الافتراض العام في سوريا يقول إن موسكو لا تتمسك ببقاء بشار الأسد كهدف استراتيجي لها على رأس النظام، وإن إيران تقارب المسألة وفق معادلة صفرية: تنتصر طهران ببقاء الأسد وتهزم برحيله.
هل انقلبت الآية بعض الشيء؟ هل باتت موسكو أقرب إلى حماية بقاء الأسد في مرحلة انتقالية في حين قد يكون من مصلحة إيران التخلص منه إن بات ورقة روسية؟ السؤال لا يزال إلى حد بعيد في دائرة العالم الافتراضي السياسي أو هكذا يبدو للوهلة الأولى. وقد لا يتجاوز كونه رياضة ذهنية في مراجعة النظر إلى سوريا وأزمتها. لكنه رياضة ضرورية.
منذ سقوط شرق حلب وانهيار مسار الحل السياسي الأميركي الروسي قبل شهر من نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولدت معادلة جديدة للحل قوامها المسار التركي الروسي أساساً، مضافاً إليه دور إيران بحكم الأمر الواقع، وكانت آستانة هي نقطة الانطلاق.
مذاك، تتراكم الأدلة على تباعد موسكو وطهران، رغم قدرة الدولتين على ابتلاعها والتحايل عليها حتى الآن. ابتلعت إيران الحضور التركي. ابتلعت مشاركة المعارضة المسلحة والاعتراف الاضطراري بها، خلافاً لكل الرواية الإيرانية التي تدرج المسلحين في سياق الإرهاب ولا شيء غير الإرهاب. وابتلعت مشاركة واشنطن، وهي ترقب بعين شكاكة، الغزل بين الكرملين والبيت الأبيض. كل ذلك لم ينجح في تغييب ملمح ناشئ في ثنايا العلاقات الروسية الإيرانية، وهو الصراع على بشار الأسد نفسه ووظيفته في الأزمة.
كان أسلوب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فجاً قبل أسابيع في مؤتمره الصحافي السنوي المخصص للحديث عن نتائج عمل الدبلوماسية الروسية، حين قال إن «دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين عندما تدخلت روسيا في سوريا». وصلت الرسالة إلى إيران على أبواب انطلاق مؤتمر آستانة، ورد باسمها اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار الخاص للمرشد الإيراني علي خامنئي، معتبراً أن «الاستشارات العسكرية الإيرانية منعت سقوط بغداد ودمشق». وقبل أيام قال حسن نصر الله: «الكل بات يعرف أن الحرب الجوية وحدها لا تصنع نصراً، واليوم في سوريا لو لم يقاتل الجيش السوري ومختلف الحلفاء على الأرض فأكبر سلاح جو لن يستطيع أن يحسم المعركة وهذا من الثوابت العسكرية» في ردٍ آخر على روسيا.
لعبة «حصر الإرث» هذه، والصراع على تحديد حصص كل فريق في رصيد إنقاذ الأسد هي صراع على الأسد نفسه، لاستمالته إما لمنطق موسكو السياسي وإما لمنطق إيران العسكري الراغب في الدفع إلى حلول عسكرية إضافية في إدلب ودرعا وغيرهما.
ليس بعيداً عن هذا التناتش وما يستلزمه من رسائل سياسية، أزمة المحروقات في سوريا والتي تضعها مصادر سورية في سياق الضغط الإيراني على الأسد لتذكيره أن جزءاً رئيسياً من شرايين حياة النظام تمسك بها طهران التي ترسل بواخر المحروقات وغيرها إلى بانياس! الولاء مقابل الغذاء.
وثمة من يطرح علامات استفهام جدية حول هوية من يقف خلف تفجيري حمص الأخيرين اللذين استهدفا فرعي الأمن العسكري وأمن الدولة في حيي الغوطة والمحطة بمدينة حمص وأديا إلى مقتل عدد من الضباط والجنود، بينهم رئيس فرع الأمن العسكري العميد حسن دعبول. في الأمن يصعب الحسم باستنتاجات سياسية، لكن الأسئلة نفسها مؤشرات إلى مناخات اللحظة السياسية. فهل ثمة من يقول للأسد: روسيا تملك السماء ونحن نملك الأرض؟ هل على الأسد أن يستنتج أن من يفجر في عقر داره في حمص قادر على اللعب بالنار في عقر داره بدمشق؟
منذ آستانة تلمس إيران، أن الأسد بات أقرب إلى منطق موسكو. تدرج من القبول بالجلوس مع المعارضة المسلحة في آستانة إلى القبول قبل أيام بالبحث في الانتقال السياسي في جنيف.
ومخابرات طهران تعلم أن شريحة كبيرة من سوريا العميقة المحيطة بالأسد باتت، منذ تدخل موسكو، تعبر بحدة عن ضيقها بالدور الإيراني. وهذه شريحة تضم أركاناً من «نخبة النظام الصامتة» وكبار رجال الأعمال والصناعيين والتجار ممن ترتبط بهم عشرات آلاف العائلات، في كل المدن السورية وفي المهاجر القسرية لا سيما في دول الجوار.
إن اقتنعت إيران أن الأسد راحل وفق المنظور الروسي، فقد تعمل على إزاحته بتوقيت يناسبها. وهي ستنحاز لخيار الفوضى على خيار دولة جديدة في سوريا، تعلم أنه أياً تكن تركيبتها فلن تكون المعبر الرحب ذاته لدور إيران الاستراتيجي في المشرق.
فهل باتت حماية الأسد في المرحلة الانتقالية خطوة في مواجهة إيران وليس العكس؟ ربما.