من هولندا، أول بلد يقر شرعية الزواج المدني لمثليي الجنس في نيسان 2001، إلى بلجيكا (2003) واسبانيا وكندا (2005) وجنوب أفريقيا (2006) والنروج وأسوج (2009) والبرتغال وايسلندا والارجنتين (2010) الدنمارك (2012) الاورورغواي ونيوزيلاند (2013)، وبعض المناطق في المكسيك، وتشريعه في تسع من الولايات الاميركية الخمسين وهي كونيتيكت وايوا وماساتشوسيتس ونيوهامشر وفيرمونت ونيويورك وماين وماريلاند وفي واشنطن الولاية والعاصمة.. وأخيراً قرار قضائي في المتن الشمالي في لبنان (2017)!

هذا القرار القضائي الذي أخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام من قبل علماء دين واجتماعيين وقانونيين، أصدره القاضي المنفرد الجزائيّ في المتن ربيع معلوف، وفي حيثياته أن "المثلية هي ممارسة لحق طبيعي وليست جريمة جزائية"، ليس من باب النقاشات التي شهدها العالم حول هذا الأمر من منطلقات فلسفية واجتماعية وحقوقية، بل لأن لبنان يجرّم قانوناً المثلية الجنسية التي توصف بـ"الشذوذ الجنسي"، والمادة 534 من قانون العقوبات تجرّم "كل مجامعة على خلاف الطبيعة بالحبس حتى السنة". هكذا استجرّ القرار ردود أفعال مناهضة، كهيئة علماء المسلمين التي اعتبرت أن القاضي "ضرب بعرض الحائط ما قرّرته جميع الشرائع السماوية، والعقول السويّة، والأعراف المرعيّة".

"المثلية الجنسية جرم"

قانونياً، القاضي معلوف استند الى المادة 183 من قانون العقوبات، حيث "لا يعتبر جريمة الفعل المرتكب في ممارسة حق دون تجاوز" لنزع صفة الجرم عن الفعل، أي بمعنى أن وجود الحق وممارسته وعدم التجاوز ليس جريمة، فهل يحق له قانونياً هذا الأمر؟ تقول المحامية المختصة بشؤون الأسرة، الدكتورة سهير حداد في حديث مع "لبنان 24" إن "عدم تجاوز حقوق الانسان شيء، وإبطال "الجرم" عن المثلية الجنسية شيء آخر، فالاول هو نص عام لا يتعلق بالحقوق الجنسية، أما الاخير فله نصّ خاص به ضمن المادة 534 من قانون العقوبات التي تنص على أن الشذوذ هو "ممارسة جنس بطريقة غير طبيعية وهي بالتالي جرم"، تحت عنوان التعرض للاخلاق العامة والمجتمع والعائلة والحق العام وحقوق الاسرة والاشخاص، لذا هو ليس حقاً طبيعياً، وليس مرضياً كما يشير البعض.

وتضيف: "لا يمكن أن نسمح للفزلكات القانونية ان تستمر عبر بعض القضاة، ولهذا فإن بعض "الاخطاء" لا بد من مواجهتها، ونحن نطالب النيابة العامة الاستئنافية والتمييزية بنقض هذا القرار لكي لا يشكّل سابقة تشريعية، وإنزال العقوبة الرادعة بالمرتكبين".

لكن هل الشذوذ "حق طبيعي" أم هو فعل مخالف للدين وللطبيعه والآداب العامة وللقانون اللبناني؟ تجيب حداد: "الحالة المرَضية او الخَلقية النادرة والوحيدة التي يمكن ان تثار هنا هي حالة" الخُنثى" حيث يكون عند المريض خلقياً أعضاء ذكورية وانثوية بنفس الوقت. وحتى في هذه الحالة يراقَب المريض طبيا لمعرفة الصفات الغالبة لديه فان كانت ذكرية يجري جراحة لتصحيح جسمه ليصبح رجلاً، وبالعكس، ولا يُترك خنثى. امّا من النّاحيه العقلية فإنّه مع محاولة البعض تشريع الشذوذ المخالف للفطرة السليمة والدين والاخلاق، والدّفاع عنه، فهل يمنع على الشاذين ممارسة شذوذهم مع الحيوان؟ أيضاً خلافا للفطرة السليمة!؟".

