نظّم «مركز كارنيغي» للدراسات في الشرق الأوسط أمس، ندوة لمناقشة «المرحلة الأخيرة من الحرب في سوريا»، حيث لم يصل النزاع السوري إلى خواتيمه بعد، لكنّه على ما يبدو دخل مرحلته الأخيرة.وعلى رغم أنّ الرئيس السوري بشار الأسد يبدو عازماً على التشبّث بالسلطة، قد تساهم التحوّلات الكبيرة في السياستين الأميركية والتركية في إيجاد حلّ يُتفاوض عليه لهذا البلد الذي أنهكته الحرب.
 

فما هي التطورات التي سيحملها العام المقبل بالنسبة إلى النزاع العسكري في سوريا والجهود الديبلوماسية المستمرة في جنيف والأستانة؟ وكيف سيؤثّر أيّ حلّ سياسي يشترط بقاء الأسد في منصبه على الاستقرار، والمصالحة الوطنية الحقيقية، والقضية الكردية في سوريا؟ وما آفاق المعارضة السورية في حال انتهى النزاع المسلّح؟

مرحلة طويلة

من جهته، قال باحث أوّل في «مركز كارنيغي» يزيد صايغ إنّ «التحوّل الأهمّ ليس سقوط المناطق الشرقية في حلب في أيدي النظام السوري، بل من توصّل الى هذه النتيجة». وأضاف أنّ «المرحلة الأخيرة قد تطول سنة أو سنتين أو ثلاث من العنف المستمر بوتيرة أو بأخرى وفي مناطق وليس في أخرى، بين خصوم وخصوم آخرين»، موضحاً: «لكن يبدو أننا قطعنا مفترق طرق معيّناً ومنطلقين نحو الأمام، والسبب الرئيسي هو تحوّل السياسة التركية منذ محاولة الإنقلاب الفاشلة في تموز الماضي».

وتابع أنّ «هذا التحوّل خلق تحدياً داخلياً أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية)، وإستوجب ضبط أوضاع الجيش الداخلية والشرطة والقضاء والإدارات المدنية للحكومة وقطاعات أخرى»، مشيراً إلى أنّه «على رغم تحقيق أردوغان فوزاً في هذه المجالات عبر تأكيد سيطرته وسطوته سياسياً، ومهد الطريق أمام طموحه بتحقيق تحويل النظام البرلماني الى رئاسي، غير أن لا وجود لجيش ينهض من هذه المحاولات بأشهر بل تحتاج سنوات لإعادة تأهيل الجيش التركي، فضلاً عن تحدّيات اقتصادية».

ولفت صايغ إلى أنّ «هدف تغيّر السياسة التركية الخارجية هو تخفيف التناقضات والخصومات، خصوصاً إصلاح الأوضاع مع روسيا وإعادة العلاقات مع «إسرائيل»، فضلاً عن تغيير المسار داخل سوريا»، مشدداً على أنّ «هذا ما شاهدناه بعد الإنقلاب الفاشل، حيث نقلت تركيا الآلاف من مقاتلي المعارضة المسلحة من جبهة حلب ومحاولات فك الحصار عن حلب الشرقية، نحو جرابلس، خدمةً للأهداف التركية التي هي موجهة ضدّ تحرك الأكراد في سوريا».

وأشار إلى أنّ «هناك تغليباً واضحاً للمصلحة التركية على مصلحة المعارضة، وهي المسألة لن تكون آنية وعابرة، فتركيا إستعدت أن تخسر حلب ثمناً لذلك وما هو آتٍ سيكون في المسار نفسه»، مؤكداً أنّ «ما فعلته تركيا ألحق أضراراً بالمعارضة لا عودة عنها».

وأكّد أنّ «هذه التطورات لها إنعكاسات سياسية وديبلوماسية، حيث لا أفق لمفاوضات جنيف للوصول إلى حلّ سلمي لم يكن موجوداً من الاساس في المفاوضات»، مضيفاً: «أما إطار أستانة للمحادثات، فلن يوصل أيضاً الأطراف إلى إتفاق سياسي لكنه أصبح إطاراً للتحاور بين الأطراف حول القضايا الميدانية، حيث تلتقي تركيا مع روسيا وإيران والمعارضة والنظام السوري عند اللزوم».

