تمهيد: 
كان الكاتب الأميركي فوكوياما، ذو الأصول اليابانية على صواب عندما كتب نهاية القرن العشرين أنّ الديمقراطية الليبرالية هي أعلى مراحل نُظُم الحكم وأرقاها التي عرفتها البشرية طوال تاريخها حتى اليوم، وغنيٌ عن الذكر أنّ الدولة الديمقراطية الليبرالية موجودة في أرقى أشكالها في أوروبا وأميركا الشمالية.
أولاً: الديمقراطية الليبرالية في أوروبا...
في ألمانيا الاتحادية تتربع السيدة ميركل في منصب المستشارية لدوراتٍ عدة بواسطة صناديق الاقتراع الحُرّة، وتشهد فرنسا هذه الأيام انتخابات تمهيدية للتنافس الديمقراطي على منصب رئاسة الجمهورية، حيث الكلمة الفصل  تعود دائما للشعب الناخب، أمّا في بريطانيا، فقد تمّ استفتاء الشعب حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فيخسر رئيس الوزراء رهان البقاء في الاتحاد، فيستقيل غداة الاستفتاء فاسحاً في المجال لحُكّامٍ جُدُد لخوض غمار التجربة البريطانية للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ولا موجب في الإطالة بسجايا الديمقراطية الليبرالية في سائر البلدان الأوروبية وفضائلها.

 

إقرأ أيضًا: الرئيس عون لا ينأى بنفسه عن الصراع في سوريا
ثانياً: الديمقراطية الليبرالية في أميركا الشمالية...
سمح النظام الانتخابي الديموقراطي في الولايات المتحدة الأميركية بوصول الرئيس دونالد ترامب لسُدّة الرئاسة، وترامب هذا، كان وما زال مثيراً للجدل الحامي أثناء حملته الانتخابية وبعد فوزه الرئاسي، وأثارت التصريحات "الترامبية" التي تفوح منها روائح التمييز العنصري والاثني ، فضلاً عن الاستعلاء الفاضح، الذي لم يُعهد عند الرؤساء الأميركين السابقين موجة احتجاجات عدة بلغت حدود العنف يوم تنصيبه، ولم يُخيّب ترامب توقّعات مُعارضي نهجه وسياساته، فبدا مستعجلاً ومُتهوّراً أكثر من اللازم بإصداره قرارات تنفيذية طالت مُسلمي سبع دول إسلامية وعربية، فوقف الجهاز القضائي بوجه الرئيس، فدفعت وزيرة العدل بالوكالة ثمن حرية قرارها بعدم الدفاع عن إجراءات تنفيذية مشوبة بانتهاكات دستورية، فقام ترامب بإقالتها، أمّا الجهاز القضائي المستقل عن الإدارة التنفيذية فوقف بشجاعة في وجه الرئيس، وتقدم المدعي العام في واشنطن بدعوى قضائية ضد إجراءات ترامب متضامناً مع ستة عشر مدعياً آخر في ولاياتٍ عدة ،دون أن يتعرض أحدٌ منهم لخسارة منصبه أو تأنيبه، أو رميه في أقرب سجن من مركز عمله، كما هو معمولٌ به في سائر أنحاء المعمورة.

إقرأ أيضًا: هل بات قيام رابطة شيعية أمراً واجباً وضرورياً؟
وقريباً من الولايات المتحدة الأميركية وعلى حدودها، يقف رئيس وزراء كندا متحدياً ترامب وقراراته التنفيذية، فرحّب برعايا الدول الذين طالتهم إجراءات ترامب ،وخرج في اليوم التالي مُتصدّراً مُشيّعي جنازة ضحايا المسجد في كيبك، ليُثبت للعالم أجمع عظمة الدولة الديمقراطية الليبرالية أينما أُتيح لها الوجود، والتي ما زالت في أوج عظمتها وبهائها في أوروبا وأميركا الشمالية. وإذا جاز لنا أن نتمنّى ، فأمنيتنا الوحيدة أن تحلّ هذه الدولة في ربوعنا، يوماً ما ،دولة متحرّرة من أغلال الدين والاقطاع والقبلية والعصبية، هذه الدولة التي يلعنها رجال الدين صُبح مساء، هي "المهدي" الذي طال انتظاره، ليملأ الأرض عدلاً وأمناً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.