لوّحت أنقرة أمس، بمراجعة جزء من اتفاق مُبرم مع الاتحاد الأوروبي لكبح الهجرة غير الشرعية إلى القارة العجوز. تزامن ذلك مع درس الحكومة التركية عقوبات قد تفرضها على هولندا، مؤكدةً أنها «ستُضطر» إلى الاعتذار، بعد منعها وزيرَين تركيَين من المشاركة في تجمّعات لجالية بلادهما، تأييداً لتحويل النظام رئاسياً في تركيا.
لكن زعيم المعارضة في تركيا كمال كيلجدارأوغلو ذكّر بأزمة إسقاط المقاتلة الروسية فوق الحدود مع سورية، محذراً من «انحدار في اللغة»، وداعياً إلى «التصرّف في شكل يليق بسمعة» أنقرة، فيما عزّز الأوروبيون تضامنهم مع هولندا.
وكانت الشرطة الهولندية استخدمت كلاباً وخراطيم ماء لتفريق حوالى ألفي مؤيّد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تظاهروا أمام القنصلية التركية في روتردام، احتجاجاً على منع السلطات وزيرة العائلة التركية فاطمة بتول كايا من مخاطبة حشد ضخم في المدينة، واقتيادها إلى الحدود الألمانية من حيث دخلت براً إلى هولندا. أتى ذلك بعد ساعات على سحب أمستردام إذناً لهبوط طائرة تقلّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، لمنعه من المشاركة في لقاء مع مهاجرين أتراك.
وأوردت صحيفة «سوزجو» المؤيّدة للمعارضة في تركيا، أن رئيس الوزراء بن علي يلدرم كان قال لصحافيين الأسبوع الماضي إن جاويش أوغلو لن يتوّجه إلى هولندا قبل الانتخابات النيابية المرتقبة غداً، مراعاةً لوضعها الداخلي، مضيفة أنه فوجئ بإصرار الوزير على الزيارة. وتابعت أن بتول كايا لم تكن تعتزم زيارة هولندا ولم تنسّق ديبلوماسياً مع مسؤوليها قبل توجّهها براً من ألمانيا، في قرار مفاجئ. وتحدثت عن «يد خفية» طلبت الزيارة من أجل تصعيد الموقف، وحشدت مئات من الأتراك حول القنصلية التركية في روتردام.
وانتقد رئيس «حزب السعادة» الإسلامي تمل كرم الله أوغلو زيارة بتول كايا هولندا، من دون إذن أو تنسيق، مشدداً على ضرورة ضبط النفس في الأزمات الخارجية، «لئلا ينقلب الحقّ علينا، فنكون محقين ونصبح مخطئين بسبب تصرّفاتنا».
وحذر كيلجدارأوغلو من «انحدار في اللغة ومن اتهامات»، منبهاً إلى وجوب «التصرّف في شكل يليق بسمعة تركيا ولا يضرّ بصورتها في الخارج في مثل هذه الأزمات». وذكّر بأن لغة الاتهامات والانتقادات تجاوزت كل الحدود الديبلوماسية، بعد إسقاط المقاتلة الروسية، قبل طيّ الأزمة، بتقديم أردوغان اعتذاراً خطياً لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وأشارت أوساط سياسية وإعلامية معارضة إلى موجة في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، تطالب بمنع قانون ازدواج الجنسية مع أنقرة «خشية التأثير الأردوغاني في الأتراك الذين ينالون جنسيات أوروبية».
في المقابل، شكر النائب عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم حسين كوجه بييق، حكومتَي ألمانيا وهولندا، لافتاً إلى أن الأزمة معهما زادت نسبة الداعمين للنظام الرئاسي في تركيا بنقطتين مئويّتين.
واستدعت الخارجية التركية القائم بالأعمال الهولندي في أنقرة، للمرة الثالثة في غضون 3 أيام، وسلّمته مذكرتَي احتجاج، على «المعاملة غير اللائقة» لبتول كايا، وعلى «المعاملة المهينة وغير الإنسانية» للمحتجين الأتراك أمام قنصلية بلادهم في روتردام.
ودرست الحكومة التركية أمس، فرض عقوبات على أمستردام، في خطوة اعتبرها وزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر جليك «أكيدة». ودعا إلى مراجعة اتفاق أنقرة مع الاتحاد الأوروبي لكبح الهجرة غير الشرعية، لتخفيف الجزء المتعلّق بوصول مهاجرين برّاً عبر اليونان وبلغاريا. واستدرك بوجوب إبقاء مراقبة نقاط العبور البحرية.
وأعلن نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي، أن دولاً و «شعوباً مظلومة في أفريقيا وأميركا اللاتينية» تدعم أنقرة في موقفها إزاء أمستردام، مؤكداً أن الأخيرة «ستُضطر إلى الاعتذار من تركيا».
في المقابل، رفضت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل تشبيه أردوغان هولندا بـ «فلول النازيين»، إذ اعتبرته «مرفوضاً ومضلّلاً تماماً»، مذكرة بأن هولندا «تحمّلت الكثير من المعاناة» أثناء الحكم النازي. وأعلنت «دعماً وتضامناً كاملَين» مع أمستردام.
وشدّد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت على أن «ذكر النازية والفاشية ليس مقبولاً»، داعياً جميع الأطراف إلى إنهاء هذا الخلاف الديبلوماسي.
وحضّت المفوضية الأوروبية تركيا على «الإحجام عن التصريحات والإجراءات المبالغ فيها، والتي قد تؤجّج» الوضع، داعية إلى «التوصل إلى سبل لتهدئة الموقف». وأعلنت أن الاتحاد الأوروبي «سيقوّم» التعديلات الدستورية التركية التي قد تُقرّ في استفتاء مرتقب الشهر المقبل، «في ضوء التزامات تركيا، بوصفها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد وعضواً في مجلس أوروبا».
ودعا الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أنقرة وأمستردام إلى «إظهار احترام متبادل والتزام الهدوء والمساهمة في نزع فتيل التوتر».