بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم والصلاةُ والسلامُ على سيّدِ الخلقِ، الرحمةِ المهداةِ والنعمةِ المسداةِ لكلِّ العالمينَ محمّدٍ وآلهِ الأطهارِ وصَحبِهِ المُنتَجَبِينَ الأخيارِ. السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ...
 

أستهلُّ كلمتي بالإعرابِ عن الشكرِ الجزيلِ للإمامِ الأكبرِ الأستاذِ الدكتورِ أحمدِ الطيّبِ شيخِ الأزهرِ ورئيسِ مجلسِ حُكماءِ المسلمينَ، والشكرُ موصولٌ للسادةِ أعضاءِ المجلسِ والسادةِ المنظِّمينَ لهذا المؤتمرِ.. لأقولَ لكم بكلامٍ يخرُجُ من صميمِ القلبِ وينسجمُ مع ما تشهدُه المرحلةُ الراهنةُ بأنَّ النجفَ الأشرفَ تُشاطِرُكم الهمومَ وتُتابِعُ معكم بقلقٍ بالغٍ الوضعَ الحاليَّ للأمَّةِ والعالَمِ .

وقد حمَلَتْني أقدامِيَ مُسرعةً لهذهِ القاعةِ بعد الاطّلاع على مضمونِ رسالتِكم التي يتوقَّدُ منها الإصرارُ والجدّيّةُ في العملِ المشتركِ لما يترتّبُ على عاتِقنا من تكليفٍ شرعيٍّ لممارسةِ دورِنا الرساليِّ الحقيقيِّ لحمايةِ مبادِئِنا وقِيمِنا التي أمرَنا اللهُ جلَّ شأنُه بها، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة 105)

ولمّا كنّا نعملُ معًا من مُنطلَقِ الالتزامِ الدينيِّ والأخلاقيِّ والإنسانيِّ للمصلحةِ العامّةِ، والحرصِ لتطبيقِ مبادئ الدينِ الحنيفِ، والوسطيّةِ التي كرّم اللهُ_ جلَّ شأنُه_ بها هذه الأمّةَ واضعينَ نصبَ أعينِنا التشريعاتِ السماويّةَلا سيّما الإسلاميةُ التي عُنِيتْ بحفظِ النفسِ الإنسانيةِ ، والتصدّي لهذا الغُولِ الكبيرِ الذي يجتاحُ بلدانَنا ، ويُوقِعُ بأبنائِنا، ولكي ننأى بأنفسِنا، بوصفِنا قادةَ دينٍ وفكرٍ، عن الانغلاقِ والتعصُّبِ لكونِنا في خطِّ مواجهةِ حربٍ فكريّةٍ عَقَديّةٍ وأيدلوجيةٍ خالصةٍ، ولعِظَمِ مسؤوليتِنا سنكونُ أكثرَ الناسِ مسؤوليةً بين يَدَي اللهِ سبحانَه وتعالى، لذا علينا أن نُرَكِّزَ في دراسةِ المتغيِّراتِ والتطوّراتِ التي حلّتْ في بلدانِنا ، وابتُلِينا بها، وتشخيصِ المشكلةِ بأبعادِها الحقيقيةِ من أجلِ إظهارِ وتداركِ الصورةِ الناصعةِ لدينِنا وإنسانيتِنا التي تكادُ تكتسي بثوبٍ رثٍّ وصورةٍ مُشوَّهةٍ لاتُطاقُ بشاعتُها.

إقرأ أيضا : السيد على الأمين: مجتمع المدينة المنورة مثال للاهتمام بأفراد المجتمع

 

ومن مُقتضى الواجبِ الشرعيِّ، علينا أنْ نُقرِّبَ لا نُبعِّدَ، وأن نُحبِّبَ لا نُكرِّهَ، وأن نحفظَ جوهرَ الدستورِ السماويِّ السمْحِ الذي جاءَ أصلًا من أجلِ الإنسانِ روحًا وجسدًا واهتمَّ بجميعِ شؤونِهِ الحياتيةِ والتربويةِ والاجتماعيةِ إذ خلقَ اللهُ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ، وكان من أهمِّ مقاصدِ التشريعِ الإسلاميِّ الأخذُ بوسائلِ الحمايةِ والردْعِ، ولقد توعَّدَ البارئُ سبحانه في كتابِهِ العزيزِ بأقسى العقوباتِ والخلودِ في نارِجهنّمَ وبئسَ العذابُ لمن يعتدي على روحِ أخيهِ الإنسانِ أو جسدِهِ أو فكرِه.

