادرة في إدارة الأزمات العربية المتتالية، سواءٌ تلك التي اندلعت بين اهل البيت الواحد او عند الجيران وفي ما بينهما. والأخطر في ظل الإنقسامات العلنية أنّ قادة هذه الشعوب العربية باتوا من اصحاب ردات فعل.

فباتوا أسرى استراتيجيات خارجية تستدرجهم الى خيارات صعبة الى حيث يريدون أو لا يريدون، فارتفعت معها حدة المواجهات في ما بينهم، ومعها كلفتها تدريجاً الى أن هدّدت احتياطهم من الأموال والثروات الطبيعية.

وعليه، يعترف ديبلوماسي عتيق بأن ليس من السهل انتظار أيّ حلول أو مخارج ترسمها القمة لمسلسل الحروب الدائرة على مساحة عدد من الدول والأقطار العربية حيث بات الإدّعاء بالحد الأدنى من الأمن والإستقرار سراباً. فما أن تقفَل جبهة حتى تُفتَح أُخرى، فيصبح البحث عن الحلول مجرد أوهام ليس من المرتقب تحقيقها.

وقبل أن يتوجه الى القمة، كشف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام مجلس الوزراء أنّ كلمته في القمة ستكون «رسالة سلام بإسم لبنان واللبنانيين»، وأنه «سيدعو الى إعادة تطبيق ميثاق الجامعة العربية» في اعتبارها «المرجعية الافضل لتوحيد الرؤى العربية».

وهو ما أدّى الى الحديث عن موقف لبناني «استثنائي وغير تقليدي» سيعبّر عنه لبنان الرسمي في هذه القمة أملاً في حضّ الملوك والأمراء والقادة العرب على وقف مشاريع الحرب التي يقودونها في ما بينهم والسعي الى تزخيم العمل السياسي والديبلوماسي أملاً في تطويق الأزمات المتفاقمة.

ولذلك يتوقف الديبلوماسي عند هذه المعطيات ليطرح نقاط استفهام عدة حول الجدوى من الحديث عما إحتوته المواثيق والأوراق والتفاهمات العربية من المثل والشعارات التي نصّت عليها انطلاقاً من «الميثاق العربي المشترك» الذي وُضعت عناوينه في أول قمة عربية دعا اليها الملك فاروق في مدينة «أنشاص» المصرية عام 1946، وشاركت فيها الدول السبع المؤسِسة للجامعة وهي: الأردن، مصر، السعودية، اليمن، العراق، لبنان وسوريا.

فمنذ تلك القمة والى الآن، عُقد 39 اجتماع قمة عربية، من بينها 27 قمة عادية قبل قمة الأمس، و9 قمم طارئة و3 قمم اقتصادية تعهد خلالها العرب بالسعي الى «التشاور والتعاون والعمل قلباً واحداً ويداً واحدة».

وهو ما لم يحصل مرة واحدة بدليل أنها كانت وما زالت تناقش في القضية الفلسطينية من دون أن تغيّر في واقع الحال شيئاً على رغم ما حققته الثورات العربية التي قادت الى إنهاء عهود الإنتداب والإحتلال في اكثر من دولة قبل أن تجمع الجامعة العربية اليوم 23 دولة عربية.

والى هذا العرض التاريخي السريع حول العلاقات العربية الخارجية والبينية، لا بد من التذكير أنّ أبرز التفاهمات العربية لم يجد أحد ترجمة لها. وأبرزها كان الحديث عن معاهدة «الدفاع العربي المشترك» التي تغنى بها العرب من دون أن يشهد أحد ترجمتها على رغم عبور بعض المحطات التي افتقدها العرب.

ويعتقد كثيرون أنّ مثل هذه التفاهمات كانت قابلة للتطبيق في المواجهات العربية - الإسرائيلية، لكن وباعتراف الجميع لم يترجم أيّ منها وكان مسلسل الحروب الست التي خاضتها إسرائيل ضد العرب خير مثال.

وبقي الوضع مأسوياً الى أن انشغل العالم العربي والإسلامي بأزماته الداخلية سواءٌ ضمن الحدود الداخلية لهذه الدول أو في ما بين الجيران وهو ما قاد الى أشكال أخرى من التفاهمات التي رسمت حدوداً بين مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي واخرى ما بين الدول العربية - الأفريقية والمتوسطية وتلك الإسلامية وايران فنشرت مزيداً من التوتر على مساحة العالم العربي وسط فقدان كل اشكال التعاون.

وعليه، فإنّ الرهان على «قمة البحر الميت» لتكون محطةً فاصلة في تاريخ العلاقات العربية - العربية ليس في محله وليس من السهل تلمّسه. فالمحاور الدولية الكبرى قسمت العالم العربي والغربي معاً الى محاور عدة.

فلا يمكن تجاهل القول إنه وبالإضافة الى عودة الروس الى مسرح العالمين العربي والإسلامي إحياء للثنائية الدولية، جاء الساكن حديثاً في البيت الأبيض ليخوض، بالإضافة الى حربه ضد الإرهاب في العراق وسوريا، مواجهة أخرى مع الصين والمانيا وايران، وهو ما يشجع على مزيد من التصعيد في المواجهة بين الرياض من جهة وطهران من جهة أخرى. وهو أمر سيقود القمة الى خيارات قد لا يستطيع لبنان تغيير أيّ شيء فيها بواسطة خطاب أو رسالة.

وفي انتظار النتائج التي آلت اليها المصالحة المصرية - السعودية على هامش القمة لم يظهر أنّ هناك مسعى آخر يخفف من حدة التشنج على مسار الرياض ـ طهران، بل على العكس فإنّ مسلسل العقد الأخرى لا يمكن أن تخفيه العبارات العربية الجاهزة لتكوين البيان النهائي للقمة.

وإنّ مَن ينتظر انفراجاتٍ واسعة على مستوى المصالحات العربية قد يطول انتظاره الى أن يتعب. وهو ما يقود الى المعادلة التي تجعل من القمة رقماً إضافياً في مواعيد القمم العربية ولكن الى متى!؟