ماذا يقول الدين؟

دينياً، وفي حديث مع الشيخ أحمد طالب، دعا المفتي الجعفري الى التوقف عند مسألة مهمة وهي: "هل هو يشرع هذا القانون أم أنه لا يجرّمه فقط؟ فنص المادة التي بنى قراره من خلالها (المادة 183) تشير الى أن المثلي لا يتجاوز حقوق اللآخرين وبالتالي لا يجوز توقيفه وسجنه. وفي الدين، ان المثلية في حال لم تسبب اساءة للاخلاق العامة والمجتمع فليست جرماً، لكن في حال جعل من هذا السلوك أسلوباً للاعتداء على الأخلاقيات العامة، هنا وجب النظر في حالته ليبنى على الشيء مقتضاه".

وبرأيه، فإن "الشذوذ الجنسي هو حالة مرضية تستوجب الرعاية والعناية، والمثلي لا يحق له أن يقدم على أي نوع من انواع التطبيق او تلبية حاجات هذه الشذوذ، وعليه ننصحه بأن يعرض نفسه على مصحات نفسية او ان يبعد نفسه عن الممارسات الخاطئة بأية طريقة لكي نحمي الغير والمجتمع من هذا الفعل المنكر"، يقول طالب، ثم يضيف: "موقفنا فقط من الفعل والممارسة، أما الشخص فنعتبره مبتلى نفسيا بهذا المرض".

بدوره، يقول المدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم لـ"لبنان 24" إن الكنيسة لا تقبل بالمثلية الجنسية وتعتبرها خطية من الخطايا الكبرى لانها لا تترجم الحب ولا تدخل ضمن مخطط الله بالخلاص والخلق والانجاب والعائلة، والكتاب المقدس تحدث كثيراً عن اللواط وقال كلاماً قاسياً بحقهم".

وأضاف: قد تكون المثلية حالة مرضية أو ميل متأصل في حياة الانسان أو ردة فعل على فعل حدث، لافتاً إلى أننا "لم ندرس حتى الآن كيفية التعامل والرد على القرر، لكن بشكل عام سنلتزم بقرار السلطة الكنسية"، لافتاً إلى أنه "نحن دورنا ارشاد الناس وتوعيتها، لان هذا القرار منافٍ للدين، والكنيسة تتعاطى معهم من الناحية الابوة والبنوة وتسعى لكي تساعدهم".

من جهته، يستغرب المدير العام السابق للأوقاف في دار الفتوى الشيخ هشام خليفة في اتصال مع "لبنان 24" أن يصدر هذا القرار عن لبناني ابن بيئة أخلاقية، اسلامية او مسيحية، لأن الاخلاق واحدة في الديانتين، محذراً من خطورة هذا القرار، الذي اعتبره "مصادمة" مع نصوص الانجيل والتورات والقرآن الرافضة تماماً لهذا الفعل والداعية الى معالجته بشكل جذري وليس تشريعيه كحق طبيعي.

وأكد أنه مهما كانت الكلمة "تجريم" أو "قبول" أو "تشريع" فهي تدور حول محور واحد وهو قبول هذا الامر، والحكم الصادر هو دعوة لقبول المجتمع والقوانين لهذا الواقع والشاذ، علماً أنه مرفوض شرعاً وعرفاً واجتماعياً ولبنانياً ومرفوض من الله، لأن العلم أثبت أن الانسان لا يولد شاذاً بل ينتج عن بيئة معينة، مشيراً إلى أنه "لو كان القاضي مخلصاً لعمله لطلب المعالجة وليس تشريع الفعل"، وسأل: "هل هو قاض معين للشواذ أو لإنصاف الحق وإعادة الامور الى أصلها؟".

أما حول استئناف القرار، فأكد أن "هذا الامر يعود الى سماحة مفتي الجمهورية والمسؤولين المعنيين في دار الفتوى".