ومعلومٌ أنَّ السنّةَ النبويّةَ الشريفةَ لم تُميِّزْ بين دمِ الإنسانِ بصورةٍ عامّةٍ، لجنسٍ أو لونٍ أو انتماءٍ، وإنّما نظرتْ إليهِ بأنّه ذلك المخلوقُ الذي كرّمه اللهُ وفضّلَه على كثير من خلَقَه، وقد تواترتْ النصوصُ في هذا الباب وحفِظَتِ الحقوقَ لجميع بني الإنسان، ومن أهمِّ الضوابطِ التي جاءتْ في السنّةِ الشريفةِ أنَّ النفسَ محترمةٌ احترامًا مطلقًا بعيدًا عن انتمائِها لدينٍ أو قوميّةٍ أو مذهبٍ مُعيَّنٍ، ذلك لأنَّ الإنسانَ لذاتِهِ مخلوقٌ يستحقُّ الاحترامَ أيًّا كانَ، وقد وردَ في النصوصِ المُقدَّسةِ الكثيرةِ والمتّفقِ عليها تحريمُ قتلِ النفسِ بغيرِ حق دون تقييد هذه النفس بمؤمنةٍ أو كافرةٍ.

وأمام التحدّياتِ والإشكالاتِ التي تَعصِفُ بعالمِنا، والفتنِ التي فتّتَتْ مجتمعاتِنا لتفريقِها وتشتيتِها، وما نتجَ عن ذلك من آثارٍ في حاضرِنا ومستقبلِنا، بعد أنْ كنّا كتلةً واحدةً يجمعُنا الوطنُ الواحدُ والأخُوّةُ الصادقةُ وحسنُ الجوارِ والقيمُ الإنسانيةُ النبيلةُ، لذا علينا أنْ نضعَ السُبُلَ الكفيلةَ لمعالجتِها بالطرقِ السليمةِ والمواجهةِ العلميةِ التي تَضمَنُ نتائجُها الوصولَ للعلاجِ النافعِ الذي من شأنِهِ تقليصُ الهُوّةِ بينَ الشعوبِ وتقليلُ الأضرارِ.

السادةُ المحترمونَ...

من أجلِ العملِ بجدّيةٍ بالغةٍ ولغرضِ تعزيزِ الثقةِ، لاأرى أيَّ سبيلٍ لنا سوى المصارحةِ إنْ أردنا الوصولَ لمرضاةِ اللهِ وغفرانِه، وبودّي في هذا الموقفِ وقبلَ إثارةِ بعضِ التساؤلاتِ، أنْ أقولَ: علينا أن نعترفَ ونتقبّلَ أوّلًا بأنّه لا يخلو دينٌ أو مذهبٌ من الشوائب وإخفاق في التطبيق، أو حضارةٌ أو قوميّةٌ من رأي غير مقبول أحيانًا، ومن الغثِّ والسمينِ، والصحيحِ والسقيمِ، ولا توجدُ أيّةُ مدرسةٍ فكريةٍ معصومةٍ عن الخطأ.

