فيما سُجّل تقدّم على جبهة الموازنة العامة للدولة، لم يخرج قانون الانتخاب العتيد من دوّامته بعد، إذ يستمر تدوير الزوايا الانتخابية عبر تكثيف وتيرة المشاورات واللقاءات وليس آخرها الاجتماع المسائي في السراي الحكومي عقب جلسة مجلس الوزراء بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ووزير المال علي حسن خليل، ودام أكثر من ساعتين. في ظلّ معلومات لـ«الجمهورية» أفادت أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أبدى للمعنيين رغبةً في أن يقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون انتخاب بأكثرية الثلثين ويحيله إلى مجلس النواب ليدرسه ويقرّه.
أقرّ مجلس الوزراء في جلسته أمس معظم مواد الموازنة، ولم يبقَ سوى بعض البنود التي تحتاج إلى صوغ، بالإضافة إلى أرقام الموازنات المتعلقة بالوزارات، وحدّد جلسة عند الثانية بعد ظهر الاثنين يفترض أن تكون نهائية لاستكمال البحث في الموازنة.

مصادر وزارية

وتوقّعت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أن ينتهي المجلس من المواد العالقة ومن اعتمادات الوزارات إذا سارت الأمور بلا تعقيدات أو طلبات إضافية، خصوصاً أنّ وزارتَي الداخلية والدفاع هما أكثر الوزارات التي تأخذ حيّزاً بالبحث، فتخضع الموازنة إلى وضع اللمسات الاخيرة عليها قبل إقرارها نهائياً في جلسة تعقَد برئاسة رئيس الجمهورية».

ولم تستبعد المصادر «أن يكون التصديق النهائي على الموازنة في جلسة الاربعاء في قصر بعبدا لأنّ المتعارف عليه أن تقرّ كونها من الملفات الأساسية في جلسة يرأسها رئيس الجمهورية».

وأكّدت أنّ أجواء الجلسة «كانت إيجابية وجدّية، وبدا خلالها وزير المال علي حسن خليل متمكّناً جداً من موازنته، حيث أجاب عن كلّ الأسئلة وشرَح المواد بالتفاصيل، فوصَف أحد الوزراء أداءَه بأنّه كان بمستوى عالٍ جداً».

وعلمت «الجمهورية» أنه أثناء البحث المعمّق قال أحد الوزراء للحريري: «يا دولة الرئيس، نحنا جعنا». فيما سأل الوزراء عن غياب «البوفيه» الجانبية التي كانت حاضرة دوماً في جلسات مجلس الوزراء. عندها رفعَ الحريري هاتفَه وأجرى اتصالاً ثمّ قام بحركة على الهاتف وتوجّه إلى الوزراء قائلاً: «تكرَم عيونكم إلكن مفاجأة بعد شوَي».

ثمّ تابَع مجلس الوزراء عمله إلى أن وصلت «المفاجأة» فرَفع الحريري الجلسة واستدعى الوزراء إلى قاعة جانبية ووجدوا فيها عشاء «ديليفيري» تضمّنَ سندويشات متنوّعة وأنواعاً من السَلطات.

وقال أحد الوزراء لـ«الجمهورية» إنّ جواً مِن الودّ والمزاح ساد القاعة، حتى إنّ الحريري لم يوفّر أحداً من الوزراء من مزاحه بمن فيهم الوزير علي قانصو، والوزير باسيل توجه إلى الوزير خليل بالقول: «أوعا تفكّر تاخد منّا ضرايب على هل أكلات».

ولاحقاً وزّع المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة البيان الآتي: «بعدما طالت جلسة مجلس الوزراء، وطلبَ عدد من الوزراء تأمين بعض الطعام الخفيف لمتابعة المناقشات، طلب الرئيس سعد الحريري الطعام عبر هاتفه الجوّال، مستخدماً تطبيقات طوّرها شبّان لبنانيون.

وعند وصول الطعام إلى قاعة جانبية عرّف الرئيس الحريري الوزراء الحاضرين إلى أصحاب المبادرة الشبّان الذين طوّروا هذه التطبيقات قائلاً لهم: «هذا هو الاقتصاد الجديد الذي نريد تشجيعَ نموّه في بلدنا، وهؤلاء هم عيّنةٌ من الشبّان المبدعين، أصحاب المبادرات الناجحة في هذا المجال».

بوعاصي

وقال الوزير بيار بوعاصي لـ«الجمهورية»: «نحن لم نهدّد بالاستقالة لأننا أهل فِعل وليس تهديد، والمقاربة التي نطالب بها هي مقاربة صحيحة ولا أحد يعترض على تطبيق القانون 288 / 2014، والجميع يعترف بأنّ الكهرباء تحتاج الى إصلاحات، فالمطلوب تطبيق القانون والخروج من الوضع الراهن».

وعمّا إذا كانت «القوات» مصرّة على عدم التصويت على الموازنة إذا ما خلت من خطة الكهرباء، أجاب بوعاصي: «نحن سنبقى على مقاربتِنا الإيجابية حتى نصل إلى حلّ وننتظر.. لنرَ».

