يعدّ الجيش الإسرائيلي من أكثر الجيوش فاعلية في العالم. وبعدما كانت إسرائيل مضطرة في السابق إلى تسليح نفسها بفائض من المعدات التي اشترتها من الدول الأكثر قوة (وسرقتها أحيانًا)، أصبحت الآن من بين أكبر 6 مصدّري أسلحة في العالم، وكسبت ملايين الدولارات سنويًا من بيع معدات عسكرية إلى مشترين من الصين والهند كولومبيا وروسيا. كيف فعلتها إسرائيل؟


في كتاب "عرّافو السلاح: كيف صارت إسرائيل قوة عسكرية عظمى عالية التقنية" THE WEAPON WIZARDS: How Israel Became a High-Tech Military Superpower (288 صفحة؛ منشورات سانت مارتن، 27.99 دولارًا)، يحكي الصحافيان الإسرائيليان ياكوف كاتز وأمير بوهبوت قصة هذا التحول، ويقدّمان وصفًا حيًا لبراعة الجيش الإسرائيلي المتطورة، منذ الأيام الأولى لعمل القوات شبه العسكرية اليهودية في ظل الانتداب البريطاني، وحتى ظهور إسرائيل في الآونة الأخيرة، بوصفها مصدّرًا لنحو 60 في المئة من الطائرات بلا طيار في العالم، ومن الأقمار الصناعية وأنظمة الدفاع الصاروخي والدروع التكيفية والأسلحة السيبرانية. يطمح كاتز وبوهبوت إلى أن يقدما أكثر من مجرد سرد للتاريخ الصحافي للتقدم التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، فيرميان إلى شرح كيف تمكنت الدولة اليهودية الصغيرة من التحول إلى مبتكر عسكري. يسألان: "كيف فعلت إسرائيل ذلك؟، وما هو سر نجاح إسرائيل؟"، والجواب هو: الأدمغة والعزم والاحتمال المحفّز بأنّ فناءها وشيك.

لو كان كتاب "عرّافو السلاح" رواية، لكان بقلم هوراشيو ألجر؛ ولو كان قصة رمزية توراتية، لكانت قصة داود وجالوت. ويسلّط كاتز وبوهبوت الضوء على عدد من العوامل الثقافية المترابطة التي حرّكت الابتكارات العسكرية الإسرائيلية. تبتكر أو تختفي محاطة بالأعداء في بدايتها، رأت إسرائيل نفسها دولة على مفترق طريقين: "تبتكر أو تختفي"، وهذا تعبير استعمله آرييه هرتسوغ، رئيس سابق لوكالة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.

وفي هذه الأثناء، ساهم التقليد اليهودي، الذي يشجّع على التعليم والمنح الدراسية، في جعل إسرائيل تعطي قيمة عالية للاستثمار في البحث والتطوير. اليوم، أصبحت النسبة المئوية التي تخصصها إسرائيل من إجمالي ناتجها المحلي للبحث والتطوير أعلى من المعدّل المخصص لهذا المجال في أي بلد آخر. ويلفت كاتز وبوهبوت إلى أن 30 في المئة تقريبًا من قطاع البحث والتطويرالإسرائيلي يذهب إلى التقنيات العسكرية. وتستثمر إسرائيل أيضًا في مواردها البشرية، مع برامج تعليمية متخصصة تهدف إلى إحضار أفضل المواهب إلى الجيش وإرسال الجنود إلى المدرسة. (يقتبس كاتز وبوهبوت عن شمعون بيريز: "نحن بحاجة إلى الاستثمار في أدمغة الجنود، وليس في عضلاتهم فحسب"). إنّ صغر حجم إسرائيل، إضافة إلى تقاليدها في الخدمة العسكرية العالمية، يساعد أيضًا، من خلال ضمان تقليص المسافة التي تفصل بين المسؤولين العسكريين والعلماء ورجال الأعمال.

ونتيجة ذلك، يتم بسرعة وسهولة إبلاغ الاحتياجات والتحديات العسكرية إلى صانعي السياسات والأكاديميين والمموّلين.

عزم وأدمغة ومساعدات بالمليارات

يقدم "عرّافو السلاح" كثيرًا من القصص الجيدة عن أشخاص رائعين. فهناك مثلًا الشاب شمعون بيريز، الذي أجرى مفاوضات على صفقات السلاح في ملاهي هافانا الليلية، وداني شابيرا، الطيار الإسرائيلي الأسطوري الذي اختبر طائرات الميراج الفرنسية، والمسؤول الإسرائيلي الذي ساعد على البدء في برنامج الطائرات من دون طيار الإسرائيلية في أواخر الستينيات عن طريق شراء طائرات التحكم عن بعد من متجر ألعاب في مانهاتن، وإرسالها إلى اسرائيل في الحقيبة الدبلوماسية التابعة للسفارة. ما لا يقدّمه هذا الكتاب هو التأمل في السياق السياسي أو الآثار المترتبة على ارتقاء إسرائيل لتصبح قوة عسكرية عظمى. ويُعتبر كاتز وبوهبوت من المشجّعين، وليس النقاد، وليس هناك مجال واسع للاستبطان في هذه القصة التي تحبس الأنفاس راويةً الانتصار على الشدائد. لم يتم مثلًا ذكر دور الولايات المتحدة إلى حد كبير. فالضمانات الأمنية الأميركية على مدى العقود القليلة الماضية قد جعلت جيران إسرائيل منصاعين نسبيًا، وحتى ودودين، علمًا أن الولايات المتحدة تدفع نحو ربع ميزانية الدفاع السنوية لإسرائيل. وتتلقى إسرائيل مساعدات عسكرية أميركية أكثر من كل دول العالم مجتمعة. وإذا أردنا الردّ بطريقة أكثر كمالًا على سؤال "كيف فعلت إسرائيل ذلك؟"، فالإجابة ستكون: العزم والأدمغة ومساعدات أميركية سنوية بمليارات الدولارات. تتقن فن القتل المستهدف إلى ذلك، لا يتناول كتاب "عرّافو السلاح" كيفية استخدام إسرائيل قوتها العسكرية. فيغيب أي تفكير في دور القوات المسلحة الإسرائيلية في تمهيد الطريق للتوسيع المثير للجدل للمستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية على سبيل المثال، أو تدمير إسرائيل المنازل التي تسكنها عائلات الناشطين المشتبه فيهم، على الرغم من أن المجتمع الدولي أدان هذين الفعلين.

كما أنّ كاتز وبوهبوت غير مهتمّين بالعالم الجديد الشجاع، الذي تساعد إسرائيل على إنشائه. وهما يكتبان بكل فخر أن إسرائيل "أصبحت أول دولة تتقن فن القتل المستهدف"، الذي أصبح الآن "المعيار العالمي في الحرب على الإرهاب". وقد يعتبر البعض ذلك شرفًا ملتبسًا. ولكن، بالنسبة إلى كاتز وبوهبوت، فالقتل المستهدف أو الاغتيال مثير للاهتمام فقط لأنه يلقي الضوء على مزيج من "التكنولوجيا المتطورة والذكاء العالي الجودة، وأفضل العقول الإسرائيلية وألمعها". يضيف كاتز وبوهبوت أن إسرائيل تبدّل الطريقة التي تخاض بها الحروب في جميع أنحاء العالم. وسيكون على القراء أن يقرروا بأنفسهم إذا كان ذلك يدعو إلى البهجة أو إلى الحزن.

 

 

(إيلاف - نيويورك تايمز)