لكن هل من الإنصافِ والموضوعيةِ حينما نُقيِّمُ فكرًا أو مدرسةً أو منهجًا أو شخصًا أن نضعَ إصبَعَنا على الإخفاقاتِ فقط، دونَ البحثِ عن المشترَكاتِ؟ ثمّ إنّي أعجَبُ لمنْ يَستغرِبُ من وجودِ داعشَ؟ ألمْ تكنْ ولادةً شرعيةً وطبيعيةً للتراثِ الدينيِّ المتطرف والفكرِ المتطرِّفِ؟ ونتاجًا لما يُدرَّسُ في المناهجِ الدراسيةِ لبعضِ الدول؟ وأما نعلمُ بأنّ داعشَ تُدرِّسُ أطفالَنا في المَوصِلِ والرقّةِ تلك المناهجَ نفسها؟ ثمّ إلى متى هذا الصمتُ ونحن نرى بأمِّ أعيُنِنا بعضَ دولٍ تتبنّى الإرهابَ والتطرّفَ من خلالِ التمويلِ والإعلامِ ووسائلَ أخرى؟، ولا أعرِفُ متى نتعلّمُ من التاريخ ونستفيدُ ونُفيدُ من دروسِهِ بأنّ دعمَ الإرهابِ "سحرٌ ينقلبُ على الساحر"، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، ولو تساءَلنا: من خوّلَ رجلَ الدينِ سواءٌ أكان مُغرِضًا أم جاهلًا ليخطُبَ بالناسِ مُستندًا إلى موروثٍ تاريخيٍّ مغلوطٍ في تفسيرِ آيةٍ أو روايةٍ ليُكفِّرَ مجتمعاتٍ وأممًا بأسرِها ويُحِلَّ قتلَهم؟ ، ومن يتحمّلُ المسؤوليةَ؟، وهل يُعقَلَ أنَّ الرئيسَ الأميركيَّ ووزيرَ خارجيتِهِ يحثّانِ المسلمينَ السنّةَ والشيعةَ على المصالحةِ والعيشِ معًا؟!، بكلِّ أسفٍ أقولُها أيُّها السادةُ: كُلُّنا نتحمّلُ المسؤوليةَ، ولا أستثني أحدًا شيعيًّا كان أو سنيًّا ، مسيحيًّا كان أو يهوديًّا، شرقيًّا كان أو غربيًّا، ذلك لوجوبِ العملِ الجماعيِّ المُتضافِر.

نعم نحنُ في مأزِقٍ حقيقيٍّ وأمامَ تحدٍّ كبيرٍ، ووجودُنا معًا هو قدَرُنا الذي لا مهربَ منه، ولا يُمكِنُ أن نتصوّرَ استقرارًا حقيقيًا لمنطقتِنا أو العالمِ في ظلِّ تهميشِ مُكوّنٍ آخَرَ، وديانةٍ أو طائفةٍ معيَّنة ، فلا سِلمَ دونَ حفظِ التوازُنِ والاعتدالِ، كما يجب أن يُحترَمَ الجميعُ في ظلِّ العدالةِ الإنسانيةِ والمواطنةِ والمساواةِ في الواجباتِ والحقوقِ، ويبقى الحسابُ على ربِّ العبادِ. 

هنا تكمُنُ وظيفتُنا "والخطابُ لحكماءِ الأمّةِ" في المواجهةِ والمعالجةِ من خلالِ لقاءاتِنا وتجمُّعاتِنا وبذلِ الجهودِ الاستثنائيةِ بعزمٍ وقوّةٍ نستمدُّها من اللهِ تباركَ وتعالى ومن حولِهِ وقوّتِهِ انطلاقًا من منابرِنا وخطاباتِنا ومؤسّساتِنا ومدارسِنا ومتابعةِ المناهجِ، وتوسيعِ مساحةِ التعاوُنِ بينَنا على البِرِّ والتقوى كما أمرَنا ربُّنا الخبيرُ اللطيفُ، وأنْ نكونَ متيقِّظينَ متكاتفينَ معاهدينَ اللهَ ورسولَهُ وأنبياءَه صلواتُه وسلامُه عليهِم أجمعينَ، على أنْ نحمِلَ سلاحَ الفكرِ النيِّرِ الذي جاءتْ من أجلِهِ رسالاتُ السماءِ لدحْرِ الفكرِ المنحرِفِ الذي صنعَهُ الأشرارُ عن قصدٍ أو من غيرِ قصدٍ لزرعِ بذرةَ التطرُّفِ في صفِّ الإيمانِ ونشرِ البِدَعِ بين العوامِّ من الناسِ، تلك البِدَعُ التي استنكرَها الإسلامُ  (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)(الحديد 27) .