وأعلن أنّه «من المحتمل جداً إعادة فتح الطريق كلياً من إعزاز على الحدود التركية وصولاً إلى معبر «نصيب» عند الحدود الأردنية لإعادة حركة التجارة البرية من تركيا إلى الأردن وصولاً إلى الخليج، والدليل على ذلك هو تنشيط الدور الأردني جنوب سوريا».

وتابع أنّ «روسيا توسطت لاتفاق بين «مجلس منبج» الموالي للأكراد لإدخال منبج تحت مظلة دمشق، وهنا درجة عالية من التنسيق بين تركيا وروسيا، ما قد يؤدي الى إعطاء مناطق جنوباً وشمالاً للنظام، فضلاً عن استمرار المصالحات».

عوامل عدّة

بدوره، أكّد مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني لدى «معهد الدوحة» سلطان بركات أنّ «السبب وراء تغيّر الأحداث السورية ليس فقط تغيّر السياسة التركية تجاه سوريا، بل عوامل عدة بينها ردة فعل النظام على إمتداد النفوذ الإيراني وعدم قدرته على ضبط هذ الامتداد، وطلب مساعدة روسيا، فضلاً عن إنشغال السعودية في اليمن وانخفاض سعر النفط».

واضاف: «عامل آخر هو الخلط بين الإرهاب و«المقاومة»، ما أدّى إلى تراجع بعض الدول عن دعم «المقاومة»، بينها قطر وزيادة المساعدات الإنسانية»، موضحاً أنّ «الضغط زاد على الأردن في حال فشلها كدولة، حيث ستكون الانعكاسات سلبية على المنطقة، خصوصاً «إسرائيل»، فوضعها الاقتصادي حرج ووجود تنظيم «داعش» على الحدود يهدّدها». وتابع أنّ «هذه العوامل ضغطت على الأردن، ما أدّى الى حصول الزيارت الأخيرة من قيادات أردنية إلى دمشق».

وأشار إلى انّ «هناك شبه اتفاق الى إمكان استمرار الاسد في المعادلة المقبلة، ما قد يؤدي إلى عقد عدد من الصفقات السرية مع دائرته وصفقات في المنطقة، إلى جانب الصفقة المعلنة»، موضحاً أنّ «النازحين سيعودون لكن ليس جميعهم، فهذه الصفقات ستعرقل العودة الكاملة، وممكن أن تهجّر مزيداً من الاشخاص».

وأكّد أنّ «الولايات المتحدة أعلنت عدم إهتمامها بإعادة إعمار سوريا تاركة الأمر لروسيا التي لا موارد لديها لإعادة الإعمار، فالتوجه سيكون للاتحاد الأوروبي والخليج بعد التوصل الى اتفاق مع تركيا حول موضوع اللاجئين».

تشتّت المعارضة

إلى ذلك، قال المستشار في مركز الحوار الإنساني مالك العبدة إنّ «المعارضة منقسمة الى ثلاث: «المثاليون» وهم الناشطون الذين نظموا وشاركوا في المظاهرات من اجل الحرية، و«الفقراء أو البؤساء» وهي الشريحة الأوسع والدافع الحقيقي وراء الثورة لكنهم لجأوا الى السلاح بدعم خارجي، فضلاً عن «الوسطاء» وهم المعارضة السياسية كـ«هيئة التنسيق» و«الائتلاف السوري لقوى المعارضة» الخ».

وأضاف: «المثاليون لا وجود لهم على الساحة منذ سنوات، والفقراء سيستمرون في تنفيذ العمليات النوعية ضد النظام في مختلف المناطق مثلما حصل في حمص ودمشق أخيراً، ما يؤدي إلى تغطية إعلامية لهم وزيادة الدعم من أطراف معينة، أمّا الوسطاء، فسيستمرون في محاولتهم المشاركة في الحكم لاحقاً عبر فرض أجندة الدول الخارجية حسب المعادلة السورية».