تحت عنوان: "أحمد الحريري في طرابلس.. مُهمّة مستحيلة!"، كتبت "سفير الشمال": لا يكاد الأمين العام لتيار "المستقبل" أحمد الحريري يغادر طرابلس والشمال، حتى يعود إليهما ثانية، إلى درجة بات لا يمرّ شهر إلا ويكون الحريري حاضراً في أزقة طرابلس أو بلدات الشمال، عبر إطلالات مختلفة تعطي إنطباعاً أنّ الرجل يجاهد نفسه ويستبق الزمن، لتأدية المهام التي جاء من أجلها.

غير أنّ زيارات الأمين العام للتيار الأزرق إلى عاصمة الشمال وسائر المناطق الشمالية الأخرى في الآونة الأخيرة، لم تعد تقتصر على منسقي وكوادر ونواب تياره، سواء من أجل أهداف تنظيمية أو لغايات إنتخابية، إنّما توسعت مروحة الزيارات لتشمل فاعليات ورؤساء بلديات وومخاتير ووجهاء ومفاتيح إنتخابية، وحتى مواطنين، وهو تطوّر لم يكن متبعاً من قبل قيادات التيار الأزرق حتى قبل سنوات قليلة.

فقد جرت العادة، وتحديداً منذ عام 2005، أن يتوجّه الرئيس سعد الحريري إلى فندق "كواليتي. إن" في طرابلس، ليقيم فيه وفريق عمله يوماً أو يومين على الأكثر، مستقبلاً زواره الذين كانوا يقفون بالطوابير داخل ردهات الفندق وخارجه، ينتظرون أن يمنّ عليهم الحريري بدقائق قليلة للقائه بهم، قبل أن يغادر إلى بيروت والحسرة تحزّ نفوس كثيرين لم يكتب لهم الحظ نيل "بركة" الشيخ سعد.

لكن هذا "المجد" الشعبي سرعان ما بدأ يتلاشى تدريجياً، فلم تكد تمضي سنوات قليلة إلا وبدأ الجمهور ينفضّ من حول الحريري، لإخلاله بوعود كثيرة أعطاها بقي أغلبها مجرد وعود، ونتيجة أداء سلبي لنوابه ومنسقيه تجاه جمهور التيار الأزرق، ما دفعه للنزول من برجه العاجي، بعدما لمس حجم الإحتجاج والإعتراض الكبيرين على أدائه ونكثه بوعوده، وإخلاله بالتزامات تعهدها وبقيت حبراً على ورق.

هذا التراجع لمسه الحريري قبل أقلّ من سنتين تقريباً، لما وصل إلى طرابلس وأدّى صلاة الجمعة في مسجد "الصدّيق"، ليفاجأ بأنّ من كانوا في استقباله لم يزد عددهم على 500 شخص، بعدما كانت طرابلس تخرج عن بكرة أبيها وتنزل إلى ساحة الشهداء للمشاركة في اعتصامات تيار "المستقبل" و14 آذار، أو لاستقباله بحشود غفيرة عندما كان يحلّ في فندق "كواليتي. إن".

أدرك الحريري أنّ زمن وقوف الوفود الشعبية على بابه قد انقضى، وأنّه يجب عليه التواضع والسير في اتجاه معاكس لما كان عليه الحال في الماضي القريب، وأن يذهب شخصياً إلى جمهوره، الذي بدأ يبتعد عنه، إما بالإعتكاف أو بالذهاب باتجاه "خارجين" عنه كالوزير السابق أشرف ريفي والنائب خالد ضاهر، أو خصومه وأبرزهم الرئيس نجيب ميقاتي، الذي بدأ يستقطب الكثير من كوادر وجمهور التيار الأزرق، ما جعل الحريري يشعر بقلق حقيقي على شعبيته.

كل ذلك، دفع الحريري كي يرسل، على عجل، إبن عمّته إلى طرابلس والشمال لإيقاف تدهور شعبية تياره، واستعادة ما أمكن من عصب تراخى كثيراً في الآونة الأخيرة، إلى حدّ دفع بالأمين العام للتيار الأزرق للنزول إلى الشارع ومصافحة الفقراء والمحرومين، الذين كانوا أبرز ضحايا سياسة التيار الإقتصادية التي بدأها قبل نحو 25 عاماً.

من استمع إلى الحريري في زيارتيه الأخيرتين إلى طرابلس، لمس لديه إنفصاماً عن الواقع. إذ ظهر في جولاته وكأنّه هو المرشح للإنتخابات النيابية وليس نواب ومرشحي تياره الذين خيّبوا الآمال، وحاول إيهام مستقبليه أنّه آتٍ من المعارضة وليس من موقع السلطة التي يتربع عليها تياره منذ أكثر من عقدين، وأنه مسؤول عن معظم السياسات الإقتصادية والإجتماعية الخاطئة التي يدفع لبنان ثمنها منذ سنوات.. وما يزال.

(سفير الشمال)