نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلاً للكاتب جاكسون ديهل، يقول فيه إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب درس الفشل المتراكم على مدى عقود في إيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وفكر في العالم المليء بالتحديات التي تواجه إدارته، وتوصل إلى نتيجة تفيد بأنه سيكون الرئيس الذي يتوسط للتوصل إلى صفقة سلام شامل في الشرق الأوسط، حيث قال خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إنها "قد تكون صفقة أكبر وأفضل مما يستطيع الناس في هذه القاعة استيعابه".

ويتساءل ديهل قائلاً: "ما هو الأمر المتعلق بالأرض المقدسة الذي يجعلها تلهم الإنجيليين؟ ربما يجيب السؤال على نفسه، وعلى أي حال، فإن طموحات ترامب الدبلوماسية الكبيرة ليست فريدة، فهي في الواقع تشبه كثيرا تلك التي حلم بها جون كيري وباراك أوباما، ويبدو أن الزعماء الأمريكيين يصابون بالعمى لواقع الشرق الأوسط المعقد، عندما ينظرون إلى بريق الفوز بتحقيق حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما يصابون بالصمم تجاه نصائح المستشارين الخبراء، الذين ينبهونهم إلى أن مبادرتهم العظيمة مكتوب عليها الفشل، وتصبح لديهم قناعة أن استراتيجية أمريكية جديدة للسلام يمكن أن تجعل النجاح ممكنا فجأة".

ويشير التحليل إلى أنه عندما دخل أوباما البيت الأبيض عام 2009، كانت إمكانية التوصل إلى صفقة لقيام الدولة الفلسطينية تحتضر؛ وذلك بشكل رئيسي بسسب زعامة الطرفين، فبالإضافة إلى كراهية كل منهما للآخر، فإن نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يكونا على استعداد لتقديم التنازلات الضرورية، لافتا إلى أنه بعد ذلك بثماني سنوات لا يزال كلاهما يراوح مكانه، بل هما أكثر عنادا من ذي قبل.

وتلفت الصحيفة إلى أن أوباما ظن أنه قادر على النجاح حيث فشل الآخرون في ممارسة شيء من الضغط الأميركي على إسرائيل، ابتداء من المطالبة بتجميد كامل لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، وذلك مع مد يده تجاه العالم الإسلامي، ما سيسمح بالتوصل إلى اتفاق سلام خلال عامين، مستدركة بأن خطة أوباما فشلت بسرعة للسبب ذاته الذي قال له مستشاروه إنها ستفشل بسببه، فالضغط الأميركي لن يجعل إسرائيل توافق على وقف بناء المستوطنات، وذلك أعطى عباس المبرر لرفض التفاوض.

ويقول الكاتب: "أتى بعد ذلك كيري، الذي عمل على أساس نظرية خضوع كلا الطرفين لما تراه واشنطن شروط الاتفاق التي لا مفر منها، وكل ما هم بحاجة له هو شخص يمتلك المهارات السياسية والالتزام والمثابرة ليجعلهم يصلون إلى الاتفاق، وبعد سنة من العمل الدؤوب، أثبت الخبراء أنهم محقون: فلم يكن نتنياهو ولا عباس يقبلان بالخطوط الأمريكية العريضة بصفتها قاعدة لإجراء المزيد من المفاوضات".

ويضيف ديهل: "الآن جاء دور ترامب، الذي يبدو أنه يفكر مثل أوباما، بأن على الولايات المتحدة تخفيض التزاماتها العالمية، والتوقف عن محاولة بناء الدول، ما عدا عندما يصل الأمر إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، ومرة أخرى يطلق الخبراء المخضرمون صفارات الإنذار، فيقول خبيرا الشرق الأوسط ديفيد ماكوفسكي ودنيس روس: (لسوء الحظ، فإن الظروف الآن ليست ملائمة للتوصل لاتفاق سلام، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم الهوة بين الطرفين، التي لم يسبق لها مثيل)، وقال مارتين إنديك: (لا يعتقد الإسرائيليون ولا الفلسطينيون أن السلام ممكن، ولا حتى مرغوب فيه)".

ويستدرك الكاتب بأن "ترامب يقول لا بأس: فإن لديه فكرة جديدة، لكنها في الواقع فكرة قديمة، أعاد تفعيلها نتنياهو، الذي اقترح العام الماضي أن تبني إسرائيل على مصالحها المشتركة مع الدول السنية، مثل مصر والأردن والسعودية، التي تركز أيضا على احتواء التمدد الإيراني وتدمير الجهاديين الإسلاميين، وعلى الطريق يمكن التوصل إلى صفقة سلام تعترف الأنظمة بموجبها بإسرائيل مقابل تنازلات للفلسطينيين".

ويورد التحليل أنه "بحسب رواية ترامب الساذجة: (إنه شيء مختلف تماما، لم يتم نقاشه من قبل، وفي الواقع فإنها صفقة أكبر بكثير وصفقة أهم بكثير، ستدخل فيها دول كثيرة، وستغطي مساحات كبيرة جدا)".

وتؤكد الصحيفة أن "الفكرة تعود لعام 2002، عندما اقترحت السعودية إقامة علاقات مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة، وتبنت الجامعة العربية هذه الفكرة، وعدم تقدمها منذ ذلك التاريخ له دلالاته: فالحكومات العربية ليست مستعدة للتفاوض بالنيابة عن الفلسطينيين، وأقل من ذلك فإن المصادقة على شروط للسلام يرفضها عباس، ويمكن لهذه العملية أن تنجح فقط إن توصل الفلسطينيون والإسرائيليون معا إلى حل، وهو ما لا يمكنهم فعله ولا يرغبون بفعله الآن".

وينوه ديهل إلى أن "لدى ماكوفسكي وروس مقترحا معقولا: فبدلا من وضع هدف لإحلال السلام في الشرق الأوسط مرة واحدة، ربما تحاول الإدارة تحقيق التقدم في عدد من القضايا المحددة، إحداها يمكن أن تكون اقناع نتنياهو بعدم بناء مستوطنات خارج الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل، بالقرب من حدودها مع الضفة الغربية، وقضية أخرى يمكن أن تكون إقناع الفلسطينيين بالتوقف عن دفع الدعم لعائلات المتطرفين الذين يقومون بأعمال عنف ضد الإسرائيليين".

ويخلص الكاتب إلى القول إن "القيام بخطوات قليلة كهذه قد يخلق مناخا دبلوماسيا أفضل، ويحافظ على الأقل على خيار قيام دولة فلسطينية في المستقبل، وبالطبع لن يحصل ترامب بذلك على جوائز سلام ولا الحق في التفاخر، لكنه سيتجنب أن يكون خاسرا آخر في الشرق الأوسط".