لم يكن يتوقع كلّ من انتظر الجلسة الأولى لاستجواب "قائد الإنتحاريين" وخبير المتفجرات نعيم عباس، أمام المحكمة العسكرية، أن ينطق بهذا الكمّ من المعلومات الخطيرة، وأن يوجّه أصابع الإتهام صراحة للجانب السوري بتنفيذ اغتيالات عدّة في لبنان، لا سيما منها اغتيال اللواء فرنسوا الحاج والتخطيط لعمليات أخرى، وأن يعترف بأن المخابرات السورية قد طلبت من "كتائب عبدالله عزّام" تصفية النائب وليد جنبلاط مقابل "الحصول على أي شيء".

لقد بدا "أبو اسماعيل" لا يخشى شيئاً، فهو وبعد تأجيلات متكررة لمحاكمته بات جاهزاً للإجابة على سيل من الأسئلة التي ساقها بوجهه رئيس المحكمة العميد خليل ابراهيم، ولم يتردّد بالإعتراف باتخاذ قرار بتنفيذ عمليات انتحارية في الضاحية الجنوبية بعدما استفزّه توزيع الحلوى فيها بعد سقوط القصير العام 2013.

الساعة الواحدة ظهرا، شرع العميد ابراهيم باستجوابه في قضية "صنع متفجرات بهدف القيام بأعمال إرهابية تطال اليونيفل والتجمعات الشعبية وتحقيق ذلك من خلال مراقبة والإستطلاع"، وتمحورت الأسئلة بمجملها على الفترة الممتدة بين العامين 2000 و2007، فأكد أنّه كان يعمل من مجموعتين أحداها مختصّة بالعراق والثانية لإطلاق صواريخ على اليهود من الجانب اللبناني، مشيرا إلى معرفته بمحمد عزالدين من خلال محمد الأسطا، والذي كان من ضمن مجموعة سليم أبو غوش التي كانت تجنّد أشخاصاً للتوجّه إلى العراق، وقد تواصل معه عبر"التليكارت" و"الإيميل"، ونفى أن يكون طلب منه شراء خط هاتف جديد من منطة الطريق الجديدة كتدبير إحتياطي للتواصل معه.

وعن مراقبته لتحركات وزير العدل اللواء أشرف ريفي وعدد السيارات المواكبة له وأنّه كان من بين أهداف المجموعة، فضلا عن استهداف المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ومساكن الضباط في رأس النبع ومنزل عسكري في الرملة البيضاء، أجاب: "لا علم لي بهذه المسألة".

وبسؤاله عن تحديد "كتائب عبدالله عزّام" منزل النائب وليد جنبلاط وشخصه كهدف قال: "في العام 2010 ،أرسلت المخابرات السورية شخصا هو صديق توفيق طه وطلبت منّا قتل وليد جنبلاط أو ضربه"، وقالت لنا ما حرفيته: "خذوا اللّي بدكم ياه من لبنان واقتلوا وليد جنبلاط".

وبعد سؤال نعيم عباس مراراً عن تاريخ 12 كانون الأول من العام 2007، ولماذا غاب عن السمع في تلك الفترة والدليل أنّ محمد عزالدين وسليم المعوش حاولا الإتصال به لمدة يومين دون جدوى، فيما أجاب على رقم هاتفه الخلوي توفيق طه؟، أجاب: أنا كنت عند حسين الحجيري في عرسال وعلقت هناك بسبب تراكم الثلوج.

وبسؤال آخر طرحه رئيس المحكمة: "ألا تعلم أنّه حدث أمر هام في ذلك التاريخ، والمعلومات تقول أنك استلمت كمية من المتفجرات في الشهر نفسه؟"، ردّ عباس: "بتلف وبتدور وبترجع على هيدا التاريخ، قصدك فرنسوا الحاج.. فرنسوا الحاج قتله السوريون لأنّه خرج منتصرا من نهر البارد على فتح الإسلام".

ولماذا يقتله السوريون وكيف عرفت؟ استطرد ابراهيم فأجاب: "لأنّه "شابق" (صاعد) حاله كتير سياسيا، هو من طالب بترسيم الحدود في مزارع شبعا، بسبب تفلت الوضع الأمني الحدودي ودخول مسلّحي فتح الإسلام عبرها، وهذا الأمر اعترض عليه السوريون". وأضاف: "لا علاقة لي بقتل اللواء فرنسوا الحاج، وفي وزارة الدفاع قالو لي ذلك"، فسأله رئيس المحكمة متعجبا: "هل يمكن لضابط في وزارة الدفاع أن يقول لا علاقة لك بقتل اللواء الحاج، هل هذا معقول؟"، فردّ عباس:"نعم، هذا ما قاله لي".

وباستيضاحه عن الفترة التي بدأ فيها بتفخيخ السيارات قال:" فكرت بتفخيخ السيارات بقرار شخصي ولم تكن فكرة توفيق طه، وذلك عندما استفزّتني مسألة توزيع الحلويات في الضاحية بعد سقوط القصير العام "2013، معترفا بأنّه كان يستلم الإنتحاريين إما بالقرب من جامع الخاشقجي في الطريق الجديدة أو تحت جسر طريق المطار، حيث كان يصعدان معا في سيارة أجرة، كلّ بمفرده واحد يجلس على المقعد الأمامي والثاني من الجهة الخلفية، وأنّه كان يطلب منه عدم التكلّم مع أو حتى الإيماء له ولو بإشارة. وبعد النزول كان يتمّ الحديث عن التفاصيل خلال تجولهما في المقابر كي لا يسمع حديثهما أحد.

وذكر أنّه بعدما رأى أنّ إطلاق الصواريخ على إسرائيل لم يعد مجديا حضّر 10 انتحاريين من شخصيات مختلفة في سوريا بهدف إدخالهم إلى لبنان للقيام بعمليات انتحارية، وقد اقترح الأمر على ماجد الماجد، لكنّه لم يدخلهم، وشدّد نعيم على انّ أنّه لا يحتاج إلى طلب المتفجرات من خارج مخيم عين الحلوة حيث يُقيم لأنّها موجودة فيه أصلا.

كما أنكر أن يكون قد خطّط لخطف عناصر من الجيش اللبناني أو قام باستهدفه أو باستهداف قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان بأي عمل إرهابي.

وعند هذا الحدّ ، أرجئت الجلسة إلى 13 حزيران المقبل لمتابعة الإستجواب.


سمر يموت