ومن أهمِّ الحلولِ والمعالجاتِ القضاءُ على الجهلِ والتخلُّفِ والفهمِ الخاطئِ للإسلامِ وعقائدِهِ وأحكامِهِ، ومواجهةُ الأفكارِ المتطرِّفةِ والتكفيريةِ التي جعلت الإسلامَ ديناً مُخيفاً، وكذلك قطعُ دابرِ الدَجَلِ والتضليلِ الذي ترتكزُ عليه داعشُ وأخواتُها في فتاواها، وأن ننتقلَ من دورِ التفرُّجِ أو التخاصُمِ على الجزئيّاتِ، إلى الخيارِ الوحيدِ وهو نشرُ ثقافةِ التسامُحِ والتعايُشِ والتحابُبِ، والحثُّ على روحِ المواطنةِ التي ما زالتْ بعضُ ولاءاتِها عاكفةً على العِرقِ والجنسِ والقوميّةِ والدينِ والمذهبِ، وكذلك حفظُ المفاهيمِ الصحيحةِ للمواطنِ من حقوقٍ وواجباتٍ بَدءًا بالتعليمِ ومراقبةِ المناهجِ الدراسيةِ، ومواجهةِ ما يصدُرُ من بعضِ الفضائياتِ والمواقعِ التي تُثيرُ الشبهاتِ، وتُروِّجُ للعنفِ؛ والتصدّي لمن تخلَّوا عن أمانتِهِم العلميةِ وأصبحوا دعاةَ ضَلالٍ، "وللأسفِ من جميعِ الفِرَقِ ولا أخصُّ هنا فِرقةً دونَ أخرى"، والسعْيِ لتأسيسِ فكرٍ يقبلُ الحوارَ مع الآخَرِ مبتعدينَ عن الحوارِ الصادمِ، وعدمِ التعدّي والتجاوُزِ بسبِّ مقدَّساتِ الآخَرينَ ورموزِهِم، ومشاركةِ النُخَبِ الفكريةِ والأكاديميةِ والإعلاميةِ المعتدِلةِ في مؤتمراتِنا وإعادةِ قراءةِ النصوصِ الدينيةِ والتراثِ، وتشريعِ القوانينِ الكفيلةِ بتجريمِ الطائفيةِ والمروِّجينَ لثقافةِ العنفِ والكراهيةِ، وتبنِّي مشروعِ المواطَنةِ الحقيقيةِ البعيدِ عن الإثنيّاتِ والقوميّاتِ العابرِ للأديانِ والمذاهبِ لنبنيَ وطنًا يحتضنُ الجميعَ وتُحترَمُ فيه الكرامةُ الإنسانيةُ.

إقرأ أيضا : إعلانُ الأزهرِ للمُواطَنةِ والعَيْشِ المُشتَرَكِ

 

لذا أحرِصُ دائمًا على تذكيرِ نفسي بأنّنا نسعى جميعًا إلى ما فيه الصالحُ العامُّ، وكلُّنا نُحِبُّ الخيرَ من أعماقِ قلوبِنا، وكلُّنا نعملُ من مُنطلَقِ الالتزامِ بالقيمِ الدينيةِ والإنسانيةِ والحرصِ عليها، ومن خلالِ المعايشةِ للظرفِ الراهنِ الذي يمرُّ به بلدي العراقُ اسمحُوا لي أن أعرِضَ عليكم رؤيةَ النجفِ الأشرفِ من خلالِ بعضِ المواقفِ للمرجعيةِ الدينيةِ الشيعيةِ العليا في العالمِ الإسلاميِّ التي لم يصدُرْعنها في تاريخِها الطويلِ أيّةُ فتوى ضدّ الأديانِ الأخرى أو المذاهبِ الإسلاميةِ وأتباعِها متناغمةً مع ما أوصى به أميرُ المؤمنينَ عليٌ (عليه السلام) مالكًا الأشتر الذي عيّنه واليًا له على مِصْرَ، بأن يكونَ مُحبًّا للرعيّة، مُحترمًا لمشاعرِ الناسِ من أيّةِ فئةٍ كانوا حين قال: "وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ ، ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ"، وما زالَ مراجعُنا كما كانوا في تأريخِهِم الطويلِ يؤمنُون بالتعايُشِ السِلميِّ بينَ أبناءِ المذاهبِ الإسلاميةِ من سُنّةٍ وشيعةٍ وغيرهما، وبينَهم وبينَ أبناءِ الأديانِ الأخرى، وقد أصّلوا ذلك بمنهجٍ عمليٍّ يبتعدُ عن الشكلياتِ غيرِ المُنتِجةِ لحسابِ المضمونِ الذي يُكرِّسُ ثقافةَ التقارُبِ والتعايُشِ، فلم أقرأْ أو أسمعْ خطابًا للمرجعيةِ الدينيةِ في النجفِ الأشرفِ في حاضرِنا يَخصُّ الشيعةَ مُطلَقًا.. بل كانتْ كلُّ خطاباتِها للعراقيينَ كافّةً بجميعِ دياناتِهم ومذاهبِهم ومشاربِهم، ولايخفى على أحدٍ الوقفةُ التاريخيةُ لمرجعيّتِنا بإطفاءِ نارِ الفتنةِ التي أرادَ بها العدوُّ إراقةَ الدماءِ والاقتتالَ بينَ أبناءِ البلدِ الواحدِ من خلالِ تفجيرِ مرقدِ الإمامينِ العسكريَّينِ عليهِما السلامُ بسامَرَّاءَ، بل حثَّتْ على التهدئةِ والتكاتُفِ ووحدةِ الكلمةِ، فضلًا عن استقبالِ المُهجَّرِينَ من مسيحيّينَ وإيزيديّينَ وصابئةٍ وعربٍ مسلمينَ من السُنّةِ واحتضانِهم في مدينةِ النجفِ الأشرفِ وكربلاءَ المقدّسةِ والتكفُّلِ بهِم وتقديمِ العونِ والمساعداتِ الإنسانيةِ لعوائِلِهم بل أكثرَ من هذا، لمن يُريدُ أن يُتابعَ إلى هذه الساعةِ لم تتوقفْ قوافلُ المساعداتِ الإنسانيةِ من المرجعيةِ الدينيةِ إلى المخيّماتِ في أربيلَ والمَوصِلِ وتكريتَ والأنبارِ وغيرِها من مناطقِ العراقِ المنكوبةِ.

واسمحوا لي أنْ أقرأَ عليكم من النصوصِ الواردةِ في خطابِ أحدِ علمائِنا قائلا : "امتدادًا لنهجِ أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهِم السلامُ وتعاليمِهِم لشيعتِهِم جاءتْ دعوةُ علمائِنا المتكرِّرةُ إلى العيشِ المشتركِ والتعايُشِ السِلميِّ والسلمِ الأهليِّ، وأدنى حدٍّ منه عدمُ التعدّي والتجاوزِ بسبِّ وهتكِ مقدّساتِ الآخَرينَ ورموزِهِم وتركُ الكلماتِ النابيةِ والخشنةِ والتعرُّضِ لهم، بل استعمالُ كلِّ الأدبِ والاحترامِ والتعاونِ على القواسمِ المشتركةِ التي هي كثيرةٌ جدًّا " .
 وما تقدَّمَ من إيجازٍ لمواقفِ مرجعيَّتِنا لهو خيرُ شاهد على المواقفِ الإنسانيةِ الأصيلةِ في المواطنةِ.
وفي الختامِ أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُرِيَنا الحقَّ حقًا ويرزَقنا اتباعه ويُرِيَنا الباطلَ باطلًا ويرزقَنا اجتنابَه، ويَمُنَّ علينا بحولِهِ وقوّتِهِ للتصدّي لكلِّ التحدّياتِ التي نواجِهُها ويوفِّقَنا لتعزيزِ قيمِ المحبّةِ والتعايشِ والمودّةِ بينَ بني البشرِ على أسسٍ إنسانيةٍ مشترَكةٍ،وندعوه جلّتْ قدرتُه أن يوفِّقَنا ونحن تحتَ هذه القبّةِ المبارَكةِ ومع هذا الجمعِ المؤمِنِ والمبادرةِ العظيمةِ لهذه المؤسَّسةِ المعروفةِ بتاريخِها العريقِ ومواقِفِها النبيلةِ الدينيةِ والإنسانيةِ وقيادتِها لمشاريعَ عملاقةٍ في وحدةِ الصفِّ، واستقطابِهِا الخيِّرينَ في الأرجاءِ من أجلِ التعاونِ لنشرِ المحبّةِ والوئامِ لبني الإنسان ، وأُكرِّرُ شكري وامتناني للسادةِ المسؤولينَ عن تنظيمِ هذا المؤتمرِ والجهودِ الكبيرةِ في إعدادِه، جعلَها اللهُ في ميزانِ حسناتِهِم وتقبّلوا خالصَ دعائي للحاضرينَ جميعًا بالتوفيقِ والسداد .