إضراب واعتصام الاثنين

ومع تداوُل معلومات عن أنّ الموازنة ستقَر مطلع الاسبوع المقبل، وبالتماهي مع موعد انعقاد اللجان النيابية المشتركة صباح الاثنين لمناقشة مشروع سلسلة الرتب والرواتب، دعَت الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان الى «الإضراب العام والشامل الإثنين في 6/3/2017 على أن يتخلله اعتصام مركزي في ساحة رياض الصلح الساعة العاشرة والنصف صباحاً».

وحذّرت من المماطلة والتسويف مجدداً، ومن قضمِ حقوق الأساتذة، وطالبَت اللجان النيابية المشتركة بتعديل أرقام السلسلة، وتعديل قيمة الدرجة بما يَحفظ الفارق التاريخي بين راتب الأستاذ الثانوي وراتب الأستاذ في الجامعة اللبنانية.

وكان وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة الذي اجتمع مع رابطة الاساتذة أعلنَ دعمه الكامل لمطالب أساتذة التعليم الثانوي، وأكّد «المظلومية اللاحقة بهم من خلال الموقع والحقوق»، متعهّداً «الدفاع عنهم في مجلسَي الوزراء والنواب».

جابر لـ«الجمهورية»

وفي المواقف، سألت «الجمهورية» عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر عن مكمن العقدة الانتخابية، فأجاب: «نحن لا نذيع سراً إذا قلنا إنّ بعض الاطراف أعلن وبنحوٍ لا لبسَ فيه أنه يرفض تخفيضَ حجم كتلته النيابية، وقد اصبَح الكلام واضحاً، فهناك من يريد ان يأخذ من حصّة غيره فيما غيرُه يرفض إعطاءَه، وهنا ندور في حلقة مفرَغة.

فعادةً في بلد طبيعي نقول لا مشكلة ونتوجّه جميعاً الى مجلس النواب ونصوّت على قانون انتخابي، ومَن لا يعجبه فهو حرّ، لكن كما في لبنان وضعنا مبادىء الميثاقية والمكوّنات، فعندما يستعملها فريق يتمسّك بها أيضاً الفريق الآخر. والآن وصلنا إلى مأزق المكوّنات والميثاقية، فإذا رفض مكوّن أو مكوّنان لا نستطيع ان نتقدّم ولو كانت معنا أصوات تكفي لإقرار أيّ قانون انتخابي».

ترّو

وأكّد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب علاء الدين ترّو لـ«الجمهورية» أنّ «الاتصالات مستمرة للوصول الى قانون انتخابي جديد، لكن لا تقدُّم جدياً، بمعنى أنّ القانون العتيد سيبصر النور في السرعة المطلوبة، ونحن قدّمنا ما لدينا، والآن يفترض أنّ الرئيس نبيه بري يُدوزن الأمور بين القوى السياسية».

وأضاف: «هناك من يريد أن يفرض رأيَه على البلد، وأن يأتيَ بأكبر عدد من النواب تحت حججِِ واهية بينما يدرك الجميع أنّ قانون الانتخاب هو قانون توافقي بين غالبية المكوّنات السياسية والدينية في الوطن».

الراعي

وقال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد عودته من القاهرة «إنّ مِن العيب علينا بعد 12 عاماً أن لا يكون لدى اللبنانيين قانون للانتخاب، فهذا لا يجوز، وبالتالي يوجد مبادئ».

وأكّد أنّ «المطلوب إعطاء قيمة لقانون الانتخاب وإلى صوت المواطن، وأن يكون قانوناً عادلاً وشاملاً بحيث يستطيع كلّ مواطن لبناني التقدّم للانتخابات من دون أن يكون تابعاً لحزب أو مجموعة، فلذلك على القانون أن يحمي كلّ إنسان ليترشّح، ولنخرج من المحادل».

وقال: «لا نستطيع الحديث عن بلد ديموقراطي في لبنان وفي الوقت نفسه نظلّ موجودين قطاعات قطاعات». وشدّد على أنّ بلداً لا توجد فيه موازنة يعني وجود هدر وسرقة للأموال».

«الكتائب»

ورأى مصدر كتائبي مسؤول في كلام الراعي عن قانون الانتخاب وطريقة التعاطي السياسي معه «تعبيراً ناعماً، لكن واضحاً، عن عدم رضى بكركي على الطرق المعتمدة في تفصيل القانون على قياسات محدّدة».

وقال لـ«الجمهورية»: «لا أحد يمكن أن يزايد على بكركي والبطريرك في حرصِهما على تمثيل صحيح وواسع للمسيحيين خصوصاً، واللبنانيين عموماً، وبالتالي فإنّ تطبيق شعار تصحيح التمثيل المسيحي يجب أن يمرّ حكماً بالقواعد التي رسَمها البطريرك».

ودعا القوى السياسية والحزبية «إلى وقفِ التصرّف بأنانية وفئوية، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الجاد والمنطقي لإنجاز قانون الانتخاب والسير بلبنان على طريق الاستقرار السياسي مدخلاً ضرورياً لكلّ أنواع الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي».